بايرن ينهي موسمه المخيب في المركز الثالث بعد الخسارة من هوفنهايم    تشخيص حالة فيكو الصحية «إيجابي» ووضع منفذ الاعتداء قيد التوقيف الاحتياطي    نيابة عن ولي العهد.. وزير البيئة يرأس وفد المملكة المشارك في المنتدى العالمي ال 10 للمياه بإندونيسيا    تشافي يستبعد قرب الإطاحة به من تدريب برشلونة    هيئة تقويم التعليم والتدريب تعلن إطلاق استطلاعات الرأي لجودة التعليم الجامعي وبرامجه.    ضبط مواطن بالحدود الشمالية لترويجه مادة الحشيش المخدر    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في آيسف 2024    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    التأثير العميق للسينما: تنوير العقول وتشكيل المجتمعات    ورشة عمل لبحث أخلاقيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي مع عدة جهات حكومية    افترقوا بحب معشر العشاق    إتاحة مزاد اللوحات للأفراد ونقلها بين المركبات عبر أبشر    ترحيل 15566 مخالفا للأنظمة    أوديجارد يطالب لاعبي أرسنال بالتحلي بالواقعية    حُكّام مباريات اليوم في "دوري روشن"    «غرفة بيشة» تساهم في دعم حفل تكريم المشاركين في مبادرة أجاويد ٢    "تعليم الطائف" يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    جامعة الملك فيصل تحصد الميدالية الذهبية عن اختراع جديد    من ينتشل هذا الإنسان من كل هذا البؤس    مجسم باب القصر يلفت انظار زوار وسط بريدة    حملة مشتركة تسفر عن رفع ما يقارب الطنين من الخضروات والسلع المختلفة من الباعة الجائلين المخالفين بشرق الدمام    الرئاسة العامة تشارك في ورشة عمل "الأثر المناخي في حج عام ١٤٤٥ه"    نعمة خفية    الأمير سعود بن نهار يرعى حفل اطلاق الاستراتيجية الجديدة لغرفة الطائف    قائد فذٌ و وطن عظيم    المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالسعودية    إندونيسيا: الكوادر الوطنية السعودية المشاركة في "طريق مكة" تعمل باحترافية    المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو" حتى 2026م    متحدث «الداخلية»: مبادرة «طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي والتقنية لخدمة الحجاج    مسؤولون إسرائيليون: مفاوضات الهدنة في طريق مسدود    القاهرة : لاتراجع عن دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    دراسة: الشركات الألمانية لا تسوق للسيارات الكهربائية بشكل جيد    «المركزي الروسي» يرفع الدولار ويخفض اليورو واليوان أمام الروبل    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    "تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    ترتيب الدوري السعودي بعد تعادل النصر والهلال    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    طريقة عمل الأرز الآسيوي المقلي بصلصة الصويا صوص    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    حراك شامل    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليم النقد
نشر في الرياض يوم 23 - 12 - 2023

رغم تسلل اليأس أحياناً وفقدي الحماس من إمكانية تعليم النقد، إلا أنني لم أيأس تماماً، لذلك توصلت إلى قناعة آخر فصلين دراسيين أنه لا يمكن تعليم النقد "نظرياً" أي أنه يستحيل أن تصنع ناقداً من خلال تعليمه أدوات النقد فقط، بل هو تعليم تجريبي بحت..
سوف أتحدث عن تجربة تعليم النقد المعماري خلال الثلاثة عقود الأخيرة، فأنا لا أستطيع أن أدّعي أن هذه التجربة كانت ناجحة بالقدر الذي كنت أتمناه. كنت أسأل نفسي باستمرار ما هو الشيء المفقود الذي يجعل من تعليم النقد مسألة غير مجدية؟ وهل النقد يمكن أن يُعلّم أم أنه يولد لدى الإنسان بالفطرة ويتطلب مهارات لم أستطع اكتشافها حتى الآن؟ ما يدعوني لإثارة التساؤل حول هذا الموضوع هو أن هناك من يخلط بين الكتابة حول العمارة وبين النقد، بينما المعروف أن الناقد يجب أن يكون لديه منهج وموقف وليس مجرد كاتب. المنهج يتمثل في الأدوات الفكرية التي يوظفها لتفكيك الظواهر التي تواجهه ولكل ظاهرة منهجها الذي يناسبها، أما الموقف، وهذه المسألة الأصعب، أن يتجرد الناقد من المصالح الخاصة والمواقف الشخصية ويطرح آراءه بصراحة دون انحياز. سألت نفسي هل بالإمكان أن يتعلم أي إنسان أن يكون متجرداً وغير منحاز؟ وهل نستطيع أن نجعل منه صاحب موقف واضح تجاه القضايا التي يتقاطع معها؟
عندما أفكر في كل هذه الشروط التي يتطلبها إعداد الناقد، أشعر ببعض اليأس من فكرة "تعليم النقد" وأراها غير ممكنة. أذكر أن الصديق الدكتور حازم النجيدي، من العراق، ذكر لي أهمية "نقد النقد" وكتب مقالاً حول هذا الموضوع، وقال إنه لا يمكن الوثوق بالنقد دون وجود نقد للنقد. حسب ما يراه الصديق النقد يتعرض بشكل دائم إلى انحياز الناقد وتغليب مواقفه الشخصية على الموضوع. النقد المعماري على وجه الخصوص يتقاطع مع مصالح اقتصادية واسعة مرتبطة بمصمم ومالك المشروع، وفي اعتقادي إنه قريب من النقد السينمائي حتى في تعدد الجوانب النقدية الجمالية والتقنية ومنهج كتابة السيناريو والتصوير وغيرها، وفي العمارة يبدو المبنى عملًا فنيًا خالصًا، ويزيد بأنه مصنوع كي يعيش فيه أو يعمل في الإنسان.
