يوصف الذكاء الاصطناعي، باعتباره أحد أهم مفرزات مرحلة الابتكار، مجازا بأنه ب"بترول" المستقبل، حيث تشير كثير من الدراسات العالمية بأن الاستثمار في مجالاته وتطبيقاته يفوق الاستثمار في عمليات التنقيب عن النفط، بل وترى هذه التقارير في الجانب الآخر أن ما يفوق نسبة الثلثين من المهن التقليدية الموجودة اليوم، ستختفي نتيجة ظهور مهارات جديدة يجب اكتسابها لتتناسب مع مرحلته، والتي بدأت فعليا بالتشكل نتيجة انتشار معطيات تقنياته وتطورها تدريجيا. وقد سبق لي في ثلاث مقالات متتالية عن آفاق استكشاف الذكاء الاصطناعي وأهميته وتطبيقاته نشرت في سبتمبر (2018) في هذه الصحيفة المتميزة، تسليط الضوء على أن رؤية الوطن الطموحة من شموليتها لم تغفل الاهتمام بمختلف القطاعات، ومن ذلك محور تنمية البنية الرقمية لبناء منظومة خدمية وتطوير البنية التحتية للاتصالات وأمن تقنية المعلومات وتعزيز مقومات بنية التحول التقني للمساعدة في تأسيس أنشطة صناعية متطورة تعزز من تفرد البيئة الاقتصادية للوطن، وطرحت في هذه المقالات التساؤل عن غياب أي مبادرة لتفعيل آليات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في رؤية الوطن الواعدة كي يتم مزاوجته بجزالة ما بذل من جهود نوعية للارتقاء بأداء القطاعات المختلفة سواء الخدمية أو الإنتاجية؛ وذلك تأسيسا على أن علم الذكاء الاصطناعي وتقنيات الروبوتات ومجالات برمجياتهما تخدم عمل القطاعات الخدمية الأساسية والصناعية، وإعادة هيكلة توظيفه بما يتجاوب مع الثورة التكنولوجية المتنوعة، واستغلاله كذلك كرافد من روافد تنويع مصادر الدخل بحسب زيادة فرص معطياته الاقتصادية، لتتكامل بدورها مع ما ننشده من تحقيق لمستهدفات رؤية الوطن الفريدة، وبالتالي حاجة ذلك لإعداد أجيالنا وقطاعاتنا الوطنية استراتيجيا للتعامل مع مخرجات هذه المرحلة القريبة جدا. وحيث صدرت مؤخرا موافقة مجلس الوزراء الموقر على إنشاء مركز باسم "المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي"، والذي يتوقع أن يكون له دور في تعزيز مكانة الوطن إقليمياً ودولياً في مجال بحوث الذكاء الاصطناعي، وتحقيق معايير الاعتبارات الأخلاقية في مجالات استخدام تطبيقاته؛ ولهذا نقول لا شك أنه بإنشاء هذا المركز يكتسب وطننا الغالي ريادة أخرى تضاف إلى سجله الحافل كأنموذج يشار له بالبنان في المبادرات التنظيمية ذات الطابع الفني النوعي في مجالات التطور الرقمي والتقدم التكنولوجي والأمن السيبراني؛ فالذكاء الاصطناعي هو بلا شك حاليا لغة اليوم ورهان المستقبل للارتقاء بعمل منظومة المشروعات التنموية وجودة عمل كافة القطاعات التشغيلية والمجالات الخدمية والقطاعات الإنتاجية، واقتناص الفرص الاقتصادية، وتقليل الإنفاق وخلق بيئات صناعية متطورة وذات تشغيل وإنتاج عالٍ.