بايدن يدين الهجوم «الرهيب» على رئيس الوزراء السلوفاكي    المدربات السعوديات يكتسبن الخبرة الإفريقية    الأهلي يتمسك بذهب السيدات    أميرالقصيم يكرّم 26 فائزة بجائزة شقائق الرجال    عدد الفلسطينيين منذ نكبة 1948 تضاعف 10 مرات    ‬بدء وصول قادة الدول العربية إلى المنامة    «أمن الدولة» تطلق منظومة «تقصّي».. لتلقي وتحليل بلاغات الاشتباه المالي وتمويل الإرهاب    الأحزاب المصرية: تصريحات متطرفي إسرائيل محاولة يائسة لتضليل العالم    غوارديولا: لولا تصدي أورتيغا لكان أرسنال بطلا للبريميرليغ    4 أحزمة ملاكمة تنتظر من يحملها على أرض "المملكة أرينا"    القبض على مقيم لارتكابه أفعال خادشة للحياء    وصول الطائرة السعودية ال 50 لإغاثة أهالي غزة    رئيس سدايا: السعودية مثال دولي في الذكاء الاصطناعي المسؤول والأخلاقي    تطوير سياسات استدامة مخزون استراتيجي من السلع الأساسية ودعم استقرار أسعارها    محافظ القطيف: رؤية القيادة الرشيدة وضعت التعليم على سلم الأولويات    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء سنغافورة بمناسبة أدائه اليمين الدستورية    أوامر ملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    «البلسم» تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح و«قسطرة»    تشغيل 4 رحلات أسبوعياً للخطوط الجوية البريطانية من هيثرو إلى جدة    زين السعودية تعلن عن استثمارات بقيمة 1.6 مليار ريال لتوسعة شبكتها للجيل الخامس 5G    «الموارد»: تمكين 22 ألف مستفيد من «الضمان» في سوق العمل خلال الربع الأول من 2024    مدير تعليم الأحساء يكرم الطالبة الفائزة ببرونزية المعرض الدولي للاختراعات    ارتفاع النفط واستقرار الذهب    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    ضبط 264 طن مأكولات بحرية منتهية الصلاحية    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «الصحة» تدعو الراغبين في الحج إلى أخذ واستكمال جرعات التطعيمات    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    فيغا يعود للتدريبات الجماعية للأهلي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    أمير حائل يكرم عدداً من الطلاب الحاصلين على الجائزة الوطنية بمبادرة «منافس»    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    طموحنا عنان السماء    الأمن والاستقرار    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربتي في الانتخابات
نشر في الرياض يوم 18 - 02 - 2005

بعد الحدث يقولون «ذهبت السكرة وجاءت الفكرة» نجح من نجح وفشل من فشل، والعملية برمتها تجربة تحتاج الرصد والمتابعة والتحليل كيف بدأت الفكرة؟ كيف تم تفعيلها؟ من الداعم لها؟ التمويل المناسب لها!! الاستفادة من تجارب الآخرين وطرائق المتقدمين. بالنسبة لي - شخصياً - كانت تجربة ثرية قد لا اكتسب خبراتها في سنوات رغم الجهد المحدود والبذل اليسير.
اتضح من هذه التجربة الوليدة عزوف من طبقات المتعلمين والمثقفين واقبالاً غير عادي من العوام المنتسبين للقبائل. الكثيرون عضوا على أصابع الندم لأنهم لم يسجلوا.
أحد الفضلاء من الأطباء قال لي: لو أعلم أنك أو أمثالك ستترشحون لسجلت اسمي في قوائم الانتخاب، وعضو هيئة تدريس جار لي يتحسر على فوات الفرصة ويقر بتكاسله عن التسجيل، وثالث انقلبت قناعته من المعارضة إلى التأييد، لكن بعد فوات الأوان.
الكثير من الأقارب ألحوا بطلب مخاطبة الجهة المختصة لفتح المجال مرة ثانية للتسجيل عن من فاتته الفرصة الأولى. النقاشات كانت ساخنة مع المؤيدين فضلاً عن المعارضين.
بعض المثقفين مازحني رافعاً يده «لا للانتخابات» قلت له - مازحاً أيضاً -: سأتيها ولو حبواً في الدورة القادمة.
