ما أن تهل السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية حتى ينشغل الطالب ووالداه في التخطيط للسنة القادمة، والتي تعتبر الجامعة هدفها الرئيسي وربما الوحيد، فتدور النقاشات حول التخصص، والكلية المستهدفة، ضمن رؤية تقليدية محقة، تحصر المستقبل في الخروج من بوابة الجامعة بالشهادة الجامعية للعبور إلى معترك العمل والوظيفة، لكن الصدمة الكبيرة تتمثل في عدم قبول ذلك الطالب الذي جاهد لأعوام للحصول على معدل مرتفع من الدرجات التي كان يحلم أن تفتح أمامه كل الخيارات للدراسة الجامعية. وعلى الرغم من تفشي البطالة في صفوف الجامعيين، إلا أن الأغلبية تربط مستقبل أبنائها بالدراسة الجامعية من أجل غد أفضل، لكن عدم قبول نسبة كبيرة من المتقدمين للجامعات هذا العام، مثل صدمة كبيرة للطلاب ولأولياء الأمور، فأين يذهب أولئك الطلاب إذا لم يكملوا دراستهم الجامعية؟ مؤشرات عدة تؤكد أن أغلب التخصصات في الجامعات تخرج شباناً لا تتواءم مؤهلاتهم مع أغلب متطلبات سوق العمل، الأمر الذي يرجح كفة التدريب المتخصص حتى وإن كان في مرافق أقل من الدراسة الجامعية، ما يمثل بريق أمل لمن لم يحالفهم الحظ في الدراسة على مقاعد المرحلة الجامعية، حتى ذهب بعض المراقبين إلى القول ان فرص الدارسين في معاهد متخصصة في أن يحظوا بوظيفة أعلى منها لدى الجامعيين، وحسب د. عبدالرحمن هيجان – عضو مجلس الشورى والخبير في الموارد البشرية – فإنه ليس من المفترض أو من المتوقع أن تقبل الجامعات جميع خريجي المرحلة الثانوية، مبيناً أن هناك ما أسماه فجوة في المعلومة الخاصة بسبب عدم قبول الطالب أو الطالبة، مشدداً على حق الطالب على معرفة السبب الذي لم يقبل للدراسة في الجامعة من أجله. وأشار إلى أنه في دول العالم، فإن الغالبية العظمى من خريجي الثانوية لا يذهبون إلى الجامعات، مبيناً أن الدراسة والتدريب في معاهد متخصصة على مهن معينة، تكون فرص المتخرجين منها في الحصول على وظيفة أكبر من فرص الجامعيين، وذلك بالنظر إلى التدرب على مهن معينة يحتاجها قطاع الأعمال على وجه التحديد. وبين أن الإقبال الكبير على التسجيل في معهد الإدارة العامة يمثل إشارة بالغة الأهمية على الرغم من محدودية العدد الذي يقبل في ذلك المعهد، مؤكداً أن ذلك الإقبال الكبير سببه شعور الشبان المتقدمين للمعهد أن الشهادة التي سوف يحصلون عليها تؤهلهم للحصول على وظيفة أكثر من الشهادة الجامعية. وأضاف: من هنا يتضح أن الهدف ليس الحصول على الشهادة الجامعية فقط، وإنما هدف كل تلك الجموع من المتقدمين للجامعات هو الحصول على فرصة عمل جيدة بعد الدراسة، لذا من الأهمية بمكان أن يكون لدينا معاهد متخصصة تعد الدارسين فيها الإعداد المناسب ليكونوا مهيئين للقيام بأعمال ومهام معينة يتطلبها قطاع لأعمال. وأشار إلى أنه من المهم في هذه المرحلة أن يتولى القطاعان العام والخاص توفير مثل هذه المعاهد المتخصصة القادرة على تخريج موظفين مدربين ومعدين لشغل وظائف محددة في القطاع الخاص يستطيعون الوفاء بمتطلبات تلك الوظائف، مما يجعل مخرجات تلك المعاهد كافية لسد حاجة القطاع من الوظائف المختلفة، مبيناً أن الشهادة الجامعية في ظل مخرجات التعليم العام اليوم لا تضمن لحاملها الحصول على وظيفة في كثير من الأحيان، نظراً لتباين مخرجات الجامعات مع متطلبات سوق العمل في المملكة. وأكد د. هيجان أن إحدى الخيارات لتجنيب غير المقبولين في الجامعات سلبيات البطالة، الزج بهم في سوق العمل من خلال قطاع التجزئة، وقال: إن مبادرة وزارة العمل لتوطين قطاع الاتصالات مثلاً يعد خطوة رائعة وجريئة، ومن خلال النجاح المرتقب لهذه الخطوة، فإنه يمكن للوزارة أن تحصر العمل في أنشطة أخرى من أنشطة قطاع التجزئة، وأن تساهم مع الجهات الحكومية الأخرى بتوفير دورات وورش تدريب تؤهل السعوديين للسيطرة على ذلك النشاط وإدارته بكفاءة كبيرة.