الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    مستقبل الحقبة الخضراء    القادة العرب يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار في غزة    الدراسة في زمن الحرب    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    حراك شامل    دوري السيدات.. استقطابات عالمية    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    هتان السيف.. تكتب التاريخ في الفنون القتالية    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        فوائد صحية للفلفل الأسود    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    أثقل الناس    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    تحولات التعليم.. ما الذي يتطلب الأمر فعله ؟    المسابقات تعدل توقيت انطلاق عدد من مباريات دوري روشن    الاتحاد يتعثر من جديد بتعادل أمام الخليج    الهلال ينتصر ودربه «سالم» أمام النصر    بتوجيه ولي العهد.. مراعاة أوقات الصلوات في جدولة المباريات    انضمام المملكة كعضو في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان    البدر يضيء قاعة المركز الحضاري ببريدة    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    رئاسة السعودية للقمة العربية 32.. قرارات حاسمة لحل قضايا الأمة ودعم السلام    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    وقاية.. تقصّي الأمراض الخطرة وإعداد خطط الطوارئ    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    "الخطيب": السياحة عموداً رئيسيّاً في رؤية 2030    صفُّ الواهمين    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    افتتاح منتدى «كايسيد» للحوار العالمي في لشبونة    برعاية ولي العهد.. انطلاق الملتقى العربي لمكافحة الفساد والتحريات المالية    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عفو رمضان" يتراجع لصالح أمن المجتمع
"الرياض " تكشف أسباب التشدد في شروط العفو على سجناء الحق العام .. (2/2)
نشر في الرياض يوم 30 - 09 - 2008

تستكمل "الرياض" اليوم الجزء الثاني من تحقيق "عفو رمضان يتراجع لصالح أمن المجتمع"، من خلال الحديث مع عدد من المختصين في الجوانب القانونية والاجتماعية وهيئة حقوق الإنسان لتوضيح بعض صور العفو التي لا تؤثر على أمن المجتمع، إلى جانب التعرف على الرؤى المتباينة بين المشاركين حول موضوع "التوسع في العفو" ليشمل قضايا الحق الخاص.
تكرار الجريمة محبط
في البداية تحدث المحامي والمستشار القانوني ماجد بن طالب عن شروط "عفو رمضان" واستثناء بعض الجرائم من عفو هذا العام؛فقال: بعض القضايا تكون لأول مرة، وبظروف خاصة فالعفو في مثل هذه جميل، وإقالة العثرة فيها مستحسنة، لكن من نطلق عليه اسم مجرم، هم من تكررت منهم الجريمة، فالعفو عنه سيكون مشكلة تنتج عنها أضرار اجتماعية بالغة، فلو أن رجل أمن -مثلا- قبض على شخص سرق أو ارتكب جريمة معينة وأصدر بحقه حكم ثم خرج بعد فترة وتكررت الحادثة نفسها، وعاد رجل الأمن ليقبض عليه مرة أخرى ثم يخرج وهكذا، فمثل هذه قد تسبب عند رجل الأمن شيئا من اللامبالاة لأنه يشعر بأن جهوده ذهبت هدراً، وكذلك المحقق، ومثلهما القاضي عندما يحكم على شخص ثم يجده بعد فترة ماثلا أمامه، وهنا تتعدد الآثار السلبية لهذه القضية؛فالمجرمون سيتساهلون بهذا الأمر ويكررون فعلاتهم مراراً، ثم أيضاً رجال الأمن سيكون عندهم نوع من التساهل لأنهم يعرفون أن مرتكب هذه الجريمة سيخرج عن طريق العفو، وكذلك حال القضاة الذين قد تكون ردة فعلهم معاكسة جداً، وأمر آخر فعندما يرى الناس أن المجرم الذي تكررت جرائمه مطلق السراح بعد فترة، فإن ذلك سيؤدي إلى الإحساس بعدم الأمان، ولهذا علينا أن نتعامل تعاملا مختلفا مع متعودي الإجرام، والشد عليهم مطلب ملح، ولا يمكن فصل الجريمة عن المجرم فلابد أن ننظر للجريمة وكذلك ننظر للمجرم ذاته وسلوكه.
