المسجد الحرام موضع حج المسلمين الذي هو أحد أركان الإسلام الخمسة. وفيه يجتمع من كل فج عميق جميع أجناس المسلمين في ضيافة الرحمن، فيتعارفون ويستعين بعضهم ببعض، ويتشاورون على المصالح العامة، وتنعقد بينهم الروابط في مصالحهم الدينية والدنيوية. قال تعالى: (وَأَذِّنء في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم). توسعة المسجد الحرام مصلحةٌ حاجِيَّةٌ مُفءتَقَرٌ إليها دفعًا للمشقة وجلبًا للتيسير: وذلك أنه مع توالي الزمان يتزايد عدد الحجاج إلى بيت الله الحرام في كل موسم، بتزايد عدد المسلمين عاماً بعد عام. وهذا كان يفرض على ولاة المسلمين النظر في القيام بتوسعة المسجد الحرام لاستيعاب عدد الحجاج الوافدين عليه في الموسم. وقد حفظ لنا التاريخ ما قام به الخليفة عمر الفاروق والخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنهما من توسيع البيت الحرام، وتبعهما في ذلك الولاة والخلفاء بعدهما إلى زمان الناس هذا. وقد قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتوسعة المسجد الحرام، فأمر قَبءلُ بتوسعة المسعى، وأمر آخِرًا بإنشاء ساحة كبيرة للمسجد الحرام من الجهة الشمالية، مما سيجعل للحرم المكي الشريف متنفساً من الجهة الشمالية تكون له فوائد كثيرة على قاصدي بيت الله الحرام. وهذا في الاعتبار عملٌ جليل، وهو من أعظم الأعمال الصالحة؛ لأنه خدمة لأعظم بيوت الله على الإطلاق ولقاصديه من كل فج عميق، وفيه توسعة وتيسير على الحجاج لأداء مناسكهم في ظروف حسنة. وهذا من التيسير المأمور به شرعاً، وقد عُلم من قواعد الشريعة أن "المشقة تجلب التيسير" وأن "الأمر إذا ضاق اتسع"، وقد ضاق المسجد الحرام بالحجاج مرات عديدة فاحتاج إلى التوسيع كل مرة، رفعا للضيق والمشقة على الحجاج والمعتمرين. فتأسى الخلف من ولاة أمور المسلمين بالسلف منهم في هذه السُّنة الحسنة، فأقاموا التوسعات خدمة لبيت الله الحرام وحجاجه، فالله يجزيهم على هذا العمل الصالح خير الجزاء، ويبقيه لهم ذخراً ليوم الدين إذا انقطع عمل ابن آدم بالموت. @ باحث في العلوم الإسلامية