«نحن معك بقلوبنا وندعو لك بالتوفيق، لكننا لا نملك بطاقات ناخب.. عذراً» هذا كان لسان حال الكثيرين ممن عض أصابع الندم لأنه لا يستطيع دعم صديقه أو قريبه.
في محيط أقل من كيلومتر مربع تجمعت أربعة مخيمات لأربعة مرشحين في دائرة واحدة.
وكما هو متوقع حدثت تجاوزات في بعض المراكز، فهذا رجل مسن لا يقرأ ولا يكتب يطلب من موظف في اللجنة تحديد اسم مرشحه على الورقة، فيختار الموظف - بخبث - مرشحاً آخر!!
في انتخابات العالم المتمدن يسأل الناس عن كفاءة المرشح وأهليته وخبرته وعلاقته بالمجلس، وعلى هذا الأساس يتم الاختيار، أما لدينا فالأمر مختلف كلياً.
أحدهم لم يحصل على الابتدائية وآخر علاقته بالبلدية أنه «أهداهم بعض النخيل» وثالث «أشرف على احتفالات» ورابع مقاول «يفهم في أمور البلدية»!! وخامس عقاري «له خبرات في تخطيط المدينة»!! وسادس مرافق و«سابع» متقاعد من بضعة عقود ويريد خدمة بلده!!
لا مؤهلات ثقافية ولا خبرات مهنية ولا تخصص علمي ولا دراية إدارية، ومع ذلك يريدون الفوز في مقاعد المجلس البلدي.
أعلم أن للمال دوراً وأساسياً في أي عملية انتخابية في العالم أجمع، لكن نحن بلد ناشئ ومجتمع في بداية التطور، لم لا يكون لدينا بعض الضوابط والخصوصية بما يناسب طبيعة مجتمعنا ويحقق الأهداف التي من أجلها بدأت العملية الانتخابية.
أحد المثقفين اقترح حداً أعلى للإنفاق الإعلاني لكل مرشح وآخر اقترح أن يفتح التلفاز أبوابه لجميع المرشحين ويعطيهم فرصة للتعريف بأنفسهم وبرامجهم خلال بضع دقائق، حتى يعرف الناس من ينتخبوا؟ ولم ينتخبوا؟
لماذا تنقل صور غربية في طرائق الحملات الإعلامية للمرشحين ولا تستبدل بوسائل محلية مستحدثة تناسب البيئة وعقلية الناس؟
لا أتهم أحداً بخلقه ولا بدينه، لكن لا بد من مؤهلات مهنية معقولة كي يكون المرشح قادراً على أداء المهمة.
التقيت بأحد المرشحين في «إدارة النظافة» حيث مقر تصاريح المخيمات واللوحات (ولا أدري إن كان للنظافة علاقة بذلك!!) يطلب من الموجودين تعبئة النموذج لأنه نسي النظارة (أو الكتابة) وهو بالكاد يتقن جملة واحدة نطقاً وملامح العمر المديد بادية على محياه.
يمكن أن تكون بداية المجلس المنتخب هزيلة عندما يصل من مؤهله الوحيد كثرة المال والقدرة على الإنفاق.
أحدهم استأجر جميع اللوحات في مدينة الرياض وصوره ملأت الشوارع وما فاض أجره على الغير.
كنت أفكر - أثناء الاستعداد للانتخابات - ما هي عناصر النجاح للمرشح؟ وما دور العلاقات الاجتماعية في الموضوع؟ وما هي قيمة الأبعاد الأسرية والمهنية في القضية؟ اتضح لي أن العنصر الأساسي في هذه التجربة الجديدة كان العائلي، فحيثما كان في العائلة مرشح فلا بد من دعمه سواء كان مؤهلاً أو غير مؤهل، مناسب أو غير مناسب.
إمام مسجد ورجل فاضل مشهود له بالخير دعم مرشحاً من العائلة رغم علمه بعدم استقامته!! في نفس الوقت تغافل عن أخيار وفضلاء وأكفاء - في نفس الدائرة - وفضل البعد الأسري.
دكتور ورجل مهني بارع وإداري قدير وصاحب خبرات بدل أن ينزل هو للميدان ويتحمل المسؤولية ويشارك بخبراته دعم إمام مسجد بكل قدراته وسخر له جميع إمكاناته ليفوز!!
