أحد الشعراء الذين بحث عنهم المستشرق والدبلوماسي الهولندي "مارسيل" في مشروعه البدوي الأخير أثناء تواجده في وادي الدواسر، وكما ذكرنا في حلقة ماضية الشاعر الكبير فالح بن بتلا الدوسري عند ما ذكر أنه في البداية ذهب بدعوة على الغداء عند قبيلته المخاريم الذين وجهوا بعد الغداء بحذر الحديث نحو حال رجل قبيلتهم المكفوف مشيرين إلى أنه شاعر لا يملك منزلا ولا سقفا فوق رأسه ولا مزرعة وقد نظم العديد من قصائد المدح ببعض المسؤولين دون جدوى وفي الأخير انطلقت الكلمة الكبيرة "توسط له في الرياض" إنه رجل كريم وأوضاعه مزرية ليس لديه مال وحاله سيئة. بات ابن بتلا كما قال في حلقة ماضية في مخيمه الذي يبعد عن الوادي بنجو أربعين كيلا وفي صباح اليوم التالي نهض مارسيل مبكرا وهو يتحرق شوقا إلى اعتصار آخر كلمة شعرية منه. ونحو منتصف النهار أنجز جزءا من مهمته عندما صور الشعراء الثلاثة ابن بتلا ومحمد وبخيتان. في الطريق إليه ذكّرته سيارة البيك أب التي كانت تقلهم ويتصاعد منها الدخان على نحو لا يقاوم كما يقول بالشاعر الدندان الذي كانت مثل هذه الأمور تحدث له في كبره. وهنا تنتهي المقارنة. لقد كان لدى ابن بتلا زوجتين وخمسة أبناء وأربع بنات ومن خيمته كان يدير شؤون العناية بإبله وخرافه وماعزه. دلال القهوة التي كان يملكها كانت ملتقى أفراد جماعته وبرغم كونه أعمى إلا أنه ظل دائما في وسط حراك قبيلته. ومن خلال المخيمات المنصوبة على بعد مسافة كان رجال يأتون ويحيونه وفي الظلام الذي لا يلبث أن يهبط بدأ كوكب الزهرة يسطع فوق أحد التلال المحيطة، القطعان غادرت الحقول الواسعة، حيث تقضم ما تبقى من حصاد الحبوب وفي مؤخرة المخيم كانت نساء محجبات يتحركن في ثياب زرقاء وخضراء براقة وحمراء فاقعة لتجاذب أطراف الحديث وربط الأغنام. كان الهواء عذبا عذوبة لا توصف. ألقي في النار مزيدا من حطب السمر العبق بعطره ودارت فناجين القهوة والشاي مع صحون التمر وطاسات حليب الإبل. وللحظة كما وصفها: كان هناك ما يشبه تأثير العين السحرية العجائبي - لوحة منبسطة ميته ما لبثت أن اكتسبت روحا ودبت الحياة في كل ما فيها.. لبرهة كان العالم مكتملا. يامرحبا ترحيب غال لغاليه والكاذب الله يذهبه يانعوسي السماء الغارقة في الظلام والشريط الضبابي العريض لدرب التبانة أصبحا مرئيين بين وميض النجوم الباردة، ابن بتلا لم يتطرق كما قال إلى تجربته في المستشفى في الرياض، هموم اليوم أزيحت مع عرق الجبين والضوء الساطع وحان الوقت لقصص الأيام الخوالي وحكايات الجن والخيال والشعر وقصص الرسول صلى الله عليه وسلم. والخلفاء الراشدين وكانت كلها بلسما للروح العطشى. ألقى مارسيل بدوره أشعارا من نظم الدندان فهو مثله مثل ابن بتلا يصف حياة البدو في الترحال والبحث الأبدي عن أماكن، حيث رذاذ السماء يبعث الحياة في بذور العشب تحت الأرض. ليس من أحد وصف رومانسية هذا الوجود كما وصفها هذان الاثنان ولكن ابن بتلا بخلاف الدندان يفهم روح العصر: فلاني بعمس القلب ومفتح بعيون يعفج السوالف ما يميز معانيها يرى ابن بتلا أن البدو عاشوا دهرهم وهو يريد شيئا يتركه لذريته وعاد مارسيل كمل قال بالتوسط له في الرياض لدى أحد المسؤولين للتوصية بقبول ابنه في إحدى الوظائف، في تلك الليلة وإذ أارخى الليل سدوله على البساط أعاد ابن بتلا تعبيرا عن الامتنان إلقاء قصيدته عن أميرة إبله (نعوس): يامرحبا ترحيب غال لغاليه والكاذب الله يذهبه يانعوسي بوحيةٍ توصيفها الله مسويه حارت افكاري في حلاها تروسي كن النحر بابٍ خذا المدح راعيه جمعٍ مقابيلٍ وجمع جلوسي الا تخنود مشيها يوم احليه كنها طموحٍ لا دهشت باللبوسي والراس راس محدد الشول حاميه لا غاب ذهنه واقتظم بالظروسي والني مزمومٍ على اللي حواليه يبدي براسه كل طيرٍ فروسي حمرا وبرها قرمزٍ من مطاويه لا لبسه الفارس نهارٍ عبوسي يازينها حول المودّه اتباريه من الحيا لا جاء صدوق العسوسي مثل الشريف اللي سراياه تتليه امسلطٍ فيه الحماسه تدوسي وميض نجوم درب التبانة الباردة مارسيل حمرا وبرها قرمزٍ من مطاويه ابن بتلاء والشاعر بخيتان بن ضافي