بالأمس كان يوم الحب العالمي، ومن أشهر من عُرف بالرومانسية في التاريخ الحديث هو عبدالحليم حافظ، أمضى عمره القصير متنقلاً بين الجميلات، من مختلف الطبقات الاجتماعية والدول، وزرع عمرًا وذكرى في جميع المدن التي مرَّ بها، دون أن يتوقف تمامًا مع أيٍّ منها، مؤكدًا أن "أحضان الأحباب شوك.. يا قلبي"! ومع ترحاله الكثير والمتنوع، بين المطارات وقصص العذارى، إلا أنه مات وحيدًا، ليشرح معنى أغانيه عندما كان يردد "موعود معايا بالعذاب يا قلبي"، رُفض عدة مرات بحسب عدد من الروايات، التي تقول أشهرها إن عبدالحليم تقدم لطلب يد ثروت (إحدى حبيباته) من والدها، ولكن الأخير رفض قائلًا: "مش هجوز بنتي لمغنواتي"! وعلى الرغم من الروايات - الأكثر تأكيدًا - على أنه لم يتزوج، راحت أقاويل موازية تتحدث عن ارتباطه بسعاد حسني، حبه الأشهر والأصعب، فبحسب ما جاء في كتاب شقيق السندريلا، عز الدين حسني، أكد أنهما تزوَّجا ولكن عرفيًا، ولكن الأهم، ما قاله "حليم" عن سعاد في مذكراته، بعيدًا عن الزواج أو عدمه: "كانت سعاد هي الحب الحقيقي في حياتي، والمرة الوحيدة التي نويت فيها الزواج كان منها، إلا أن المرض وقف عائقًا، وفي كل حب كنت أبحث عن سعاد حسني أخرى". لماذا الحديث عن عبدالحليم الآن؟ كنت محظوظًا بحضور فعالية "حبيبتي من تكون؟" في مسرح العندليب، ضمن فعاليات "موسم الرياض" في "البوليفارد". الحقيقة أنه لم يمر عليَّ توثيق وعمل نوعي لحياة "حليم" كما تم في هذه الفعالية، سُلِّط الضوء على حياته في البدايات، والتحديات التي رافقته، والغربة والدراسة، والمرض المصاحب الطويل، والحب الدائم المتغير والمتجدد، والأصدقاء والنهايات، كل هذا نُسِج في لوحات مسرحية مبهجة، بخلطة جميلة مزجت بين التأريخ والتوثيق والكوميديا والموسيقى، وبنسق منضبط لعدة ساعات، بأداء احترافي ينافس القصة الحقيقية. اللافت في موسم الرياض، تحديدًا في هذه النسخة، مراعاته الكبيرة لاختلاف الاهتمامات والثقافات. في كل مرَّة أحضر شيئًا مختلفًا في الموسم؛ أعتقد أنها الفكرة الأخيرة الباهرة، يتفوق الموسم على ذاته، لأنه لا ينافس إلا نفسه، وهذا ليس سهلاً إذا ما رُوعِي وقته الطويل، ومناطق الفعاليات الكثيرة، والشرائح المستهدفة، والتنوع في المحتوى والفعاليات، والأفكار. عودة إلى "حليم"، الذي "سافر في كل الدنيا.. كالشعر الغجري المجنون"، لأنه آمن بكلمات نزار قباني، في أغنية "قارئة الفنجان" الشهيرة والأخيرة، التي تقول: قد تغدو امرأة يا ولدي.. يهواها القلب هي الدنيا".. وأمضى حياته يطارد الحب، أو ربَّما فكرة عن الحب لم يجدها تمامًا. ورحل مخلفًا شهرة واسعة، وعاشقات مكلومات، وأسرارًا كثيرة، في وقت قصير! والسلام..