شاب ذو مؤهل جيد لكنه مغمور أصر على المشاركة ونزل في منطقة مستنهضاً همم الآخرين لدعمه ومعتمداً على البعيدين لمؤازرته (والغريب أنه نجح!!).
بعد البعد الأسري كان البعد القبلي والذي اتضح بقوة حيث يبدأ البعد القبلي من الفرع ثم الفخذ فالقبيلة ولمشائخ القبائل دور رئيسي في العملية من حيث دعم فلان وصد علان.
البعد الديني كان حاضراً وبقوة والتيارات الإسلامية على اختلاف مشاربها تنافست والقوائم تناقلت، والمشائخ يوصونب فلان وفلان!!
بالطبع كان للتحزب دوره فهذا يسب المجموعة الفلانية لأنهم أخوان وثاني يسخر من الآخرين لأنهم من أصحاب فلان، وثالث يقول: أما السلفية فلا أصوات لها!!
في أوساط الشباب - رغم قلة من سجل منهم - اتضح قوة تأثير الخطاب الإعلامي، رغم وعي البعض منهم بأهمية الجانب المهني في القضية. كبار السن يسألون دائما من نرشح؟!
ويأتيهم الجواب بالطبع: فلان من أسرتنا، وفلان من أرحامنا وفلان من قبيلتنا، وفلان من أصحابنا.. التحالفات رغم أنها ممنوعة نظامياً إلا أنها محسوسة واقعياً.
قوائم السبعة انتشرت بكثافة عبر الجوالات، والتوصيات مؤكدة والاختيار أمانة، وأغلب القوائم من طيف واحد يغلب عليه التوجه الإسلامي.
الغريب أن واحداً من أقوى المرشحين في منطقته خصوصاً والرياض عموماً كان من أهم المتحالفين، ولم يكتف بإلزام أصحابه وجماعته به كمرشح بل عمل وصاية على الجميع: انتخبوني وبقية القائمة وإن لم تفعلوا فإني سأخسر!!
وأوحي إليهم - بمكر ودهاء عال - أن نجاحه مرتبط بتحالفه مع الآخرين لدرجة أن بعض العقلاء والأكاديميين قبل هذه التوصية - مكرهاً - عندما صارحته بالأمر قال: هكذا قيل لنا.
قلت: أهي وصاية عقلية أم سحر؟ استحى مني وتأسف ووعد بالمساندة ولا أدري عن صدقه في ذلك.
التجربة وليدة والناس يفتقدون الخبرة تماماً.
اتصلت بأحد الأشخاص وقلت له معاك فلان، بالطبع لا تعرفني لكنني من القبيلة الفلانية قال: أنعم وأكرم أنت من جماعتنا، قلت نريد صوتك، قال: لا مانع لدي فأنا ذاهب لترشيح شخص واحد في دائرة معينة وسأسجل اسمك في الدائرة التي أنت فيها، شكرته على تفضله وطلبت منه التواصل مستقبلاً رغم عدم معرفتي به من قبل!!
لعب المال في هذه الانتخابات دوراً رئيساً، فأصحاب المال أنفقوا على الضيوف والحملات الإعلامية وانتشرت أخبار شراء الأصوات فضلاً عن الهدايا والميزات.
ابن العم اتصل به أحد الأشخاص وقال لدي أكثر من مائة صوت، ولدي عرض بأربعة آلاف وخمسمائة ريال، كم تدفعون أنتم؟ اعتذر ابن العم منه وصرفه، وقال ما هكذا تكون الأمور.
ميزانية بعض المرشحين بعشرات الملايين وبعضهم بعشرات الآلاف والبعض لم ينفق ريالاً واحداً، كان متفرجاً فقط.
أحد المرشحين وصله دعم بالملايين - رغم أنه رجل أعمال ومليونير - قام بجهد ضخم وأنفق بسخاء وواصل الليل بالنهار لمدة بضعة أشهر ووظف أكفأ الخبرات واستعان بجميع المتخصصين ويقول: بدأنا متأخرين ولم نستعن بجميع المهتمين..!!
