المجلس والمجالس ، مفهوم واضح لدينا لم يتغير بين الأمس واليوم في مضمونه وهدفه ، نظراً لحاجتنا جميعاً لزمان ومكان يجمعاننا بين وقت وآخر بحكم الضرورة . نلتقي لنستشف ما يجري في الحياة من حولنا ونتبادل المعلومات ، ومهما كانت ارتباطاتنا ومهما تغير الزمن والحياة ومشاغلنا فيها فالحاجة باقية كما هي وإن قلت أو تدخلت وسائل الاتصال في التقليل من تلك الحاجة ، إلا أن المجالس التي من شأنها تلاقينا باقية كما هي وإن تبدل الكثير داخلها أو تقلص زمان مكثنا فيها واختصرنا الوقت واختطفتنا الارتباطات والمشاغل ، لكن الوجوه ترى بعضها وتسمع أقوال رفقتها وتأنس بها . و من كمال الأدب والصفات لكل الأفراد والفئات شبابا وشيبا أن يعطى الحضور حقهم من تواجدنا مع بعضنا ، وهذا في العموم ، أما في الخصوص فإن كبير السن له حقه المستقل الذي مدار القول هنا حوله وقد أفردت له الموضوع خصيصا . فتوقير الكبير لسنه واجب وحق من حقوقه فعمره قد أفناه في تربية جيل وتجربة مع الحياة مريرة فيها من التعب والشقاء وفي أيام عمره تناول عن كثير من مطالبه في سبيل تحقيق مطالب ومتطلبات من حوله ، واكتفى بالقليل ليعطينا الكثير ، ولهذا حق له أن يعطى نصيبه من المجلس وافراً غير منقوص مع الإقبال عليه بوجه بشوش ، والاهتمام ولين الجانب وسماع ما عنده ومشاركته في همومه وهواجسه وأخذ مشورته والإفساح لرؤاه وتلقي حديثه بكل إصغاء . وباب توقير الكبير وطرقه كثيرة جداً تجتمع خيوطها في الاحترام بكل معانيه بأي شكل وأي أسلوب . وينعكس احترامنا وتقديرنا لكبير السن المشارك لنا في جلساتنا على محياه حيث تبدو طلاقة الوجه وانفكاك أساريره والبهجة الظاهرة ، وإقباله علينا وحب مشاركتنا في الحديث وشعوره بفسحة المجلس وسعته واتساعه وحضورنا دائرة اهتمامه وفهمنا لأحاسيسه و تقبل مشاعره، والعكس صحيح ، في حال التهميش يصغر المجلس عليه ويضيق ويحتبس فيه بيننا و ينزوي وينسحب تاركاً كل المجال لغيره موثراً الصمت مكتفياً ببعض ما يقتنصه من أطراف حديث قد لا يهمه منها الكثير لكنه يحاول المشاركة بما يستطيع وقد يتفلت منه الحديث ويتشعب لاختلاف بين الأجيال . ولا ننسى أن توقير الكبير واختيار الحديث المناسب له من مبادئنا وجزء من أصالتنا وما تأصل فينا من طبائع وعادات حميدة ورثناها ورسخها ديننا وهي أولا وأخيرا من حسن الخلق وكمال السجايا. وإنه ليحزنني كثيرا عندما أكون في مجلس مليء بالوجوه ثم أجد أحد كبار السن ينزوي هناك لا يروقه حديث الجالسين لعدم اختيار الأنسب له ، فكل ما يقولونه لا يدخل دائرة معارفه ولا مدار اهتمامه وبالتالي يجبره نوع الحديث على الإقصاء ولا شك أنها ستطول عليه الدقائق وتنكمش في نظره مساحة المجلس فيشعر بالضيق ، وكان الأولى أن نختار له ما يناسب اهتمامه ويتوافق مع تجاربه ، فإن كان مزارعاً تخيرنا موضوعا عن الزراعة وإن كان راعيا أخذنا من الرعاة مجال حديث ، وهكذا نقرأ في الوجه الحزين سعادة في لحظات و نحسُّ في الصدر الضيّق بهجة الأنس والفرح ، وهذا هو ثمرة المجالس التي من أجلها يجتمع الرجال . ومسألة التقدير للكبير والصغير والمجالس لنا والمرافق لتجمعنا ونجعل ذلك التقدير أساس العلاقة بيننا فلا تأخذنا الغفلة ولا تنسينا مشاغل شتى عن هذه السجية يقول الشاعر فهد المفرج : المجلس اللي ما لنا فيه تقدير اظن تجنيبه لزوم ٍعلينا حنا ليا جينا المجالس مسايير ان جا لنا تقدير والا مشينا سلومنا تعرف وعاداتنا غير و من لايبي عاداتنا ما يبينا اليا تباطينا الخوي يا المناعير نجيه فاقرب وقت والا يجينا و راعي النمايم ما نبي له معاذير هذاك لا منا ولا هوب فينا مطارد الدنيا و جمع الدنانير عنهن بدين الله ترانا لهينا و ان جن مجاهيم الليالي مغاتير نشكرك يا ربي و نرفع يدينا ولكن قد تلذ لنا سالفة ننسحب في تفاصيلها وتأخذنا عن واقع من حولنا من كبار السن خاصة ، تأخذنا حول الأمور التي نعيشها كالسياسة أو المال أو الصناعات أو الأحوال التي تحيط بنا ، وما يجري من فيضانات أو براكين أو تغييرات دولية وحدود وسدود وأنظمة وهذا من شدة تأثيرها في حياتنا ، ونسترسل معها دون أن ندري فيضيع الوقت فيما لا يهم بعض كبار السن فيملون من مجالسنا وبهذا نكون قد نسيناهم بسبب اختيارنا لموضوع سالفة المجلس ولم نحسب لهم حساب المشاركة يقول الشاعر عبد العزيز السبيعي : على ذكرى الزمان اللي مضى لي هل دمع العين تذكرت السنين الاوله والدمع همالي تلج ابداخلي ذكرى ربوعي والزمان الزين وفكري من هموم القلب وصدوف الزمن خالي يورى في عيوني مجلس الشايب وبيت الطين مداهيل الرجال اللي لهم بالطيب منزالي مجالسهم مجالس للشجاعة والكرم والدين تنومس راعي الطالة وتغبن كل بطالي ماهي مثل المجالس ذا الزمان اللي قبوله شين ماغير السالفة وسط السياسة وأسهم المالي