ويضيف ابن طالب: جميل أن يعفى السجين من نصف المدة إذا حفظ القرآن، وهؤلاء في الغالب عودهم للجرائم أقل، ولكن أن ينال العفو العام في رمضان من تتكرر جرائمهم، فإن ذلك سيفتح الباب لاستمرائهم لأخطائهم فيكررون جرائمهم مرتين وثلاثا، وكثيرا ما وجدنا المحكوم عليهم يسألون متى سيخرجون من السجن بالعفو؟ ومتى يأتي عفو رمضان ليخرجوا به؟ ومن الملاحظ أن كثيرا من المجرمين تقع اعتداءاتهم قريبا من شهر رمضان!!
وعن رأيه في استثناء بعض الجرائم التي أصبحت تشكل ظاهرة -من العفو كما حدث هذا العام، يقول ابن طالب: أؤيد هذا الاستثناء فبعض هذه الجرائم كالمرض المستشري يجب معالجتها بسرعة، وتحتاج إلى متابعة واجتثاث، وأن يكون لها رادع فاعل، ولكنه يوضع تحت الدراسة، هل أفاد أم ضاعف من هذه الظاهرة؟ ويضرب ابن طالب على ذلك مثلا بظاهرة العنف الأسري وكل ما يحيط بها من ملابسات وظروف وما يترتب عليها بعد ذلك، ويضيف: مثل هذه الروادع تحتاج إلى وقت معين، ودراسة، وهذا ما درجت عليه وزارة الداخلية، فهي إذا وضعت ضابطا معينا تضعه لفترة ثم بعد هذه الفترة يكون خاضعا للدراسة حتى ترى نتائجه ثم يتم تقييمها، وبعد يتخذ العلاج المناسب لها.
حقوق الإنسان لا تغلب المصلحة العامة:
ويرى ابن طالب أن حقوق الإنسان تتدخل كثيرا بضغوطاتها لإخراج أكبر عدد ممكن من المساجين في فترة العفو ويعلق على ذلك بقوله: أعتقد أن هذا في غير محله؛ لأننا يجب أن نقدم المصلحة العامة على الخاصة، ومصلحة المجتمع على الأفراد، ولا ننسى أن المجتمع يراقب تحركات هذا المجرم وينتظر ما يصيبه من عقاب لقاء تجاوزاته، وعندما يرى أنه لم ينل ما يستحقه فسيكون المجتمع هو الخاسر في النهاية لما يترتب على ذلك من أضرار.
وهذا ما يؤكد عليه المحامي والمستشار القانوني زامل بن شبيب الركاض في طرح سابق له حول الجريمة والعقوبة حيث ذكر أن الحكمة من إنزال العقوبة على مرتكبي الجرائم ليست بقصد الانتقام وإنما كانت الحكمة أكبر من ذلك بكثير إذ تمثلت في الإصلاح والتهذيب وإعادة صياغة الفرد من جديد حتى يقلع عن ارتكاب الأفعال المجرمة، وباتعاظ بقية أفراد المجتمع بما قد يناله أي فرد من عقاب إذا سولت له نفسه الاعتداء على حرمات الغير، وتظهر الحكمة من تحقيق الردع العام في التشريع الإسلامي جلية في قوله تعالى (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) لأن المقصود من الحدود هو زجر العامة وصلاح المجتمع.
العقوبات الشرعية لا تتنافى
مع حقوق الإنسان
ويؤكد الركاض على أن العقوبات الشرعية لا تتنافى مع حقوق الإنسان، وأن الجاني الذي يرتكب جريمة موجبة للعقاب قد خرج عن الحدود الإنسانية وتعدى على حرمات المجتمع فلا يردعه إلا العقوبة الشرعية التي تؤدي في نفس الوقت إلى استئصال السلوك الإجرامي من جذوره ومنع الجريمة ووسائل تطورها، وبذلك يظهر جلياً بطلان حجة من يزعم أن تطبيق العقوبة الشرعية يتنافى مع حقوق الإنسان.
ويضيف: أحيانا تكون الرأفة غير موفقة فالرأفة بشخص معين لذاته وهو ليس أهلاً لهذه الرأفة مراعاة للمصلحة الشخصية، فيها إهدار لمصلحة المجتمع، ومعاقبة الجاني في هذه الحال حياة للمجتمع، ويؤكد الركاض على أن العفو لا يجمل بمن تكررت جرائمهم، وكذلك لا يكون في الجرائم التي أصبحت ظاهرة وداء كسرقة السيارات التي بدأت في الانتشار.