وفي نهاية المطاف عندما وصل إلى خط النهاية وتعب تعباً شديداً قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلت هذه المعمعة، أشغلتني عن أعمالي الخاصة وعن أهلي وحتى عن نفسي.
مرشح آخر حظه - اجتماعياً - قليل وهو من أسرة ليست كبيرة وتعرض لبعض الفشل في حياته المهنية، أصر على دخول الحلبة وبقوة وإصرار، أنفق من ماله الشخصي الكثير واستعان بالشباب وعندما وجد أمامه الكثير من المتنافسين، بدأ في استخدام أساليب ملتوية، مرة يشوّه اسم فلان، ومرة يتهم علان، ينشر الإشاعات وأحياناً الأكاذيب، هدفه الوصول بأي طريقة. يقول أحدهم: شاهدته يمر على المنتخبين - بنفسه - في الدوائر ويقول: انتخبوني ودعكم من فلان فهو لا يفهم في الصنعة!!
مسكين، حتى لو نجح فهو خسران فالأخلاق أولى من المناصب، والصدق أهم من الفوز، ولا فوز يعادل فوز الآخرة.
قابلني مدير نيويورك تايمز في منطقة الشرق الأوسط وسألني كثيراً عن الانتخابات وشدد على مسألتين - متجاهلاً الكثير من الأمور الأخرى المهمة - المرأة ودورها ترشيحاً وانتخاباً، والثانية لم فتحت الحكومة الباب أمام الانتخابات؟!
عندما قرأت تقريره الذي نشر بعد ذلك في صحيفة نيويورك تايمز (10 فبراير) هالني ما كتب، فقد عرض ما يريد هو وليس ما قلته أنا واكتفى مني بصورة مع بعض الأقارب متحلقين حول نار السمر أمام الخيمة الانتخابية!! (طالعوا الصورة فهي لطيفة!!).
اهتمام الإعلام الغربي في الانتخابات البلدية مبالغ فيه فهذه وكالات أنباء وتلفزيونات وصحف حتى من أقصى شمال أوروبا من السويد (حيث دار بيني وبينهم حديث)، ماذا يريدون؟ لم هم مهتمون؟ ما علاقتهم بهذا الشأن المحلي. بالطبع هم يرونها تجربة جديدة جديرة بالعرض والمتابعة والتحليل بعد ذلك والأهداف ولا تخفى على كل ذي بصيرة.
كنت أتمنى أن يكون لدينا مؤسسات ومراكز رصد وتحليل ومتابعة، لديها فرق جوالة وباحثون وجامعو معلومات لرصد هذه التجربة وتحليل أبعادها الاجتماعية والسياسية والثقافية ومستقبلها على الناس والتوقعات المستقبلية... لكن للأسف لم أجد أحداً يرصد ويهتم، كما هي عادتنا، ننتظر من الغرب أن يصف واقعنا ثم نقوم نحن - بعد ذلك - بالترجمة!!
لماذا رشحت نفسك؟ ما هو الفرق بين برامج المرشحين؟ هل تستطيع أن تعرف المرشح (علماني - محافظ - متدين) من برنامجه؟ ... هذه بعض أسئلة الصحفيين الغربيين وهي من العمق وبعد النظر ما لا يخفى على حصيف..!!
سألني أحد المثقفين - ممن يتفرج ولا يشارك في العملية - لماذا هذا الإنفاق؟ ما الداعي لهذه الضجة؟ لماذا هذه الإعلانات؟ قلت له: أنت بعيد عن الميدان وغافل جداً عن الأحداث. فلان - رغم كثرة أمواله - كان يتمنى هذه الفرصة ليعرض نفسه ومن ثم يسوق مشاريعه، كيف يتسنى لفلان عرض صورته صفحة كاملة في الصحف ويومياً دون اعتراض أو تساؤل.
هذه فرصة تشترى بالمال، فالوجاهة مطلوبة والحضور الإعلامي أمنية والتسويق الشخصي غاية، فلم لا تنفق عليها الأموال؟!
بالطبع هناك من يريد الإصلاح، وهناك من يريد المساهمة الحقيقية، وهناك من يرجو وجه الله، لكن - أيضاً - هناك الكثير من يريد الدنيا وزينتها والمناصب وسمعتها والوجاهة وحظوظها مما لا يكفي المال للوصول إليه.
