«الفضاء السعودية» تنشئ مركزاً عالمياً متخصصاً في مجالات الفضاء بالشراكة مع «المنتدى الاقتصادي العالمي»    وزير الخارجية يلتقي نظيره الأمريكي في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون    "جائزة الأميرة صيتة" تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    سياسيان ل«عكاظ»: السعودية تطوع علاقاتها السياسية لخدمة القضية الفلسطينية    رصد 54 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية في شهر مارس    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة    «مطار الملك خالد»: انحراف طائرة قادمة من الدوحة عن المدرج الرئيسي أثناء هبوطها    بيئي الشرقية يدشن معرض ( تعرف بيئتك ) بالخُبر    تعليق الدارسة وتأجيل الاختبارات في جامعة جدة    فيصل بن فرحان: الوضع في غزة كارثي    عباس يدعو إلى حل يجمع غزة والضفة والقدس في دولة فلسطينية    بدء العمل بالدليل التنظيمي الجديد للتعليم.. الأربعاء    وزيرا الإعلام والعمل الأرميني يبحثان التعاون المشترك    أمير الرياض: المملكة تدعو لدعم «الإسلامي للتنمية» تلبية لتطلعات الشعوب    عبدالله خالد الحاتم.. أول من أصدر مجلة كويتية ساخرة    منتدى الرياض يناقش الاستدامة.. السعودية تتفوق في الأمن المائي رغم الندرة    الفيحاء يتوّج بدوري الدرجة الأولى للشباب    الأهلي بطلاً لكأس بطولة الغطس للأندية    النصر والنهضة والعدالة أبطال الجولة الماسية للمبارزة    تتضمن ضم " باريوس" مقابل "فيجا".. صفقة تبادلية منتظرة بين الأهلي وأتلتيكو مدريد    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    فيصل بن بندر يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر ويستقبل مجلس جمعية كبار السن    دولة ملهمة    الأرصاد تنصح بتأجيل السفر برّا لغير الضرورة    آل طيب وآل ولي يحتفلون بزفاف أحمد    اللواء الزهراني يحتفل بزفاف نجله صلاح الدين    منصور يحتفل بزواجه في الدمام    رابطة العالم الإسلامي تُعرِب عن بالغ قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    اللجنة الوزارية العربية تبحث تنفيذ حل الدولتين    " ميلانو" تعتزم حظر البيتزا بعد منتصف الليل    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    النقد وعصبية المسؤول    مهنة مستباحة    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    شوبير: صلاح يقترب من الدوري السعودي    محمية الإمام عبدالعزيز تشارك في معرض أسبوع البيئة    المملكة ترسم خارطة جديدة للسياحة الصحية العالمية    منجزات البلدية خلال الربع الأول بحاضرة الدمام    جامعة «نورة» تفتتح منافسات الدورة الرياضية لطالبات الجامعات الخليجية    أمير المدينة المنورة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب في دورته ال 12    ميتروفيتش ومالكوم يشاركان في التدريبات    اكتمال جاهزية كانتي.. وبنزيما انتظار    المصاعد تقصر العمر والسلالم بديلا أفضل    أول صورة للحطام الفضائي في العالم    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    أمير الرياض يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر    صحن طائر بسماء نيويورك    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    المسلسل    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتّاب لا يقرؤون: أزمة القراءة ..أزمة الكتابة
نشر في الرياض يوم 02 - 06 - 2011

يقول عبدالحميد بن يحيى الكاتب في إحدى رسالة إلى زملائه الكتّاب: لقد جعلكم الله يا معشر الكتاب في اشرف الجهات، أهل الأدب والمروءات والعلم والرزانة، بكم تنتظم للخلافة محاسنها، وتستقيم أمورها، وبنصائحكم يصلح الله للخلق سلطانهم، ويعمر بلدانهم، لا يستغني المُلك عنكم، ولا يوجد كاف إلا منكم..وليس أحد من أهل الصناعات كلها أحوج إلى اجتماع خلال الخير منكم.. فتنافسوا يا معشر الكتاب في صنوف الآداب، وتفقهوا في الدين.. واعرفوا العربية فإنها ثقاف ألسنتكم، وارووا الأشعار واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسمو إليه هممكم.. ونزِّهوا بضاعتكم عن السعاية والنميمة وما فيه أهل الدناءة والجهالة، وإياكم والكبر والسخف والعظمة.