ويقول: من يطالبون بحق العفو عن هؤلاء لماذا لا يسألون أنفسهم في حال الصفح عن هؤلاء المخطئين: أين ذهب حق المجتمع؟، وما موقعه في منظمات حقوق الإنسان؟.
ويرى الركاض أنه من الأجدر ألا يستفيد من هذا العفو إلا من وقعت فعلته عن طريق الخطأ لا الإصرار ومداومة التجاوز.
حقوق الإنسان ترد: يجب
التوسع في العفو
كما تحدث ل"الرياض" نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان د.مفلح القحطاني حول وضع شروط عفو هذا العام، فقال: ينبغي التوسع في العفو مادام أنه صدر عامة، ولا ينبغي تضييقه، وقد لاحظنا أن من استفادوا من العفو على أرض الواقع يعدون قليلاً، ولعل المسؤولين في وزارة الداخلية وفي لجان العفو سيدرسون موضوع التوسع في شمول الحالات التي يمكن أن تستفيد من هذه الفرصة سواء من المحكوم عليهم لأول مرة، أو من المسجونين في حقوق خاصة، ولم يستطيعوا أن يحضروا كفلاء حضوريين، أو من كانت أحكامهم التعزيرية مبنية على التهمة وليست على الإثبات، فكل هؤلاء يمكن أن يستفيدوا من هذا العفو مستقبلا، خاصة بعد أن علمنا أن كثيرا من أصحاب هذه الحالات لم يستفيدوا منه خلال هذا العام، وبالذات أصحاب الحقوق الخاصة.
وحول سؤال ل "الرياض" عن أصحاب الحقوق الخاصة وأن أمرهم مربوط بدائنيهم، وهذا ما حرمهم من الاستفادة؛ قال القحطاني: السجن في الحقوق الخاصة محل نظر، فمن يستطيع إحضار كفيل حضوري ويخرج ليتدبر أمور سداده في ديون دائنيه، فهذا أفضل، أما أن أضعه في السجن وأقول له: سدد دينك وهو لا يملك وسيلة الوصول إلى دائنيه للتصالح معهم أو التفاوض أو التأجيل، ويواصل: السجن في الحقوق والديون الخاصة محل نظر في الاتفاقية الدولية المعنية بحقوق الإنسان، لأن في مثل هذه الحالات لا يفرط الدائن بحقوقه، ثم يطالب المحاكم والشرط بالعمل عنده لتحصيل ديونه، وكان عليه ألا يعطي بالأجل إلا لمن ضمنه، أو أنه قد أخذ ضمانات مسبقة، وبهذه الطريقة يضبط كل منهما سلوكه.
ويرى القحطاني في ظل الوقت الحالي أن الكفالة قد تكون مخرجا، ويضيف: نحن لسنا مع السجن في الحقوق الخاصة وإنما نحن مع الحجز على أموال المدين الظاهرة كما تقضي بذلك الأنظمة في المملكة، ومن ثم السداد منها، فإن لم يكن له أموال ظاهرة؛ ففي هذه الحالة يمكن اللجوء إلى الحبس الإكراهي في الديون ولكن بضوابط؛ لإمكانية التواصل الدائم مع مدينيهم.
وبناء على هذه الرؤية التي طرحها القحطاني سألته"الرياض" عن موقف جمعية حقوق الإنسان في قضية الحقوق الخاصة، وكيف لنا أن نجمع بين مناداتها بحفظ الحقوق، وبين موقفها الذي يميل إلى التساهل بحق الدائنين، وفتح الباب للمدينين للمماطلة عندما لا يجدون زاجرا، أليست هذه تخص شريحة كبرى من المجتمع-أيضا- لها حقوق وواجبات؟
وقال القحطاني: هذا صحيح، ولكن نحن نلاحظ أن كثيرا من البنوك أو أصحاب الشركات، أو البائعين بالأجل يتساهلون في هذا الأمر ويقدمون تسهيلات لجذب الناس إليهم والاستدانة بأضعاف القيمة الحقيقية، ثم عندما لا يستطيع المدين التسديد يبدأون في استخدام الطرق القضائية والشرطية والأمنية في سجن هؤلاء، ولذلك ينبغي أن توضع قواعد لمثل هذه الحالات، ومن هنا ننظر إلى أن المدين ليس فردا، وإنما خلفه أسرة، وكثيرا ما تفتتت هذه الأسرة، وضعفت، وانعكست آثار ذلك على الأبناء والزوجة وكل ذلك بسببها.