رغم تسلل اليأس أحياناً وفقدي الحماس من إمكانية تعليم النقد، إلا أنني لم أيأس تماماً، لذلك توصلت إلى قناعة آخر فصلين دراسيين أنه لا يمكن تعليم النقد "نظرياً" أي أنه يستحيل أن تصنع ناقداً من خلال تعليمه أدوات النقد فقط، بل هو تعليم تجريبي بحت. قررت مع زميلي في المادة المعماري مشاري البقمي أن نحول مادة النقد إلى منهج دراسي يعتمد على أن يقوم الطلاب في نهاية كل فصل دراسي بعمل مناظرات نقدية تدور حول القضايا العمرانية المعاصرة. ولكن كيف ننقل مهارة الجدل النقدي المنهجي إلى الطلاب؟ وجدنا أن المسألة تحتاج إلى تأنٍ وصبر، فالتعليم من خلال التدريب يحتاج إلى دمج المهارة النظرية والفكرية مع الممارسة العملية، وبالتالي قررنا أن نحول المحاضرات الأسبوعية إلى ورش عمل وتم توزيع الطلاب إلى مجموعات في كل مجموعة أربعة طلاب واختارت كل مجموعة قضية عمرانية معاصرة.
اعتمد الجزء الأول من ورش العمل على الإجابة على 6 أسئلة أساسية في أي تفكير منهجي بدءاً من تعريف القضية إلى تحديد أهم المنظرين والمعماريين الممارسين الذي تعاملوا معها سواء كانوا مؤيدين أو معارضين إلى استخلاص المناهج التي اتبعوها وأخيراً أهم المصادر التي تناولت القضية. هذه الورش تهدف إلى خلق مهارة التأني والصبر ومهارة البحث الاستقصائي، لكنها لم تصل بعد إلى بناء مهارة النقد. الجزء الثاني من الورش هدف إلى التعلم من الجدل بين المنظرين والممارسين وطُلب من كل مجموعة أن تضع خمسة مبادئ أساسية تمثل أهم أركان القضية، وبعد ذلك قام الطلاب بنقل هذه المبادئ إلى مستوى أعلى من خلال تحول هذ المبادئ إلى إطار نظري من خلال العودة إلى المنظرين والممارسين لدعم هذه المبادئ والنموذج الفكري الذي طورته كل مجموعة. المنهج اعتمد على تفكيك الظاهرة Dismantling في الورش الأولى وتركيب الظاهرة مرة أخرى حسب فهم كل مجموعة Mantling في الجزء الثاني من الورش، بحيث يقوم الطلاب في كل مرحلة بالاستعانة بحالات دراسية لتبرير الأفكار والمبادئ والنموذج الفكري الذي اتبعوه.
خلاصة هذه العملية النقدية التجريبية التي امتدت على مدى 15 أسبوعاً هي المناظرة النقدية بين المجموعات الطلابية، وهنا الطالب يمر بتجربتين فمرة يكون مدافعاً عن قضية المجموعة التي هو عضو فيها، ومرة أخرى هو عضو في فريق الضد الذي يجب أن يعمل على هدم الرأي الذي تتبناه إحدى المجموعات التي سيناظرها. مجموعات الضد التي تناظر المجموعات الأساسية كل منها مكون من أعضاء مختلفين تم تشكيلهم من كافة المجموعات الأساسية. بالطبع فكرة المناظرة ليست جديدة لكن فترة الإعداد لبناء المحتوي النقدي والجدلي للمناظرة التي تمتد طوال الفصل الدراسي عبر ورش عمل أسبوعية يقدم فيها جميع الطلاب عروضاً نقدية كان تجربة فريدة وممتعة. يجب أن أنوه كذلك أن الطلاب يقومون بكتابة مقالتين خلال الفصل الدراسي، الأولى في منتصف الفصل وهي عبارة عن واجب منزلي والثانية بعد المناظرة بيوم أو يومين في قاعة المحاضرات ويتبع فيها الطلاب أسلوب "الكتابة العفوية" يقدمون فيها تجربتهم الشخصية طوال الفصل. هنا يتم اكتشاف الفروق الفردية بين الطلاب وتحديد أولئك الذي يتمتعون بمهارة نقدية أكثر من غيرهم. ومع ذلك فلن أدعي أن هذه التجربة تكفي لتعليم النقد، فالمسألة كما أراها تتطلب تدريباً مستمراً وثقافة موسوعية بالمناهج الفكرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.