هنالك ارتباط وثيق بين جريمتي التستر وغسل الأموال، ومن الصعب الفصل بين الأموال الناتجة عن نشاط تجاري تحت مظلة التستر أو نشاط إجرامي من متحصلات المخدرات وبيع الأسلحة والفساد وغيرها. فالعوائد المتحصلة من جرائم التستر ما هي إلا ركن من أركان جريمة غسل الأموال المحرمة قانونا، حسب المادة الثانية من نظام مكافحة غسل الأموال، وربما تصل أموال التستر التجاري إلى نسبة تقارب ال 80 % من الأموال المغسولة ولا يمكن لأي أحد أن يفرق بين أموال التستر التجاري والأموال من نشاط محرم كتجارة المخدرات، فهما من مكونات اقتصاد الظل التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، الجهود الحكومية والرقابة المالية تمكنت من خفض معدلات غسل الأموال إلا أن هنالك محاولات حثيثة وطرقا حديثة وثغرات كثيرة تنفذ من خلالها عمليات غسل الأموال، فما عادت الطرق الرقابية السابقة مجدية في زمن التكنولوجيا المالية والعملات الرقمية وتجارة الفوركس، ولذلك على الجهات المعنية بمكافحة غسل الأموال إعادة التفكير جديا في تغيير شامل للآليات السابقة التي كانت تستخدم في عمليات الرقابة المالية، ومنها إلغاء إلزامية الكشف عن مصادر الأموال وإعطاء البنوك الحرية الكاملة لاستقبال أي أموال مهما كانت قيمتها بدون ذكر المصدر وإلغاء عملية البلاغات عن تلك الأموال من قبل موظفي فروع البنوك، كذلك إلغاء جميع متطلبات مبدأ "اعرف عميلك" التي يقوم بها مسؤولو البنوك للتأكد من صحة النشاط التجاري ومصدر الأموال وكذلك إعطاء الحرية الكاملة لحركة الحوالات المالية سواء الداخلية أو الخارجية، هذه المطالب قد تكون غريبة ولكن لها ما يبررها وسأشرح بالتفصيل عن الأسباب التي دفعتني للمطالبة بها، في هذا التقرير أرفقت رسوم بيانية، الأول عن تطور قيمة المبيعات من خلال نقاط البيع والتي ارتفعت خلال ال 7 سنوات الماضية من 183 مليار ريال إلى 614 مليار ريال بنهاية 2023 وهي نتيجة طبيعية لفرض أجهزة نقاط البيع على كل منافذ البيع، حيث كان أحد أهم أهداف هذا المشروع هو الحد من تداول النقد خارج المصارف وبالتالي الحد من عمليات التستر التجاري، ولكن النتيجة جاءت معاكسة، التستر التجاري مستمر وينمو والنقد خارج المصارف ارتفع خلال فترة المقارنة من 170 مليار ريال إلى 212 مليار ريال، ولذلك نعتقد بأن قرار فرض الإجراءات الرقابية على البنوك بعدم استقبال النقد إلا بعد ذكر مصدر الأموال نتيجته تحول النقد من المصارف إلى خارج المصارف وفقدنا فعليا الرقابة على حركة النقد، أما عملية "مبدأ اعرف عميلك" KYC التي يكلف بها مدير الفرع في البنك أو مدير العلاقة من خلال القيام بزيارة ميدانية لصاحب المنشأة والتأكد من مصدر الأموال، هنالك إشكالية وهي أن أغلب من يقوم بهذا الدور ليس لديهم المعرفة والمهارة الكافية للتأكد ما إذا كان النشاط حقيقيا ومصدر الأموال نظاميا، وبالتالي هو أما خياران إما يؤكد شرعية النشاط وبالتالي ترفع الرقابة عن العميل أو يذكر في تقريره أنه لم يتوصل إلى يقين بأن مصدر الأموال يتوافق مع حركة النشاط التجاري وبالتالي يتم تجميد الحساب أو إحالة أوراقه إلى الرقابة المالية للتحري عن مصدر الأموال وقد تأخذ هذه العملية جهداً ووقتا طويلا في البحث والتحري وقد تتسبب مثل هذه الإجراءات في تنبيه المخالفين، من الطرق لعمليات غسل الأموال هي شراء السلع الثمينة ودفع قيمتها نقدا وتقوم المؤسسة النظامية بإيداع النقد في البنك وغاسل الأموال يقوم بإعادة بيع السلعة ويطلب من المشتري تحويلها إلى حسابه وبهذا الطريقة يتم تبييض الأموال وتحويلها نظاميا إلى الخارج، أيضا التجارة الإلكترونية أصبحت أحد منافذ غسل الأموال، حيث تتم عمليات شراء سلع من مواقع مخصصة ودفع قيمتها من خلال الدفع الإلكتروني دون الحصول على السلعة وبالتالي يتم تحويل الأموال بطريقة نظامية وبعيدة عن الرقابة. على ضوء الشرح السابق نعتقد أن الطريقة المثلى لمكافحة غسل الأموال هو رفع القيود عن حركة النقد والتحويلات المالية ورفع التكليف عن موظفي البنوك للقيام بدور الرقابة وإلزام جميع المنشآت التجارية بالفاتورة الإلكترونية وتعديل الأنظمة بحيث تمنع إصدار أي فاتورة إلكترونية لا ترتبط برقم هوية المشتري في حالة الدفع النقدي الذي تزيد قيمته على 1000 ريال، ومن خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي يتم جمع وتحليل البيانات ورصد حركة النقد وتداولاته خارج المصارف والتأكد من عدم وجود أي مخالفات في النشاط التجاري أو البيع بأسعار أقل من سعر التكلفة لفترات طويلة والتي قد تكون من علامات الاشتباه في عمليات غسل الأموال، بل أذهب إلى أكثر من ذلك وهو الترخيص لأي وافد بممارسة النشاط التجاري مهما صغر حجمه مقابل عائد مالي يدخل لخزانة الدولة وهذا سوف يوفر على الجهات الرقابية متابعة 80 % من حجم الأموال المغسولة الناتجة عن التستر التجاري والتركيز على 20 % التي ترتبط بنشاط مجرم كالمخدرات وغيرها.