العفو للمرة الأولى
ويؤكد القحطاني على أهمية النظر في القضايا الأخرى بغض النظر عن نوعها مادام أنها المرة الأولى لتي يخطئ فيها هذا الشخص، وينال هذه المحكومية، حتى وإن كانت من القضايا التي لا يشملها العفو، فمادام أنه أمضى فترة وقضى ربع المدة مثلا، فينبغي النظر في موضوعه فربما أخطأ مرة ولن يكرر خطأه.
"الرياض" سألته عن الشروط التي جاءت بها التعاميم الأخيرة حتى وإن تشددت في بعض النقاط إلا أن ذلك كان مبنيا على مصلحة المجتمع لأن القضايا التي استثنيت إنما كان ذلك بسبب تضاعف انتشار هذا النوع من الجرائم، .. وهذه الجرائم هل تحتاج وقفة وحزماً في رأي الجمعية؟، فأجاب القحطاني"بلى، عندما يكون هناك انتشار لجريمة معينة كالسرقة مثلا، فينبغي عدم استفادة الجناة في هذه القضايا، ولكن نفرق داخل هذه الجريمة، هل هذا لأول مرة؟ وهل هذا له سوابق؟ وهل هو مصر على تكرار ارتكاب هذه الجريمة؟ ومن هنا نبدأ، لا أن نضع القائمة موحدة ثم نغلق الأبواب من هنا ومن هناك، فكثيرا من الحالات في الواقع العملي لو اطلع عليها أصحاب القرار لما تأخرت قضيتهم، ولكن بفعل التنصيص على أن هذه الجريمة لا تستثنى أو الجناة المرتكبون لها لا يستثنون من العفو أصبحوا بالفعل لا يستثنون على الرغم من أن فيها حالات لو اطلع عليها صاحب القرار أو من وضعوا هذا القرار لشملهم العفو تلقائيا!!
@ "الرياض": بعض البنود التي اشتملت عليها لوائح العفو الأخيرة فيما يخص الجرائم غير المستثناة، تتوافق مع ما كنتم تنادون به من حماية لحقوق أولئك الأفراد، وكأنها استفادت من بعض طروحات مسؤولي الجمعية واستجابت لها؛ فتشددت فيما كنتم ما تطالبون به كقضايا تعذيب الأطفال، فبم تعلقون؟
- قال: هذا أمر طيب، ويفترض أن الحكم عند صدوره على مرتكبي مثل هذه الجرائم سبقه تقرير نفسي أو اجتماعي عن حالات هؤلاء، فقد يكونون جناة -فعلا -ارتكبوا هذه الجرائم لكنهم مرضى نفسيا قبل أن يكونوا جناة، لذلك نحتاج لتطبيق العقوبة أن يرافقها علاج نفسي أو اجتماعي لأننا لو اقتصرنا على تنفيذ هذه العقوبات دون أن ننظر لهذه الحالات كالآباء الذين يعذبون أبناءهم أو الأمهات أو الأقارب فذلك قصور في هذا الجانب، لأنه لن يقدم على مثل هذا العمل سوي وسليم العقل، ويفترض أننا نبحث دوافعه وخلفياته، لنساهم في أن تكون المعالجة شاملة سواء في المجال العقابي أو الصحي النفسي أو الاجتماعي.
عدالة العقاب
@ "الرياض": اهتمام الجمعية بحقوق الجناة أو المتجاوزين أصبح ملحوظا، وهو ما يعطي انطباعا للناس من أن هذا الجانب يجد عند الجمعية اهتماما أكثر من اهتمامها بحال المجتمع الضحية أو حقوق المجني عليهم، فما رأيكم؟
القحطاني: نحن ننادي بأن ينال الجميع كامل حقوقهم؛ فنحن مع المجني عليه حتى ينال حقه، ولكن في نفس الوقت يجب أن يشعر الجاني ونحن نعاقبه أن هناك عدالة في العقاب ليرتدع، لأن هذا الجاني عندما تطبق عليه العقوبة دون عدالة يشعر أنه ظلم وانتهك حقه، ولكن عندما يشعر بالعدالة وفي الوقت نفسه يجد أنها صدرت بحقه العقوبة، من هنا يكون الردع أفضل وأقوى إيلاما وإصلاحا.
