وضعوني على جنبي الأيمن، ثم غادروا لاستقبال العزاء. أعرف طقوسهم الكاذبة، سيتباكون علي هذا المساء، وسيقيمون وليمة فاخرة بحجة حزن مزعوم. سيسهرون حتى الصباح على عرس رحيلي. هم في الواقع يعززون انتفاخ ذواتهم؛ ويغذون أوهام الشهامة. سأنشغل عنهم، وبالحديث عن رداءتهم، بالاستمتاع بقبري الجميل. هو مرتب ونظيف وشديد الإتقان. لا ضوء حولي.. ولا ضوضاء. الطقس ظلام؛ يذكّرني بمسرحية تجريبية. ظلام لا يتبدل، وأنا من عشاق الإظلام التام. كم أحب الظلمة. يا للسعادة! ها أنا أعيشها؛ كم كنت أبغض ضوضاء الناس، كم كنت أعشق وحدتي، هنا بلغت حدها الأقصى. لا ضجيج هنا.. وحيد دون إزعاج، هنا سأحيا وحدي، أنظم ألحاني دون عناء، القبر جميل يا سادة، رومانسي الطابع، مريح جداً للأعصاب. هنا لا شيء يضايقني؛ لا كلمات تسبب وخز القلب، لا أحزان بائسة، لا إنفلونزا بليدة تمنعني تقبيل الأصحاب، لا أخبار هنا للقتلى لا إشاعات مريضة، لا تفسيرات ترضي غرور المارق والكذاب. لا أسمع آهات الثكلى، لا أقرأ خبراً عن تفجير، ولا كذبات تتجول عبر الواتس. أنين الجرحى لا يصلني، لا أبكي موت إيلاف، ولا إيلان، لا أتضجر من قبح وجوه لا أرغبها، لا أتألم، لا أطلب مساعدة؛ فالناس هم الآلام. لا أتدبر أحلاماً بلهاء، روحي الشريرة مقموعة، غادرني تلفيق الأحلام. قبري رومانسي فاخر. مزاجي يتحسن. نفسي تزهو. أستمتع بتنويع أساليب النسيان، قطيعة كبرى مع ذاكرتي تجعلني أسعد إنسان؛ فأنا وحدي هنا كصرصور فقط يمارس الغناء. ناصر بن محمد العُمري