في كلّ مايستجد ويتوالد في مجتمعنا من ظواهر مسلكية ، أو اجتماعية ، أو أعراف ، أو رؤى ، أو أفكار، أو ممارسات نتعامل معها في التحليل والدراسة والبحث والتشخيص عبر قوالب جاهزة لكل زمان ومكان .ويأتي التحليل والاستنتاج بالمقولة التي أصبحت شهيرة مع سطحيتها وبلادتها "مرد ذلك الى ضعف الوازع الديني ، وسوء التربية " !؟. في قنواتنا الإعلامية المرئية ، والمسموعة ، والمقروءة تطرح ظاهرة "السرعة" أو" ازدحامات السير " أو" التفحيط " أو" انصراف الشباب عن الاعمال المهنية " أو "السفر " وصولا إلى الجرائم " كسرقة السيارات " و" التزوير " و" الرشوة" و"التحرشات الجنسية "، وسوى ذلك من ظواهر ما ظهر منها وما بطن ، ما أصبح كارثيا وما هو في مجراه لأن يكون كارثياً ، وتأتي العبارة الحاسمة الفاصلة والمحبطة دائما " ضعف الوازع الديني ، وسوء التربية " .!؟ ثم تبحث عند من يعظ ، ويحاضر ، ويسوق السرديات ، ويجتر المفردات من القواميس والمعاجم اللغوية ، تبحث عنده عن حلول ، واستشرافات ، وتحليلات لواقع المشكلة أو الظاهرة ، وإعادتها الى جذورها وأسبابها الاجتماعية والمعيشية ، والفوارق الطبقية ، والقلق الدائم المتراكم بفعل الخوف من المستقبل ، من الحياةوالمصير ، تبحث عنده عن تشخيص علمي منهجي فلا تجد غير تكرار العبارة نفسها . نعم ، نؤكد على تقوية وتحصين الوازع الديني عند الانسان في كل أموره ، وتعاطيه مع كل تفصيل حياتي ومعيشي ، وأن يكون هذا سلوكا يمارس بصورة مستمرة ، لكن الظواهر التي وجدت في المجتمع ، والظواهر التي ستأتي ، يجب أن تنطلق معالجاتها من الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني ، ومن علماء الاجتماع ، والمفكرين ، وأصحاب الاختصاص . بحيث توضع الدراسات العلمية ، وتشخص الظواهر ، وتستقصى الأسباب والمسببات ، وتعزل أطراف المشكلة وتعقيداتها وتشابكاتها، ثم يعمل الفكر البحثي الواعي والمنهجي لوضع الخطط والبرامج والأهداف والغايات التي من خلالها نخرِج المجتمع من أوجاع ، وداءات ، وتفتتات الظواهرالاجتماعية التي فرضتها عوامل المتغيرات ، والتحولات في هذا العالم ، وأنبتها تباعدُ المفاهيم ، والثقافات ، والرؤى بين الشعوب والمجتمعات . وصدمة المستجدات الاجتماعية التي طفت بفعل الغنى والفقر ، ووجود هامش اجتماعي مسحوق بالمعاناة ، موجوع بالحاجة ، خائف من الأيام الحبلى بالمفاجآات . إن أي ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى تشريح ، وتفكيك ، ودراسة ، بعيدا عن مقولات مستهلكة ، أو هي استهلاكية ، تطلق دون أن تلامس حدود المشكلة فضلا عن الدخول في أتون تداعياتها ، وما يكون نتاجا لها من متاعب ، وخلل قد يعيقان مسيرتنا التنموية ، ويحبطان تطلعات الأجيال في سعيها لتكون مداميك نهضوية للوطن . إذن : دعونا نلغِ من قاموسنا التحليلي ، وقراءاتنا لظواهرنا مقولة " ضعف الوازع الديني ، وسوء التربية " ونضع القراءات والحلول من خلال مؤسسات المجتمع المدني ، والمختصين ، والباحثين . لنكون المجتمع الذي يستخدم العقل ، والمنطق ، ويوظف العلم .