«لقد مررت بتحولات علمية وفكرية جذرية سببها تقدم العمر وتنامي الورع والازدياد في العلم والانعتاق من الانغلاق التراثي» هذه العبارة تعد من أشهر أقوال العالم والمفكر والأديب الشيخ محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عقيل المعروف بأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، الحاصل على جائزة «شخصية العام الثقافية» من مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية في دورتها الثالثة 2023، حيث كان الأديب الظاهري مؤمناً بتعدد الآراء والاختلاف وحرية الرأي وهذا ديدن العلماء وأصحاب الفكر النير المضيء، وهو كذلك دون شك حيث يعد أحد رواد الأدب في المملكة بما يتجاوز المائتين مؤلف، تتميز بالتفصيل الدقيق والثري، وأسلوب التعبير القوي والقدرة المعرفية والتعامل الواعي مع القضايا الثقافية والأدبية والفكرية المختلفة في آن. ويعد كتابه «كيف يموت العشاق؟» من أشهر كتب العشاق وأحوالهم قبل الموت في الوطن العربي، وهو كتاب فريد في موضوعه، مشيراً بعنوانه إلى أن مصير كل مخلوق من الأحياء إلى ممات، ولكن نجد سبب تسميته لعنوان الكتاب كونه عنواناً مثيرًا، ويتتبع حال العاشق إلى حين موته ليرى هل مات معافى من الهوى بسلو أو وصل، أم أنه مات على آفة من آفاته؟ وكان قد تبرع معالي الدكتور غازي القصيبي بطباعة كتاب الظاهري على حسابه وأرسل له مبلغاً مسبقاً، كما تعهد بتكاليف ترجمته إلى الإنجليزية، إلا أن الشيخ تصرف بالمبلغ لأمر معيشي ولم يطبع الكتاب، وعلم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بقصة الكتاب وتكفل تكاليف طبعه، وقال: «أنا مكمل لغازي، والحال واحدة». مما يدل على تفرد هذا الكتاب بالمحتوى القيم الفريد الذي يبحث عنه القارئ ويجعله مادة غنية للإلهام والتحفيز الشعري والأدبي، مستشهداً بعدد من القصص التي حورت من خلالها السيرة التاريخية إلى أسطورة شعبية. ويصف ابن عقيل الكتاب قائلاً: «هذا الكتاب فلسفة لعلل يقال إنها من آثار الغرام.. كما أنه استعراض للقصص الغرامي بين الأدب الفصيح والأدب العامي، وبيان لقدرة الحكواتي النجدي على نسج الأسطورة». بالإضافة إلى أن كتابه تضمن أخباراً غرامية عن قيس وليلى، وعشاق بني عذرة، وبشر الأسدي وهند الجهنية، وأبي زيد وعلياء وفهد العلان وقوت، والدجيمان والوليعي وغيرهم، وتطرق إلى أحوال العشاق بين العلم والرواية التاريخية والأسطورة التي جعلت من هذا الكتاب مرجعاً أساسياً لقصص العشاق. وكان تعريف الحب مختلفاً عند ابن عقيل حيث عرفه بقوله: «ركن ركين في كتب الأجناس الأدبية والموسوعية، ودراسات الشعر الغزلي، وتراجم العشاق.. وهو أعظم قضايا الشاعر والمغني والقاص والروائي وكاتب النوادر» مؤكداً بذلك أن الحب قضية محورية لجميع العصور والأزمنة والأجناس وأيضاً للمهن الكتابية المبدعة. وعن العنوان العريض للكتاب: «كيف يموت العشاق؟» ذكر ابن عقيل أن موت العاشقين يكون في خمسة أحول هي: «عاشق يعتصم بربه، ويتداوى بالمباح فيعود إليه عقله ويستقيم سلوكه، وعاشق يظفر ببغيته وينعم بالوصل، أو محب غير عاشق ينعم بالوصل فيموت غرامه؛ لأن الحب إذا نكح فسد، وعاشق لم ينعم بالوصل، واستعذب بكاءه، وأجهش للتوباد فاختلط فكان مجنون غرام، وعاشق لا يموت رخيصاً، ولكنه لا يمتع بصحته بل يوافيه الأجل بعد سنين من الهم والنحول والضنى، وعاشق يموت بشهقة وهذا لا وجود له عندهم إلا في الخيال، فهو وجود فني لا موضوعي يتظرفون به، وليس وجوداً موضوعياً». وهنا استطاع الظاهري أن يحقق المتعة الأدبية بنشر أخبار وأشعار عشاق العامية النجدية مع ربط ذلك ببعض قصص العشاق من أهل العربية الفصحى، أو أشعارهم، أو الربط بشيء من دراسات فلاسفة الغرام، إلى جانب تحقيق المتعة العلمية بدراسة أحوال العشاق بين الحقيقة والخيال. أبو عبد الرحمن بن عقيل