أن هذا القرار لا يرتكز على المواد التعليمية بقدر ما هو عمل استراتيجي لحماية الأمن الوطني العام من ذلك التسرب الوجداني الذي أخذ يتغلغل في نفوس وعقول الشباب ولذلك قال: إنها استراتيجية محددة وحوكمة إدارية منضبطة، تسعى من خلالها وزارة التعليم إلى تحقيق جانبين هما (الحصانة والحماية) وذلك برصد كل المظاهر السلبية وتحليلها وتقديم البرامج العلاجية لها.. الوعي الجمعي والمتعارف على مصطلحه ب (Collective awareness ) وهو ما لا يترتب عليه سيادة المعرفة فحسب، وإنما التمسك بتلابيبها والعمل بمقتضاها وفقا لاتفاق الجمع المجتمعي على سيادة هذه المعرفة والتمسك بإضاءاتها بالمفهوم العام وخاصة (الانتماء والمواطنة). وفي مضمار المسرح العالمي الذي باتت فيه اللعبة مشتركة بين أطياف المجتمع العالمي، لم يعد هناك بدٌ من فتح الآفاق المغلقة للمعرفة في مجتمعاتنا الخاصة والتي انتابها الكثير من التأثر أو قل التشويش أو الاستمالة إن صح التعبير، حسبما تداخلت فيه الثقافات وتمازجت بشكل قد يؤثر على الشخصية العربية، والتي لها خصوصيتها المتفردة -والتي تكونت عبر آلاف القرون المتعاقبة- بالانتماء والمواطنة. والحقيقة إنه أمر يثير القلق وخاصة على بنية الشخصية -الضاربة في عمق الحضارة- على الأجيال القادمة إذا لم نحسن إدارة الأفق المعرفي المتمازج مع العالم -شخصية ضاربة في عمق المعرفة والانتماء وتمازج عالمي وتسرب ثقافات- وهي معادلة صعبة ومضنية وتحتاج إلى جهود متضافرة على مستوى جميع المؤسسات. وليس بخافٍ على أحد ذلك الجهد الذي تبذله الدولة في هذا المضمار والذي هو إحدى أهم ركائز رؤية 2030 بقيادة سيدي ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه-. إن هذا الطفح العالمي لا ينال من تفلت العادات والتقاليد وتفسخ العلاقات الأسرية فحسب، بل يمتد إلى أهم ما يميزها من أهم خصائصها وهي الوسطية والاعتدال في كل السلوك المجتمعي وليس العقيدة والدين فحسب. ومن هنا جاء قرار معالي وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ بإنشاء وحدات التوعية الفكرية في جميع إدارات التعليم والجامعات؛ وذلك حرصا على تعزيز قيم المواطنة والوسطية والاعتدال والتصدي لأفكار التطرف والانحلال. والحقيقة إنه قرار مهم وجدير بالتقدير بل والاهتمام بجميع مفاصل تنفيذه، فالتطرف أبعد ما يكون عن تكوين الشخصية حاضرها وماضيها، ولكن كما ذكرنا سلفا هي سمة ألصقت بنا نتاج (هوى في نفس يعقوب) كما يقال؛ لكنه كان يتوجب أن نأخذ بمثل هكذا قرار وذلك لأمرين مهمين: أولا لنفي إلصاق هذه السمة الذميمة بنا على مرأى من العالم ولتبرئة ذواتنا من هذا الصنف من السلوك المنبوذ، وثانيا لتعزيز وتقوية أواصر المواطنة والانتماء لدى الأجيال الجديدة، والذين كانوا هم المستهدفون في تنفيذ خطط لم تعد بخافية على أحد، ولعلني أقتبس بعضا من ما قيل في مؤتمر المعهد الديموقراطي وذلك في العام 2012 لبحث نتائج الربيع العربي في تونس ومصر وكان جل المطروح في هذا المؤتمر هو: إلى أي مدى استجاب الشباب المستهدف؟! حين يصرح فردريك أنديك وبحضور أعضاء منظمة هيومن رايتس ووتش فيقول عن الشباب العربي: إنهم لم يعودوا مؤمنين بالهوية أو القومية، وأنهم أصبحوا يتحدثون اللغات الأجنبية، ولا ينجبون كثيرا، وأن انتماءهم أصبح خارجيا وليس داخليا، إنهم أفضل من آبائهم (بتصرف) كما كان هذا الجمع متفق على كسر الكاريزما أيا كان موقعها.! ومن هنا كان جليا بأن شبابنا بتلقائيته وبراءته وجديته مستهدف، ولهذا كان هو الآلة الكبرى التي دارت فيما يسمى بالربيع العربي ومن دون وعي أو قصد. ولذلك يقول معالي الوزير في حديثه عن هذا القرار: "إن الوزارة تهدف من إنشاء وحدة التوعية الفكرية في كل إدارة تعليم وجامعة لتعزيز الولاء للدين ثم لولاة الأمر، والانتماء للوطن، ونشر قيم الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش، والوقاية من الفكر المتطرف ومعالجة آثاره، وتشجيع المبادرات العلمية والبحثية في القضايا الفكرية.. وأن وزارة التعليم بكافة قطاعاتها تستشعر أهمية المواطنة الواعية والمسؤولة في أداء مؤسساتها التعليمية، والحرص على تعميقها ووقايتها وتحصينها من أي مهددات تنعكس سلباً على سمعتها المؤسسية وعلى الوطن، مجدداً تأكيده على أن الوزارة لن تسمح باستغلال المؤسسات التعليمية للترويج للفكر المتطرف، أو لممارسة أي سلوكيات تدعو إلى الانحلال، أو استخدام المسؤولية المهنية التعليمية في غير سياقاتها الوطنية". إن كل مقطع من مقاطع حديث معاليه يحتاج إلى جهد كبير في جميع القطاعات والمؤسسات وليس التعليم فحسب بالرغم من أنه أهمها؛ كما أن هذا القرار لا يرتكز على المواد التعليمية بقدر ما هو عمل استراتيجي لحماية الأمن الوطني العام من ذلك التسرب الوجداني الذي أخذ يتغلغل في نفوس وعقول الشباب ولذلك قال: إنها استراتيجية محددة وحوكمة إدارية منضبطة، تسعى من خلالها وزارة التعليم إلى تحقيق جانبين هما (الحصانة والحماية) وذلك برصد كل المظاهر السلبية وتحليلها وتقديم البرامج العلاجية لها. ومن هنا نستشف أن هذا المشروع لا يختص بالطلاب فحسب، بل رصد كل المظاهر السلبية وفي الوقت ذاته حماية لكل طالب ومعلم وعضو هيئة تدريس من أي شبهة قد تلحق بأي منهم. وعليه فالكل في مضمار هذا المشروع سواء لتحقيق الأمن الوطني والسماحة والسلام وتعزيز القيم والبعد عن شبهات التسرب الخارجي إلى وجدان أي منا مهما كان موقعه هو ضبط للعملية التعليمية بجميع منتسبيها وكل مستوياتها.