الشاعر منذ اكتشاف موهبته وعرف نفسه بتمتعه بالقدرة على التعبير عن مشاعره بالشعر صار أسير قريحته، فهي تحفزه باستمرار على التعبير، يصبح ويمسي في هاجس مع تلك القريحة، يتفاعل من خلال الشعر معبرا عن الحدث والموقف الذي هو فيه، سواء خاصا به أو بمجتمعه أو في محيط يتواجد فيه أو مر به أو سمع. ولأن البيئة الاجتماعية بمؤثراتها المشتركة بكل مكوناتها واحدة بالنسبة لمن يعيش ضمن تلك المكونات، فإن أي تفاعل معها من البعض لابد أن يشابه التفاعل مع البقية، وكأنهم قد اتفقوا على ذلك التعبير أو سمع بعضهم من بعض، حتى أننا نتوهم أنهم قلدوا بعضهم بعضا لقرب التشابه فيما بينهم في التعبير، ذلك لأن الهم والمعاناة واحدة، وهذه ميزة تدل على الانصهار في المجوعة ولا تثريب في ذلك. وكما يستقون من البيئة لغتهم ومصطلحاتهم وطريقة تفاعلهم وعلاقاتهم، وهي ميدان نشرهم لقصائدهم، فإنها في الغالب تتوحد مشاعرهم وأحاسيسهم تجاه مكونات تلك البيئة. يحبونها ويخافون عليها ويسعون للارتقاء بها ويدافعون عنها ويحمونها وفي الوقت نفسه هم من ضمن عناصرها. فلا غرابة أن تتشابه الوسائل وتتقارب المضامين بين قصائد الشعراء في البيئة الواحد مع أنهم لم يسمعوا من بعضهم، لكن مشربهم واحد. وفي مجال التقليد فإن من سبق يكون قدوة لمن لحق به، فمن يفتح النافذة أولا يتأثر من بعده بالإطلالة عبرها ونسمي ذلك تقليدا. كما أن من كان أجود في الوصول للمراد والتعبير كان إنتاجه الشعري محط اهتمام واستحسان، ولو اقتبس الآخرون وقلدوه ونهلوا من معينه الراقي كان أحرى أن يوصل ذلك إلى ارتقاء الجميع بالعطاء والذائقة، ولا بأس في تقليد الرموز، فالجيد يجذب المجاراة والمحاكاة والتقليد والاقتباس. وللشاعر خيارات كثيرة ومنها التقليد لغيره سواء مساو له أو أقدم وأكثر خبرة، والمعاني والتعبير بالشعر لا يخضع عادة لمعايير محددة ولا للخبرة، فقد تجود قصائد مبتدئ وتضعف قصائد لفحول شعراء. والكثير من الشعراء لا يقرون التقليد ولا يرفضونه، والحقيقة تقول أن التقليد لا يجيده إلا من تمكن في الميدان حتى ولو كثر في خطوات أولى عند المبتدئ، كما أنه مقبول من الشاعر خاصة عند تقليد القصائد الراقية. والتقليد والمحاكاة في الوزن والمعنى والأسلوب والمضامين وغيرها، قد يمر بها الكثيرون. ولكن الإبداع والتجديد لا يأتي إلا لاحقا. ومن الملاحظ أن بعض الشعراء لا يقبل أن يقال إن في شعره تقليدا لغيره وتأثر به، وعدم القبول هذا راجع للاعتزاز بالمكانة لا أكثر، خاصة عندما يكون مساويا له، وقد يقبل تقليد رمز من الرموز. وضمن هذا السياق وفي هذا المجال طرح هذا السؤال: لماذا لا يقبل الشاعر أن يقال مقلدا ولو لمرة واحدة.؟ فكانت إجابة الشاعر مهلي مسعود الدلبحي كالتالي: "إذا تمكن الشاعر بعد اجتيازه مرحلة الممارسة واستقلت بصمته الشعرية عن غيره هنا من حقه أنه لا يقبل ذلك" كما كانت إجابة الشاعر عبدالله المفضلي الشمري: "إذا أجاب بالرفض فهذا معناه أنه فهم أن هذا مأخذ عليه وأنه يقلّد غيره والواقع أن المعاني والصور والكلمات هي المتداولة منذ الأزل وإلى الأبد والتجديد المطلوب ليس باستبدال الحروف لو الكلمات ولكن في إيجاد تعبير خاص بالشعر لما هو متداول من قبله".. انتهى وفي مجال التجديد يقول الشاعر مهلي مسعود الدلبحي: من لا يجدد بالقوافي بترتيب أصبح كما ما قيل يتبع لجرة أحيان سهل الممتنع دون تصعيب لكن في بطنه ثمانين درة ولايطرب الشاعر ياكود اللواعيب إن شاف قافٍ قال لله دره والمطلع اللي دون مدخل بتهذيب طعم البيوت اللي تقفاه مرة والموهبه وهبهّ وتحتاج تجريب لابد تأخذ بالزمن كم كرة ويقول الشاعر مهلي الدلبحي أيضا: بيت نجاري له، من الحبك بابداع كنه يقول أكمل ونكمل وطعنا وبيت اكتمل صورة وفكرة بالاشباع ندي التحيّة له وشبّع لمعنا هذي هي القيفان بأسلوب واقناع ياللي تظن الشعر هوش وطعنا ويقول الشاعر حمود الجداعي: سوق المعاني مثل سوق الفناجيل وزن القوافي من بنوده وشرطه لو صبت الفنجال زادت عن الكيل الضيف ما يقبل من الزود نقطة وحمض الهروج ان صار وقت التعاليل اخير من كثره وخوضه و خرطه مهلي مسعود الدلبحي