أنهى الدكتور سعد الصويان الحوار الذي أجرته معه مجلة (المجلة) بأمنية تُبيّن لنا مدى شغف هذا العالِم وإخلاصه لمشروعه لتدوين ودراسة التراث الشعبي في أنحاء مملكتنا الحبيبة، وهو المشروع الرائد والطموح الذي بدأ قبل أكثر من أربعين سنة بمبادرة شخصية منه. فقد صرّح في هذا الحوار، وفي حوارات سابقة، بأن تراجع صحته أمرٌ يحول بينه وبين إنجاز عددٍ من أعماله في السنوات الأخيرة، وختم بقوله: "ما أتمناه هو أن أتمكن قبل أن أودّع هذه الحياة من أن أقرأ كتابي أيام العرب الأواخر مسجلاً بصوتي، لأن الكتاب عبارة عن سوالف كتبتها بلغتها العامية الأصلية والقليل من القراء لديهم القدرة على قراءة ما يكتب باللهجة العامية قراءة صحيحة". وكتاب (أيام العرب الأواخر) مدوّنة شعبية ضخمة تُمثل جزءاً من مشروع الصويان بدأ تسجيل مادتها المتنوعة من الرواة الشعبيين ابتداء من عام 1982م وأصدرها عام 2010م. وأعتقد أن أمنيته نابعةٌ من إيمانه الراسخ بقيمة المشروع العلمية والوطنية من جهة، ورغبته الأكيدة في امتداد حياة المشروع وانتقاله للأجيال المقبلة من جهة ثانية. ويلفت النظر في الحوار أيضاً قوله إن كتاب (الصحراء العربية: ثقافتها وشعرها عبر العصور) أجدر بالفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب من كتابه (ملحمة التطور البشري)، وتعليله ذلك بكون الصحراء العربية من بنات أفكاره ونتيجةً لجهوده البحثية. ففي هذا التصريح إشارة لاعتزازه الكبير بكل ما يتصل بهذا المشروع، لاسيما أن كتاب الصحراء العربية مُرتبط بكتاب أيام العرب الأواخر ارتباطاً وثيقاً، وقد وصفه بأنه "أشبه بالمقدمة النظرية والمنهجية" لنصوص أيام العرب، وتناول كثيراً من المرويات التي تضمنها بالدراسة والتحليل. ما يميز الصويان أنّه اضطلع بدور المعلِّم المخلص والخبير الذي يُبسّط المعلومة العميقة لكي يفهمها المتعلّم بسهولة، ثم يتمكّن في خطوة لاحقة من الاستفادة منها أقصى درجات الاستفادة، وكثير من المؤلفات التي تشكّل منها مشروع تدوين ودراسة التراث الشعبي هي أشبه بالمفاتيح التي تساعد على فتح الأبواب المغلقة في هذا الميدان، وقد أشار في مقدمة (فهرست الشعر النبطي) إلى أهمية وجود "المفاتيح" التي يحتاج إليها الباحث "للولوج إلى ميدان الأدب الشفهي وفهم مادته"، ولا شك أنّ الفهرست من المفاتيح التي ساعدت الباحثين في موضوع الشعر الشعبي وحفظت لهم الكثير من الوقت والجهد. ولا أبالغ إن قلت: إن أي إصدار هو بمثابة مفتاح علمي يمنحه الصويان لكل طالب علم أراد الالتحاق ب"جامعة الصويان الفلكلورية" لخدمة التراث، ولعل كتاب (جمع المأثورات الشفهية) واحد من الكتب/المفاتيح التي لم تحظ باهتمام مماثل للاهتمام بمؤلفاته الأخرى، والكتاب عبارة عن دليل عملي صدر عام 1985م وبيّن فيه خطوات العمل الميداني لجمع المأثورات الشعبية من المصادر الشفهية، وروى تجربته في تدريس مادة المأثور الشعبي لطلاب قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك سعود، وسجّل ملاحظاته على تجارب الطلاب أثناء فترة تدريبهم الميداني، وتضمّن الدليل إرشادات مفيدة تنم عن معرفة دقيقة وواسعة بمهارات تدوين مواد التراث الشعبي تمهيداً لتصنيفها ثم دراستها. وإذا كان لي من أمنية في نهاية هذه السطور فهي أن تبادر الجهات الثقافية بدعم الصويان لتحقيق أمنيته التي صرّح بها تكريماً له واعترافاً بفضله، وأن تشجعه بقوة على إنجاز مشاريعه غير المكتملة، ففي تحقّق أمنيته وفي تشجيعه فوائد عظيمة ستعود على تراثنا الشعبي الأصيل وعلى الباحثين والمهتمين. جمع المأثورات الشفهية ملحمة التطور البشري فهرست الشعر النبطي الصحراء العربية أيام العرب الأواخر بداح السبيعي