"الرياض": في السنوات الأخيرة هيئات حقوق الإنسان، وبعض الهيئات الرقابية، إضافة إلى عدد من الوسائل الإعلامية كلها اتجهت إلى الحديث عن الجاني والاهتمام به، وهذا ما قد يشكل خطورة بعد ذلك، خاصة وأن بعض الجناة استغلوا هذه النقطة لصالحهم، فبم تقيمون هذا الموقف؟
القحطاني: لا أعتقد أن الأمر بهذه الصورة لأن الأنظمة وضعت أصلا للجناة، وماذا ينبغي عمله عندما تقع الجريمة، وذلك لتحقيق العدالة بين الطرفين بين الضحية وبين الجاني فالأخير ينال عقوبته على ما ارتكبه بحق الضحية، وما يشاع من أن المنظمات الحقوقية تدافع عن المجرمين ولا تدافع عن الضحايا فهذا ليس صحيحا، وإنما نقول: أعطوا الضحية حقه كاملا، وطبقوا العدالة مع الجناة حيث يعاقبون وفي نفس الوقت تحترم حقوقهم في التحقيق وفي المحاكمة وفي التفتيش وفي تنفيذ العقوبة.
وأضاف: نحن نريد أن تتحقق معادلة عادلة، يكون هناك دفاع عن حقوق المجتمع، وهذا مهم، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ولكن في نفس الوقت لا يعتدى على حقوق الأفراد بحجة الدفاع عن حقوق المجتمع، نحن نريدها معادلة عادلة وأن يكون هناك جهد وعملية مستمرة للمحافظة على أمن المجتمع، وفي نفس الوقت -وفي هذا الطريق- ونحن نحافظ على أمن المجتمع يكون هناك احترام لحقوق المتهمين ولمرتكبي بعض الجرائم، وبالتالي يكون هناك عدالة في معالجة الموضوع من زاويتين: زاوية الأفراد وزاوية المجتمع كمصلحة عامة، ويضيف: فيما يخص كيفية التوفيق بين حماية المجتمع من الجرائم والمجرمين، وفي نفس الوقت نحترم حقوق الأفراد؛ فهذه ضمن موضوع نشتغل عليه الآن، وسيشمله تقرير قادم، فنحن أمام حالة كبيرة جدا لا تخلو من صعوبة، وأنا أعتقد أن التوفيق بينها صعب إلى حد ما.
الوعي في تطبيق العقاب
ومن جهة أخرى تحدث ل"الرياض" الدكتور عبد الله بن عازب الأحمري أستاذ علم الإنسان بقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن العفو في رمضان فقال: المصلحة أو السجن في الدول المتقدمة مؤسسة اجتماعية لكن في الدول النامية مازالت الإصلاحية دون المستوى المأمول، ومازالت النظرة إليها قاصرة، وبمجرد أن يضع النزيل قدمه في داخلها يصدر عليه حكم قاس، وبعد أن يخرج لا يتقبله المجتمع بشكل كبير، وينبغي أن تتغير نظرتنا لها فنراها مؤسسات اجتماعية مهمتها تغيير السلوك الذي فيه خلل حيث تعدله ليخرج بعدها إنسانا سليما.
وحول العفو يقول الأحمري: بالنسبة للعفو العام فهذا موجود حتى في الدول الغربية، فالسجين منذ دخوله للسجن يدخل في برنامج طيلة مدة سجنه ولا يخرج إلا وقد حصل على شهادة في خبرة معينة، وكذلك يكون قد كوّن رؤية جيدة عن مجتمعه الجديد الذي سيقابله بعد خروجه؛ ففي سجون الولايات المتحدة -مثلا- عندما ينهي السجين نصف المدة أو ثلاثة أرباعها يرون أنه قد تهيأ للخروج فينطلق بعيدا عن حياته الأولى إلى حياة جديدة، ويكوّن أسرة، وتنتهي علاقته بماضيه تماما، وفي روسيا يبدأ يتعلم أشياء كثيرة حتى إن كثيرا من مصانع الأثاث وغيرها تتعاقد مع السجين ليقوم بتصنيع السرر وغرف النوم، وعندما يقضي نصف المدة يخرج وبيده عمل.
