ليس في الحياة أسمى ولا أجمل من أن تمضي سليماً نقياً خفيفاً لم تظلم ولم تسئ، ولم تتعدَّ، ولم تغتل فرحة، ولم تطفىء شمعة. جبر الخواطر، خُلُق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفس، وسلامة صدر، ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه نفوساً كسرت وقلوباً فطرت، وأجساماً أرهقت، وقد قيل: (من سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر). وكم من كلمات تشجيع وتحفيز وجبر لخاطره يسمعها الابن من والديه.. أو من معلميه في مدرسته كانت سبباً ودافعاً لتفوقه في حياته الدراسية ونجاحاً في حياته كلها. والعكس صحيح في كلمات الإحباط والتحطيم يسمعها الابن من والديه أو من معلميه في المدرسة كانت سبباً في ترك الدراسة وضياع سنوات عمره، بل وانحرافه عن المسلك السليم والصراط المستقيم. وقد تجبر خاطر أخيك المسلم بكلمة طيبة أو هدية أو تصرف معين، تشاركه الفرح والسرور والأحزان. وما أجمل قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (والله لا أنسى لامرأة من الأنصار كانت تبكي معي يوم حادثة الإفك) يعني كانت تشاركني حزني، فجبرت خاطري. وعندما نزلت آيات التوبة على الثلاثة الذين خُلفوا في غزوة تبوك، وكان أحدهم كعب بن مالك -رضي الله عنه-، حكى كعب عن تهنئة المسلمين له على التوبة، فقال: "قام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول، حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة" (رواه البخاري ومسلم). وجبر الخواطر عبادة حث عليها ديننا الحنيف.. ويظهر ذلك في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ذلك عندما خافت أم موسى -عليه السلام- على ابنها أوحى إليها الله -تعالى- بقوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين)، وأمر فيها وفعلها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في مواقف كثيرة منها ما جاء في الحديث الصحيح: عندما أتى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر، فطيَّب خاطرهم وأزال الهمَّ عن قلوبهم بقوله: (أَوَليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ). وما أجمل قول الشاعر: كمْ بَاسِمٍ والحُزنُ يَمْلَأُ قلبهُ والناس تَحسبُ أنَّهُ مسرورُ؟ وتراهُ في جبْرِ الخَواطرِ سَاعياً وفؤادُهُ مُتصدعٌ مكسورٌ؟ كمْ من كتابٍ لم يكنْ عُنوانُهُ يحكي الذي في طيِّهِ مَسطُورُ؟ ولكم مُداوٍ ماتَ من مرضٍ بهِ وهو الذي في طبه مشهورُ؟ وختاماً.. حافظ على حلاوة لسانك، وحسن خلقك، وطيب أفعالك، واجبر خاطر كل مكسور حزين، فالكلمة الطيبة صدقة.