اليوم الوطني بمثابة وقت للاعتزاز بالإنجاز وتثمين الحاضر المشرف والتخطيط لمستقبل مشرق، حيث وضع المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- مملكتنا العظيمة على طريق المجد من خلال تأسيس دولة قائمة على العدل الذي يستمد قوته من جسور التوافق بين الحاكم وأصحاب الرأي والمشورة من أبناء هذا الوطن الطموح. وفي هذا الشأن نسوق لكم الفقرة الواردة في بلاغ الملك عبدالعزيز الذي وزع في عام 1343ه والتي شدد فيها على مفهوم الشورى في ضوء الشريعة الإسلامية وهي كالتالي: "سنجعل الأمر في هذه البلاد المقدسة - بعد هذا - شورى بين المسلمين، وقد أبرقنا لكافة المسلمين في سائر الأنحاء أن يرسلوا وفودهم لعقد مؤتمر إسلامي عام، يقرر شكل الحكومة التي يرونها صالحة لإنفاذ أحكام الله في هذه البلاد المطهرة". وفي لقاء السلطان عبدالعزيز بعلماء البلد الحرام قال مخاطبًا إياهم: "لا أريد أن أستأثر بالأمر في بلادكم دونكم، وإنما مشورتكم في جميع الأمور". أدرك المؤسس في وقت مبكر أن الشورى منهج عميق وطريق ممهد لتأسيس دولة تزاحم أعظم الدول داخل المشهد الدولي. فكانت الاستعانة بأهل العلم والخبرة والحل والعقد علامة فارقة في شخصية المؤسس وأبنائه من بعده أذهلت البعيد قبل القريب وساهمت في تذليل الصعوبات والتحديات. هذا الإدراك العميق لأهمية تأصيل الشورى في نظام الحكم والدعوة المباشرة من قبل الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- نتج عنه تشكيل مجلس أطلق عليه المجلس الشوري الأهلي وذلك في عام 1343ه لتحقيق هذا المقصد السامي، وقد تم افتتاح أعمال هذا المجلس في ذات السنة. وكان أول مؤسسات الدولة أتت بعدها باقي المؤسسات تباعًا، مما يدل دلالة قاطعة على تثمين الوالد المؤسس لهذا المنهج القويم. وعلى خطا المؤسس مشى أبناؤه البررة من بعده من حيث الاهتمام بمفهوم الشورى وتعزيز مكانته من خلال الدعم المستمر لمجلس الشورى في المملكة. هذا الدعم الذي مكن المجلس من القيام بدوره على المستويين المحلي والدولي. منذ تأسيس المجلس وحتى يومنا الحاضر يتم افتتاح أعمال السنة الشورية من قبل الملك في يوم يشدو فيه تلاحم القيادة مع الشعب ويتجدد العهد الذي أسس له جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-. خلال العقود الماضية منذ تأسيس مجلس الشورى نضج المفهوم وتطورت الأدوار على المستوى الداخلي والخارجي. في الداخل استمر مجلس الشورى في القيام بأدواره التشريعية من حيث دراسة الأنظمة والقوانين ورفع التوصيات المتعلقة بها، وكذلك الدور الرقابي المتعلق بمراجعة تقارير الجهات الحكومية وتقييم الأداء واستضافة الوزراء لمناقشة سبل تطوير العمل وتذليل التحديات. لم تكتف القيادة السعودية بالدور المهم الذي يقوم به مجلس الشورى في الداخل فقط، وإنما حرصت على أن يقوم المجلس كذلك بدوره البرلماني داخل المشهد الدولي خصوصًا بعد تأسيس منظمة الاتحاد البرلماني الدولي في عام 1889م. هذه المنظومة الطموحة كانت بطبيعة الحال موضع اهتمام القيادة السعودية؛ لإدراكها أهمية دور اتحاد البرلمان الدولي وما يصدر عنه من قرارات وتوصيات وبيانات تصوغ وتشكل الرأي العام الدولي. لذلك كان ولا بد أن يلتحق مجلس الشورى السعودي بهذه المنظومة ليكون جزءًا من التشاورات وتبادل وجهات النظر حول القضايا الملحة مع البرلمانات والمجالس الممثلة في الاتحاد؛ لتدعيم الرأي العام الدولي برأي المملكة العربية السعودية قائدة العالم الإسلامي والعربي، وقد تحقق هذا الإنجاز التاريخي في سبتمبر 2003م، وحصل مجلس الشورى السعودي على العضوية الكاملة داخل الاتحاد اعتبارًا من الدورة (172) لمجلس الاتحاد التي عقدت في سانتياغو عاصمة جمهورية تشيلي. مسيرة الشورى في المملكة نموذج ثري قام على أساس قويم لبناء مجتمع واحد وعلى أرض صلبة استمدت قوتها من حكمة المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وبعد نظره. وأطيب ما نختم به هذه الإضاءة السريعة لمسيرة الشورى في المملكة العربية السعودية ما قاله الملك المؤسس في معرض حديثه وذلك في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1434ه مخاطبًا علماء البلد الحرام: "تقول العرب إن الرجال ثلاثة: "رجل، ونصف رجل، ولا رجل، فأما الرجل فهو من عنده رأي، ويستشير الناس في أموره. ونصف الرجل من ليس عنده رأي، ويستشير الناس. وليس برجل من ليس عنده رأي، ولا يستشير الناس".