ويتحدث الأحمري عن أهمية العفو عندما يكون مشروطا ويقاس ذلك بمدى استفادة السجين من السجن يقول: أخشى أن يؤخذ العفو كعادة سنوية، وهذا ما نلمسه في حديث بعض الناس ومداعباتهم فقد تسمع أحيانا عن طريق المزاح شخصا يقول لآخر:( ادخل السجن وبعد سنة يعفى عنك في رمضان).
ويواصل: إذا أخذ العفو كعادة فهذه ستكون مشكلة لها سلبياتها، وحل ذلك يكمن في أن تدخل السجون عندنا في برامج معينة من شأنها تهيئة النزلاء، وعندما يخرج من كان سجينا فيستفيد حينذاك من عفوه، وكذلك من تقبل الناس له، وهنا تكون هذه البرامج فرصة في أكثر من جانب حيث يكتسب السجين مهنة وخبرة وكذلك تعطي فرصة للمجتهدين إذ إنه لا يمنح العفو إلا الأحق، والأحقية تكون حينذاك في إتقان هذه البرامج، وجانب آخر مهم ينبغي أن يكون موجودا في السجون عندنا، وأعتقد أنه موجود، وهو توفر الإخصائيين الاجتماعيين حيث يكون لهذا الإخصائي الاجتماعي دور كبير في تحديد مستحق العفو فيبين من دخلوا في برنامج وتعدل سلوكهم، ومن البدهي أنهم سيختلفون في مدة استيعاب هذه البرامج والاستفادة منها، ولا ننسى أن السلوك لا يتغير في وقت قصير فهو يحتاج لمدة طويلة ووجود البرامج ضرورة.
ويرى الأحمري أن العفو يجب أن توفر له شروط معينة أهمها الدخول في برامج، ويضيف: من الخطأ أن نطلق مجموعة كبيرة فنكتب في الصحف أطلق سراح 5000سجين، وبعد شهر نجد أن 1500منهم قد عادوا إلى السجن، لأنهم تعودوا ذلك، ودفعت عن بعضهم الأموال فصارت تلك عادة سلبية، والصحيح أن يكون المعفو عنه قد تعلم درسا من السجن يفيده، ويكون العفو جائزة لهذا التغير الذي طرأ على سلوكه وتوجهات ونظرته للمجتمع، أما إذا لم يصحب هذا العفو برنامج فضرره أكبر من نفعه لأن الشخص الذي دخل السجن وجريمته بسيطة ربما يتعلم في السجن من المتمرسين جرائم أكثر عنفا، ويؤكد الأحمري على أن العفو في الولايات المتحدة وروسيا يأتي بعد أن استفاد النزيل من المكتبات الضخمة التي داخل هذه السجون، ومن البرامج المختلفة كالفصول المفتوحة لمن لم يكمل دراسته ووقف عند حد معين فيكسب بعد ذلك شهادة وخبرة وحرفة، ويلح الأحمري على ضرورة إيجاد برامج لتعليم الحرف المهنية واليدوية؛ لأن الدراسات في علم النفس تقول: (الجريمة نشاط زائد في جسم الإنسان)، وإذا لم يوجه هذا النشاط موجها فإنه سينحرف إلى الجريمة ويجر إلى مترتباتها بعد ذلك، ويضيف: الحرف المهنية واليدوية مهمة لأنها نشاط، وفيها جهد، ولذلك سيوظف هذا الشخص طاقته فيها، وكذلك يستفيد مما تدره عليه بعد خروجه، إضافة إلى أن هناك برامج أخرى كالحاسب الآلي والحرف المعدنية وغيرها مما ستجعل العفو يجني ثمارا فعلية.
محذراً الأحمري من مخاطر أخذ العفو كعادة مجردة من فوائد مشاهدة، مشيراً إلى ضرورة أن تكون إيجابيات برنامج العفو أكثر من سلبياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.