هذا في زمن مضى، أما اليوم فقد حذر عدد من الكتاب والمثقفين مما يشوب الواقع الكتابي، ويطغى عليه في إعلامنا المقروء، وما شهده من امتداد إلى المرئي منه والمسموع مذيلا ب(كاتب) من مد من الغث الكتابي، الذي وصفوه تارة بإسهال الكتابة، بوصفه مرضا لدى بعض الكتاب.. واستسهالاً من جانب آخر، يمثله آخرون لا يجدون ما يضيعون فيه أوقاتهم إلا من خلال الكتابة، دون الاكتراث بما يعنيه مصطلح (كاتب) وما تعارفت عليه الأمم ثقافيا وفكريا وحضاريا تجاه مهنة ( الكاتب) ورسالة ( الكتابة) بوصفها صناعة شاقة، لكونها مدادا ينساب إلى القلوب حيناً، وإلى العقول حينا آخر.. واصفين ظاهرة (الكُتاب الذين لا يقرؤون) بأنها ظاهرة سرعان ما يتلاشى أفرادها ليظهر غيرهم، وإلى ما يقف وراءها من حب الشهرة والبحث عن أضواء الظهور الجماهيري، إضافة إلى يثيرونه من سلبيات تزداد بازدياد هذه الموضة شبهوها بكتابة ردود الفعل تارة، والكتابة السطحية المبتذلة تارة أخرى.
البواردي: ليتنا بقينا مع مرتزقة الكتابة ظاهرة (صمتية) لا صوتية
الأديب سعد البواردي استهل الحديث عن هذه الظاهرة قائلا: لا زلت أكرر وأقول من حين إلى آخر بأننا وأعني هنا (بأننا) ، من يمتهنون الكتابة في صحافتنا، بأننا ظاهرة (صوتية) وليتها كانت ظاهرة (صمتية) ويكفي أن نشير إلى هذا الكم الرهيب من قنواتنا المرئية، وبالأخص القنوات الخاصة التي تعطي لنا فهما سيئا، على مستوى إعلامنا الثقافي، فنظرة واحدة تكفي على هذه الحرب الإعلامية، التي استطيع أن أصفها بالحرب الإعلامية، الغرض منها الظهور الشخصي والارتزاق، من خلال ما تطرحه من أفكار أقل ما يقال عنها، أنها أفكار سوقية ضحلة لا تسندها ثقافية، ولا تشفع لها رؤيا ولا تدعمها كفاءة تتلمس فكرة، وتعطيها بصدق واقتدار وقيمة.
وأضاف البواردي، بأننا نعنى بشكل كبير تجاه ما نطالعه من عناوين كل يوم، عبر بعض الصحافة، وعبر الإعلام المرئي المقروء منه والمسموع، بأننا نتفق مع مقولة الشاعر:
فيا له من عمل صالح
يرفعه الله إلى أسفل
موضحا هذه المقولة، بأن هناك من يساهم منا بقدر كبير في أمية الثقافة، وأمية الذوق، وأمية التوجيه وأمية البناء.. معللا هذا بأن الكثير من أولئك جاءوا إلى صرح الثقافة عبر سلم تسللوا منه إلى النوافذ، موضحا هذه المقولة – أيضا – أولئك وأشباههم اقتحموا الثقافة، بلون من السخافة مما يجعلنا نتأسى على سنوات مضت كان للصحيفة فيها قيمة، وللكاتب قيمة، وللموضوع قيمته.
واختتم البواردي حديثه قائلا: ماذا عسانا أن نقول غير أن ندعو للقارئ بالعون، وأعان الله كل من يجابه ما نقرأه ونشاهده، من إسقاطات تهز مشاعرنا، وتعطينا شيئا من اليأس ، إن لم اقل أنها تعطينا شيئا مما نخشاه على مستقبل المتلقي والمشاهد والقارئ، فأعاننا الله على هذا الطوفان الجارف من السخافة التي نشاهدها بقلب يتألم ويتوجع.
أبا الخيل: الشهرة الوقتية نرجسية واهمة لا تعرف سوى الكتاب المادحين
أما الروائي والقاص عثمان أبا الخيل تحدث عن هذه الممارسات الأشبه بالكتابة، مشيرا في حديثه إلى أن هناك شريحة من الكُتاب لا يقرؤون سوى ما يكتب عنهم من إطراء ومديح، وهذا مما يزيدهم نرجسية تجاه تلك الكتابات عنهم.. مما يجعلهم في الوقت ذاته مغرمين في جمع الكتب التي تغص بها رفوفهم وذلك لحب جمع الكتب.
