سنتحدث عن القراءة، عن المعلومات التي نجمعها، لا عن الأموال التي نبحث عنها لنصرفها أو نخزنها في حساب نخفي رقمه حتى عن أنفسنا. ولا أظن أنني في هذا المقال سأتحدث عن أهمية القراءة، ولن أردد الكلام «إياه» عن الشعوب التي تقرأ والشعوب التي لا تقرأ ولن أتحدث عن نوعية القراءة ونوعية الكتب، ولن أقف معكم أمام رفوف مكتبة تتكاثر فيها الأدوات المكتبية والأوراق والمراسم والأقلام وأشرطة الفيديو التي تزامل كتب الطبخ والكتب المتخصصة في إنقاص الوزن وكيف تتعلم «اليابانية» في ثلاث ساعات؟ ومجلات السيارات والديكور والتجميل، فهذه الرفوف لن تأخذ وقتا طويلا حتى نتأملها! ولا أظن أن أيا منا يملك المزاج ليتأمل! كيف نتعامل مع ما نقرؤه؟ هل نحن ممن يقرؤون وينسون؟ هل نرى في القراءة واجباً يومياً ثقيل الظل؟ هل نعتقد أن مايستحق أن يقرأ هو الكتب المدرسية أو الكتب المتخصصة المليئة بالمعلومات؟ هل نبحث عن التسلية ونحن نقرأ؟ هل نبحث عن أنفسنا وسط كتاب أو بين أبيات قصيدة؟ هل نصدق كل ما نقرؤه؟ هل نملك عينا لاقطة وخلايا عقل مفلترة تعرف الجيد من السيء أو المعقول من الذي لا يقبله منطق؟ وهذان السؤالان سنتوقف عندهما قليلا.... لذلك سنتحدث عن الكتابة الفضائحية أو الصفراء أو التي تعتمد على خيال واسع أو معلومة بنيت على كذبة صدقها قائلها وتصور أن الآخرين سيصدقونها! اثنتان من صديقاتي اقتنتا كتابين مختلفين لم تستطع أي واحدة منهم أن تكمل قراءة الكتاب الذي اقتنه. رغم أن كلا من هذين الكتابين لقي رواجا في البلاد الغربية، أحدهما يتحدث عن تجربة سيدة عراقية في السجون الصدامية - وأعتقد أننا نعيش الآن موضة العراق بعد أن اختفت موضة أفغانستان - والآخر يتحدث عن تجربة سيدة من إحدى البلاد العربية الأفريقية ورحلتها نحو التحرر أو كما قالت لي صديقتي، كل من الكتابين لقي استقبالا جيدا في البلاد الغربية التي كتب لأفرادها، لكن عندما تقرؤهما بعيونك العربية وعقلك الذي يعرف هذا المجتمع وخفاياه السياسية والاجتماعية قد لا تقبل كل مافيهما وليس السبب هو المكابرة أو لأنك تضع نظارة سوداء تعميك عن الحقيقة، بل السبب ببساطة أن نوعية هذين الكتابين كانت تعمد الخوض في «تابو» معين ولم يخرجا عن الحديث النمطي الذي يتوافق مع نظرة المتلقي الغربي للمجتمع العربي. ورغم اختلاف الكتابين في فكرتهما فالأول يتحدث عن صدام وعهد صدام ونحن كلنا نعرف عن مآسي عصره رغم محاولاته المسرحية الأخيرة ولبسه لعباءة الدين لكسب المشاهد العربي الساذج الذي يتابع أخبار محاكمته بنهم، لكن الكتاب في تسلسل أفكاره يفتقر إلى المنطق الذي يعرف جيدا أن واقع عهد صدام/ حزب البعث كان دمويا لايخضع للمنطق الذي نعرفه، لكن كثيراً من أحداث الكتاب كانت غير متوافقة حتى مع المنطق المعوج لعهد صدام لدرجة أنها تشعر القارئ بأن كل ماكتب فيه مبالغة مقصودة، وقد يكون السبب هو مشكلة في الصياغة لدى الكاتبة أو مشكلة لدى الراوية، أو لعل تجميع الأحداث الدموية في صفحة يجعلك كقارئ تتوقف قليلا وتسأل نفسك: هل أستطيع أن أصدق كل هذا؟ وأنت تعرف جيدا أن الواقع قد يفوق الخيال. الكتاب الثاني يتحدث عن رحلة سيدة نحو التحرر من قيود اجتماعية إلى عالم تراه أرحب يحتضنها بذراعيه، حيث تحاول الكاتبة من خلال المقارنة المباشرة بين حياتها في مجتمعها وحياتها خارج إطار المجتمع أن توجه النقد وتشير إلى أخطاء اجتماعية كثيرة تمارس تجاه المرأة، لكن القارئ قد يشعر أنها تحاول إلى استمالة المتلقي الغربي بأن تجعله يجد في كتابها الشكل «الستريوتابي» لمجتمع شرقي مغلق العقل ومحدود الفكر وهمجي. وماكتب أعلاه لايعني أنني أحاول أن أصنف ماورد في الكتابين على أنه كذب أو افتراء أو مبالغة مقصودة أو محاولة للضحك على عقل القارئ، وليست محاولة تمهيدية للذب عن عرض عهد صدام أو طريقة حياة المجتمع العربي، لكنني أطرح تساؤلا: مالذي يدور برأسنا حين نحاول أن نخاطب الآخر من خلال كتاباتنا؟