لا أدري لماذا أكره عبارة «البيت المسروق» أو المعنى المسلوب. أو الفكرة المأخوذة، أو القوافي المنهوبة، والتي تعني وجود ظالم ومظلوم أو سارق ومسروق، أو سالب ومسلوب، أو رابح وخاسر والسبب في كراهيتي لمثل هذه العبارات التي تكاثرت في الآونة الأخيرة وكانت نادرة بل معدومة فيما مضى إنها تشبه الجوانب الثقافية والعطاءات الابداعية شعراً ونثراً بالماديات والأموال والموجودات الجامدة. تشبه المقالة أو بيت الشعر بسيارة مفتوحة الزجاج تقف في الشارع يمكن أن يسرق منها أحد المارة شيئاً مما يمكن فصله منها. كما تشبه أحاسيس الشاعر أو معانيه بشجرة مثمرة إذا قطعنا ثمرتها بقيت بلا فائدة، وقطع الثمرة سرقة تفقد الشجرة أهميتها، بل تقف مسلوبة الفائدة . وهذا التشبيه بين المعنويات والماديات غير صحيح ولا يتوافق مع ماجرى فيما مضى يوم أن كانت الثقافة بحراً متلاطماً يؤخذ منه فلا يتغير ولا ينقص، والشعراء يعطون كالنهر المتدفق لا يسألون عن اتجاه المجرى ولا حجم المساحة التي يرويها هذا النهر المعطاء. قرأت لشعراء وكتاب ومثقفين أعطوا بغزارة وكونوا ركيزة في ميدانهم الذي طرقوه فكان التشابه أو الاقتباس واضحاً بل التطابق بين بعضهم متكرراً لايشك أحد في مثل هذا التوافق في معانيهم وأحاسيسهم وصياغتهم لما قدموه ومع هذا لم يصفوا بعضهم بالسرقة ولم يحرصوا على التقليل من عطاءاتهم لمجرد تشابه حصل أو توافق ورد. ولو أننا استعرضنا قصائد لشعراء يشار لهم بالبنان مثل جبرن سيار ورميزان بن غشام والشريف و حميدان الشويعر ونمر بن عدوان وراشد الخلاوي ومحمد بن لعبون ومحمد القاضي، ومحمد العوني وابن ربيعة، وتركي بن ماضي، وراكان بن حثلين، وغيرهم الكثير وقبلهم الكثير أيضاً لوجدنا تطابقاً لا تشابهاً فحسب بين العديد مما قدموا إلى درجة التوافق التام بين بيت قاله شاعر وبيت قاله آخر باللفظ والمعنى. وإن لم يكن ذلك فبين شطر وآخر، فإن لم يكن ذلك ففي المعني. وهذا لم يبح له القول بعبارة «السرقة» ولا الشح بما قدموه بل أعطوا بغزارة وكرم ذلك لاهم لا يلتفتون إلى قصائدهم على أنها نوادر وممتلكات قليلة سيفقدونها إذا قلدت أو يقل شأنها إذا تشابهت مع غيرها. كما أنهم لا ينظرون إلى أن عطاءاتهم الحسية وتعبيراتهم الوجدانية بضاعة قليلة يخشون عليها التلف ويعيبها البخس أو النقص عندما تقلد لكن الحاصل فيما مضى هوالعكس تماماً لما يحصل اليوم، ذلك لأن نظرة الكبار لتقليدهم تأتي من باب الإعجاب والثقة والتوافق والموافقة والتشابه بل والتأييد والتلاحم مع الشاعر. كان الشاعر يعجب بمن قلده وبمن اقتبس منه وبمن توافق مع أحاسيسه بعكس بضاعة اليوم الرديئة التي ما أن تقترب في معانيها مع قصيدة أخرى حتى تتبخر ويفقد قائلها قيمة عطائه هذا إذا كان له عطاء. وبالتالي نحن في أمس الحاجة إلى أن نتدرب على فكرة العطاء الغزير من أجل العطاء فقط وإثبات غزارة المعين وقوة تدفقه لا أن نعطي القليل ونراقب اهتزازه الذي تسقطه أدنى نسمة هواء . لقد اهتم شعراء الأمس بثوابت مجتمعهم وبأمثالهم والحكم ومكارم الأخلاق وتوافقوا تماماً في ذلك فكان البيت من الشاعر يلتقي مع البيت من شاعر، بل وربما كان مكملاً له و كان فخرهم أن يتوافقوا وأن يتنافسوا في صياغة تعلو على سابق ما نظموا لا على التصادم ولم ينشغل شاعر بقليل ما قال -هذا في نظرة أنه قليل- لأنه يطمع في أبعد مما قال وكأنه يرمي بناظريه نحو الأفق ليرى الاتساع أمامه فلا يلتفت إلى خطوته القليلة. وأخيراً أقول لكل من يعطي عطاء عبر الساحة الثقافية سواء كان شعراً أو نثراً ألا يلتفت إلى الوراء وان يقطع المسير ناظراً إلى الأمام وليكن عطاؤه متجدداً ولعل من يقلد أو يقتبس أو يستعير حتى الاحاسيس والتعابير يقود ذلك إلى العجز والإعجاب مع بعضهما فواصل العطاء.