بعد الانتخابات تتضح أبعاد جديدة، الفائز لم فاز؟ والخاسر لم خسر؟ أصوات كل مرشح ما نوعها؟ ما طبيعتها وأقسامها؟ لم رشحوا هذا بدلاً من ذاك؟ النتائج تصيغ تشكيلة المنتخبين، وهم وإن كانوا أقلية ممن يحق لهم الانتخاب إلا أنهم مثلوا شرائح متعددة من المجتمع من القمة للقاع، من الفقير للغني، من المسؤول إلى العاطل، من ذوي الجاه إلى ذي المال، من أصحاب النفوذ إلى ذوي العصبية القبلية.
فالكثيرون بدأوا - منذ الآن - الاستعداد للانتخابات القادمة وبدأوا جردة كاملة لأسباب الخسارة ومبررات النجاح وكيفية تجاوز الأخطاء وتصحيح المسار.
أصحاب الفكر الليبرالي مواقعهم ضعيفة وأغلبهم لم يشارك في العملية إما اتقاء لنتائج الخسارة أو - وهم الأقلية - يرونها لا تستحق كل هذا الجهد والمال وليست ضمن مستوى آمالهم وطموحاتهم.
بعض الإسلاميين اعتبرها معركة مع الغير فشحذ همته ورص صفوفه واستنفر طاقاته وجمع جموعه كأنها معركة حقيقية، الخسائر فيها جسيمة والهزيمة فيها انهيار للمشروع الإسلامي!!
بعض العقلاء ساءه ما يحدث من ظواهر سلبية مرافقة للعملية الانتخابية لكني أقنعته بطبيعة كل تجربة جديدة، حيث النواقص كثيرة والسلبيات عديدة سواء في جانب الأنظمة أو ممارسات بعض المرشحين أو تصرفات بعض الناخبين. المراقب الخارجي يتضح له مدى تعطش المجتمع لهذه التجربة وحرص فئات كثيرة على المشاركة في العملية أملاً في اكتساب الخبرة وتراكم المعرفة.
من أطرف الظواهر المصاحبة للعملية الانتخابية هو تصرفات فريق كل مرشح، فهناك استماتة من هذه المجموعات لإقناع الآخرين بأهليته ومناسبته للموقع وظهرت الحمية بأوجها، فهؤلاء يدبجون محاسن فلان وأولئك يكتشفون مساوئ الآخر. وهذا الأمر اتضح بقوة في مواقع الإنترنت والمنتديات وبصورة أصغر في رسائل الجوال التي انهمرت على الناس ليلة الانتخابات وصبحيته.
المعارك على أشدها والأسلحة مشرعة، كل فريق يبحث عن مطاعن في مرشح الفريق الآخر، وهذا الأمر وصل لمواقع التخييم وأماكن الاجتماعات. فريق أحد المرشحين استخدم فكرة ظريفة قام بإلباس مجموعة من الأطفال قمصان عليها صورة المرشح ودائرته مع دعوة للدعم والترشيح.
فريق أحد المرشحين ذهب لموقع مرشح منافس وبدأ بإحداث ضوضاء وهرج، فقط من أجل جلب الناخبين للمخيم المنافس.
قال لي صديق: ما ظنك فيما يفكر الغرب وهو ينظر إلى تجربتنا الوليدة؟! كيف يقيمونها مقارنة بتجاربهم فضلاً عن تجارب البلدان العربية الأخرى؟!! وماذا يكتب صحفيوهم عنا وكيف ينقل إعلامهم واقع تجربتنا؟
قلت: لا بأس.. سوف نتعرض للنقد والاستهزاء والسخرية، ليس فقط من الغير، بل حتى من فئات من المجتمع، لكن لكل تجربة مطاعن ومناقص.. المهم هو البدء في التجربة مع التحسين والتطوير وزيادة مساحة المشاركة الشعبية في السلطة.
إن الديمقراطية رغم عيوبها الكثيرة تحمل شيئاً من الإيجابيات التي يجب استفادتها، لا تعول عليها بشكل كامل، لكنها أداءة مفيدة قابلة للصياغة والتطوير بما يلائم مجتمعنا وقيمنا وأخلاقنا، حتى تصوغ طريقة محلية مناسبة لنا بالكلية.
