أذكر أنني عندما كنت طالباً في السنة الرابعة بجامعة الملك سعود، التحقت ببرنامج التدريب في أرامكو برأس تنورة. وكان ذلك التدريب في معمل الكيمياء، حيث قضيت الإجازة الصيفية في تحليل المركبات البترولية والتدريب على التحليل الكيميائي الكمي والكيفي. طلب مني مدير المعمل الكيميائي آنذاك أن أكتب مقالاً عن أهمية الكيمياء في الصناعة باللغة الإنجليزية، وبالرغم من أن لغتي الإنجليزية كانت متواضعة إلا أن مدير المعمل أثنى على ماكتبته، وذلك لأهمية الكيمياء في حياتنا. لقد كان للكيمياء تأثير هائل على الحياة البشرية. ففي العصور الأولى كانت التقنية الكيميائية فعالة في فصل المواد الطبيعية المفيدة للإنسان، ولإيجاد طرق جديدة لاستخدامها. وفي القرن التاسع عشر تطورت التقنيات لصنع مواد جديدة، ربما يكون بعضها أفضل من مثيلاتها الطبيعية من حيث الجودة ورخص الأسعار . لقد تمكن الكيميائي الألماني فريتس هابر لأول مرة من ادخال الكيمياء إلى الصناعة، وذلك بتثبيت النيتروجين الجوي بواسطة الهيدروجين (النيتروجين من الهواء، والهيدروجين من الماء أو الوقود وبخار الماء ) ليحصل على النشادر والتي تتأكسد بسهولة للحصول على حمض النيتريك والنترات والأسمدة التي رفعت كمية المحصول الزراعي للأراضي عشرة أضعاف أو أكثر . حصل فريتس هابر (1868 - 1934 م ) على جائزة نوبل ، وحقق في عام 1913 م صنع الأمونيا ، ففتح الباب واسعا لمزيد من الخدمات التي قدمتها الكيمياء في الإنتاج الزراعي والصناعي (الأسمدة والمبيدات). وتستخدم تقنية هابر-بوش حالياً في إنتاج الغذاء وكذلك في إنتاج المتفجرات. كان التقدم في الكيمياء الصناعية يتم بفضل المهتمين بهذا العلم، الذين بذلوا جهوداً مستمرة لتدريب العاملين في هذا المجال. وكان الأطباء والهواة من الأثرياء يستأجرون مساعدين لهم، وقد واصل بعضهم أبحاثه في مجال الكيمياء الصناعية. ومنذ بداية القرن التاسع عشر تأسس عدد من الجامعات الألمانية التي تعنى بالكيمياء وبالبحث العلمي. وقد تأسس مركز بحثي في الكيمياء في مدينة (جيسين) على يد الكيميائي الألماني جوستوس لايبج ليصبح المعمل الأول من نوعه في العالم. وبدأ عدد كبير من الكيميائيين الشبان يتدربون على الطرق الحديثة في الكيمياء الصناعية، وقد كان هذا التقدم متزامناً مع الثورة الصناعية في أوروبا. وكانت طريقة لابلانش في إنتاج الصودا من أوائل العمليات الصناعية الرائدة، والتي تطورت في فرنسا عام 1791 ثم في بريطانيا عام 1823 . كانت المعامل الكيميائية في تلك الصناعات تستوعب طلاب الكيمياء المتدربين، وكانت في الوقت ذاته توظف أساتذة الجامعات كمستشارين. أفادت كل من الصناعة والجامعات بعضهما البعض، وكان للنمو المطرد والسريع في الصناعات الكيميائية العضوية بحلول نهاية القرن التاسع عشر الفضل في انتاج الأصباغ والمنتجات الصيدلية. وقد أعطى ذلك النمو الجامعات الالمانية تفوقها في الكيمياء الصناعية قبل الحرب العالمية الأولى . وقد تطور بعد ذلك استخدام تفاعلات الإنزيمات في العمليات الصناعية بشكل واضح وأساسي وذلك لرخص الأسعار والإنتاجية العالية. وحاليا تقوم الصناعات الكيميائية باستخدام الكائنات الدقيقة المعدلة وراثياً في أغراض صناعية ومنها انتاج الإنسولين البشري . ان انتاج كثير من المواد الخطرة وبكميات هائلة يتطلب من الكيميائيين اكتشاف مواد جديدة لتقاوم خطورة المبيدات والمواد المشعة، وهذا مايشكل احد التحديات التي تواجه الكيمياء الصناعية في القرن الحادي والعشرين.