في جانب التعريف الشخصي بالمرشحين استخدم البعض أساليب لا تخلو من الغرابة والطرافة، أحدهم وضع صورته وهو جالس على سجادة رافعاً يديه للسماء يدعو، وآخر احتوى كتيبه صورة لطيفة له واثنين من أبنائه وكانت فعلاً صورة متميزة فهي توحي بالعاطفة الاجتماعية لكنها لا تصلح في بيئة جافة ومجتمع غليظ.
ثالث مدرس رسم (تربية فنية) شرح خبراته وعرض رسوم بعض تلاميذه وخطاب شكر من إدارة التعليم على جهوده الفنية المتميزة!!
أحدهم - من ذوي المال والتخطيط - عرض بصورة ذكية كافة القضايا ذات العلاقة بالبلديات ورؤاه الواسعة كأنه سيحكم البلدية (أو حتى يدير دولة).
كانت فترة التسجيل ميتة، والتواصي بين الناس ضعيفاً، ثم سخنت قليلاً عندما فتح الباب للترشيح، وعندما أعطي المرشحون إشارة البدء للانطلاق في حملاتهم الانتخابية، حمي الوطيس وبدأ التنافس واشتد في الأيام الأخيرة على كافة الأصعدة وغصت الصحف بالإعلانات وامتلأت الجوالات بالرسائل ووصلت العملية إلى ذروتها يوم الأربعاء حيث ضاعت صفحات التحرير في الصحف اليومية ولم يبق إلا عناوين الأخبار والباقي إعلانات للمرشحين.
قوائم الأسماء كانت سلاحاً قوياً في المنافسة، فهذا لديه بضعة آلاف وذاك يرسل ربع مليون رسالة عشوائية وآخرون تحمسوا لنشر قائمة السبعة المتحالفين لدرجة أن الرجل تصله عدة رسائل بنفس المحتوى مما يدل على قدرات هائلة في الترتيب (وأيضاً في الإنفاق المالي).
كان - ضمن التنافس - أسلوب إدارة المخيمات واستقبال الضيوف والبرنامج الثقافي. أحد كبار العقاريين ممن لا ناقة له ولا جمل في الشأن الثقافي فضلاً عن الشأن الإسلامي استقدم بعض أشهر الوعاظ في مدينة الرياض (وتتداول الأوساط حصول الوعاظ على مبالغ مالية مجزية مقابل حضورهم لهذا المرشح!!).
بعض المرشحين اختاروا أماكن استراتيجية على أهم الطرق في المدينة وأقاموا فيها السرادقات وحولوا المنطقة إلى شعلة من كثرة الأنوار المستخدمة، البعض اعتمد تقنيات تقليدية كالخيام العربية والبعض استخدم صالات على الطريقة الغربية. بالنسبة لي كانت خيمة عربية واحدة واسعة مفتوحة (10*20 متراً)، وكان الألطف في الموضوع إيقاد النار بحطب السمر حيث ارتفعت ألسنة اللهب حتى 2 متر تقريباً مما أضفى على جو المخيم شعوراً ربيعياً ممتازاً.
مؤهلات المرشحين لم تكن تمثل أي اعتبار وتخصصاتهم وخبراتهم المهنية لم تكن ضمن قائمة اهتمامات الناخبين، فهذا إعلامي وذاك مدرس رسم وثالث مدرس علوم شرعية وآخر يحضر للدكتوراه في العقيدة وخامس متخصص بالتدريب وآخر عقاري وآخر مدير مدرسة أما المهندسون وذوو العلاقة فهم ندرة.
المشكلة أن الناخبين لا يسألون عن تخصص المرشح ولا عن علاقته بالعمل البلدي المهم هو من أي أسرة أو قبيلة أو حزب إسلامي!!
من المواقف الطريفة المحرجة عندما زارني وفد صحيفة نيويورك تايمز وكان من ضمنهم امرأة (متسترة) وأظنها مصرية، جلس مدير قسم الشرق الأوسط بجانبي من أجل الحوار وفوجئت بالمرأة تجلس في المقعد الأيسر المجاور لي (طبعاً معها الأوراق والأقلام لتسجيل الحوار مساعدة للمسؤول).
قدمت القهوة والتمر والشاي والحلويات للضيوف (ومن ضمنهم المرأة)، يقول ابن عمي: «لأول مرة أصب القهوة لامرأة في حياتي... آه لو درت امرأتي عن الموضوع!!» وهو رجل محافظ ويعيش في قرية خارج الرياض.
أيضاً من الطرائف أن أحد المرشحين أخذ يقدم توجيهات في خيمته والنظام يقول كذا وأسلوب الاقتراع كذا ولا تفعلوا كذا... وكان ضمن الحاضرين أحد مشرفي المراكز الانتخابية الذي ذهل من المعلومات المغلوطة التي قدمها المرشح لناخبيه. بعد انتهاء كلمة المرشح انتحى المسؤول به جانباً وبين له الصواب، فدعى المرشح المسؤول للمنصة الخطابية للحديث وتبيان المعلومات الصحيحة، فاعتذر المسؤول لأن ذلك قد يفهم منه دعم للمرشح.
أحد المرشحين (المحبطين) والمتحمسين جداً (وأظنه سيصاب بالإحباط بعد ظهور النتائج) قام بزيارات متعددة (بنفسه) لمراكز انتخابية بعيدة جداً عن مقره وقال: انتخبوني في الدائرة الفلانية، أجاب البعض: نحن نرشح فلان، قال: لا .. لا .. أنا أقدر منه وسأخدمكم!!
مرشح آخر أرسل بعض كبار السن - والذين يجب أن يكون لديهم دور في التوجيه والنصح - لبعض المراكز ويصيحون بأعلى صوتهم - كأنهم باعة خضار في الأسواق - انتخبوا فلان .. هو الأجدر والأنسب، والناس يمرون من أمامهم ويتعجبون!!
ما هو دور الحملات الإعلانية في الانتخابات؟ وما قيمة الإنفاق المالي لها في حشد الأصوات؟ وما دور الحضور الإعلامي الكثيف لبعض المرشحين؟ اتضح - من خلال نتائج الانتخابات أن الحملات الإعلانية عملية مكملة لنشاط المرشح وليست وسيلة للنجاح، وأنها فقط صورة ذهنية تم بناؤها وتساعد على استقطاب بعض المترددين وتجذب اعداداً يسيرة من المؤيدين.
أكثر المرشحين انفاقاً في الإعلان خسر الانتخابات وأدناهم خسر أيضاً، ومن استفاد كان إنفاقه متوسطاً أو حتى أقل من المتوسط، فالإعلان كان عملية إضافية وليست أساسية في النجاح.
من أبرز نتائج الانتخابات أثبتت أن من يعمل أولاً فهو مؤهل للنجاح خصوصاً إذا استصحب إدارة جيدة وفريق عمل متمكن وتوفرت له الإمكانات المادية.
من الدروس الأساسية اتضح أن التحالفات هي أساس النجاح خصوصاً إذا كان من بين المتحالفين شخصية قوية فاعلة تستطيع حشد عدد كبير من الأصوات تدعم بدورها حلفاء المرشح الآخرين حتى لو كانوا ضعفاء أو حتى غير معروفين.
درس آخر هو أن القبلية رغم أهميتها الكبيرة إلا أنها لا تكفي لفوز المرشح، فالأمر يحتاج لعمل منظم وقدرات بشرية وجهود متواصلة. قد يضمن المرشح أفراد قبيلته في المناطق الأخرى والدوائر المختلفة يفتقد أي دعم.
من الدروس أيضاً اتضح أن الإسلاميين (ومن يحسب عليهم) هم أقوى فئة في المجتمع وتستطيع حشد أكثر الأصوات لقدراتهم التنظيمية وخبراتهم الإدارية ومعرفة الناس لهم فضلاً عن تدينهم، وأن لديهم قدرة على التنسيق والتحالف يفتقدها غيرهم مما سيجعلهم الصوت الأقوى مستقبلاً في أي قضية تعتمد على المشاركة الشعبية.
أيضاً اتضح أن كثرة المال وقوة الدعاية الانتخابية لا تكفي لوصول المرشح، فالناس - غالباً - تصوت لمن تعرف أو لمن يزكيها من تعرف، لذلك صوت آلاف الناس لأشخاص لا يعرفونهم ولا يعرفون عنهم شيئاً.
أيضاً اتضح أن التواصل المباشر مع الناس أساس النجاح وهو أقوى الوسائل الإعلامية ويفوق كافة أشكال الدعاية الانتخابية. وإذا استطاع المرشح إقناع عدد كبير من الناس - من خلال اللقاءات العامة المباشرة - فإنه سيقر في نفوسهم أنه الأجدر بالانتخاب.
أخيراً الانتخابات فرصة ممتازة للإطلاع - عن كثب - على واقع المجتمع وطريقة تفكيره وأساليب التأثير عليه، ودور قادة الرأي في توجيه الجماهير نحو شخصيات معينة حتى لو كانت غير مناسبة أو مؤهلة، وأن الناس سهلة الانقياد لمعارفهم الأقوياء والأكثرية - دائماً - صامتة تنتظر فقط من يوجهها لاختيار الأنسب وليس الأكفأ.
من الدروس المهمة جداً أن الأمور قد تتغير في الانتخابات القادمة، فعدد المسجلين سيتضاعف - على الأقل - ويتجاوز 50٪ ممن يحق لهم التصويت مما قد يغير كثيراً من المعادلات الحالية.من الدروس والتي يجب الانتباه لها أن نظام الانتخابات قد يتغير بحيث يقضي على التحالفات ومن المتوقع أن يقتصر الانتخاب على دائرة واحدة، بمعنى أن كل مرشح سيقترع له فقط ممن هو في دائرته ولن يستفيد من أصحابه في الدوائر الأخرى، وبالتالي سينجح من هو معروف في دائرته وذو علاقة واسعة مع أهل حيه قبل الانتخابات، وهذا أيضاً سيضعف تأثير القبلية والأسرية إلى حد كبير ويرفع أسهم الشخصيات المعروفة في الحي، ويعزز من أصحاب البرامج الحقيقية والفهم لدور المجلس البلدي، كما سيضعف من تأثير الدعاية الانتخابية.
من القضايا - في الانتخابات القادمة - احتمال مشاركة المرأة - على الأقل في الانتخاب - فماذا سيعمل المرشحون تجاه هذه القضية.
الإسلاميون سينقسمون قسمين، الأول سيؤيد - وبقوة - مشاركة المرأة ويتوقع أن يشركها في التخطيط، ويعمل لجاناً نسائية متكاملة، تدرس وتتصل وتحشد من أجل الانتخابات كما عملوا في التجربة الحالية بحيث يضيفون أصواتاً داعمة لمرشحيهم تزيد من فرصهم في الفوز. القسم الثاني يتوقع أن يكون رافضاً على الأقل متردداً فلن يعتمد على الأصوات النسائية وسيكثف جهوده على الذكور مستخدماً نفس الأساليب الحالية وقد يعمد إلى التحالف مع المؤيدين للمرأة (إن كان نظام البلديات سيستمر بنفس الطريقة الحالية) بعيداً عن وجع الرأس والحرج الذي قد يصادفه من التعامل مع الأصوات النسائية.
الليبراليون - إن شاركوا بقوة في الانتخابات القادمة - سيستفيدون - وبلا شك - من الأصوات النسائية فهم أقدر على دغدغة مشاعرهن واستثارة عواطفهن (بعكس الإسلاميين!!) وإكثار الوعود خصوصاً أن هناك فئة ليست يسيرة من النساء ممن يحملن مؤهلات عالية وثقافة مرتفعة ولهن حضور إعلامي ممن يتبنين الفكر الليبرالي (ببعده المحلي).
هذه الفئة النسائية ستدعم الذكور - وبقوة - ممن يحملون نفس التوجه خصوصاً أن لديهن خبرات إدارية وعلاقات واسعة وتجارب عملية ومهنية متعددة ومنهن سيدات أعمال.
داعبني بعض الأحبة - بعد ظهور النتائج - وقال: «هاردلك» بالإنجليزي، أي حظ جيد مستقبلاً، قلت: «يكفيني التجربة التي خضتها، والخبرات التي اكتسبتها، المعلومات التي حصلت عليها، وأخيراً هذه الكلمات التي سطرتها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.