وقال أبا الخيل: قليل من الكتُاب الذين يتابعون نجاحات الآخرين ويقرؤون ما يكتبون، فهم منشغلون في دائرتهم الخاصة الضيقة.. هذه الظاهرة في رأيي الشخصي تعود لحب الشهرة، ومن يكرهها حين تكون شهرة مبنية على رضا النفس، ومن هنا فهذه الظاهرة الكتابية تدل على عدم اهتمام هذه الشريحة بما يكتبه الآخرون ويجزمون أن الساحة الأدبية لا تستوعب سوى من هم على شاكلتهم. واختتم أبا الخيل حديثه عن هذه الزوبعة الكتابية قائلا: لا ريب إن من أسباب هذه الظاهرة كما ذكرت الشهرة الوقتية وعدم الرغبة في معرفة وقراءة ما يكتبه الكُتاب، خوفاً من النقد الذي سيطالهم حين ينقدون سواهم.. فالكتاب الذين لا يقرؤون لسواهم يعتقدون برأيي الشخصي إن عالم النرجسية يعطيهم راحة النفس والتربع على عرش الشهرة العنكبوتي .
احمد القاضي
من جانب آخر وصف الأستاذ أحمد القاضي، ظاهرة وجود شريحة ليست بالقليلة من الكاتب الذي لا يقرؤون، بالشجرة التي لا تسقى، والتي لابد وان يأتي اليوم الذي سيزول فيه اخضرارها الوقتي، ومن ثم تتلاشى وتختفي عن الوجود. وأضاف القاضي في حديثه، مستدركا بقوله: قد يقول احدهم أن الكاتب الذي يتناول الشأن الاجتماعي هو في حل من القراءة المكثفة لآخر الروايات أو النظريات الأدبية.. وهذا - أيضا - صحيح فليس هناك منطقة بيضاء أو سوداء في الموضوع، ولكن كلما كان الكاتب أكثر قراءة ومتابعة للإصدارات كان أكثر يقظة بالتحولات الاجتماعية، ومؤشرات الرأي العام، فالكل يتفق على أن القراءة لا غنى عنها للمثقف، أو لأي كاتب مهما تناول أو بحث، وهنا ربما يمكن – أيضا – أن يستثنى من أفنته التجارب وخبرته تقلبات الحياة وصنعته المواقف.. التي وعاها واستوعبها بوعي وفهم، ليكتب عنها برؤية ثاقبة مفيدة.. إلا أن هذا استثناء ضعيف يقوم على نظرية مفادها: أن التفكر الفكري والتأمل الدائم في الحياة، أوجد فلسفات عالمية مثل الزرادشتية والبوذية والكنفوشيوسية والعقل مصدر وملهم.. لكننا مع هذا وذلك نظل نبحث عن كتاب قادرين على مساعدة عقولنا على السير في معترجات الفكر ولا أدري كيف يصبح الكاتب كاتبا وهو لم يتأرجح بين دفتين.
وعن جانب آخر وصف القاص أحمد بن إبراهيم البوق، هذا الجنس من الكتابة بقوله: لا أظن أن أحداً ممن يمارسون الكتابة لا يقرأ أبداً، وإذا أردنا أن نحسن الظن فيمكن أن نقول إنهم لا يقرؤون بما فيه الكفاية لما يطرحونه من أفكار بين أيدي القراء... وإذا ما اقتصر الأمر على كتابة بضع مقالات أو استطلاعات أو شذرات من آراء فربما نلتمس العذر لهؤلاء الكتاب المصابين بانخفاض نسبة القراءة في وعيهم الثقافي، ولكن أن يتصدر أحد لتأليف الكتب وهو على تلك الحالة من الفقر القرائي فتلك والله قاصمة الظهر للوعي الإنساني قبل أن تكون للثقافة عموماً أو تكون للأدب على وجه الخصوص.
كما اعتبر البوق، أن هذه الممارسات الكتابية أصبحت في كثير من الأحيان مطية سهلة، مشيرا في حديثه بأنه إذا ما اعتبرنا هذا الإقدام على التأليف المتزامن مع العزوف القرائي شجاعة فهي كما يرى الروائي ( إيلي فيزل) شجاعة جاهل ليس هناك أخطر منها.. مؤكدا في سياق حديثه بأن الكتب تصنع - أيضا - من الكتب وتتغذى بها كما يرى الناقد الفرنسي ( اندريه برنكو ) وأظن أنني قرأت يوماً في مقال للكاتب القدير الدكتور خالص جلبي: " أن من أراد أن يؤلف كتاباً عليه أن يقرأ خمسة آلاف كتاب" ربما يدرك الموت بعض من اشتهروا بالإسهال الكتابي ولم يقرؤوا واحداً بالمئة من هذا الرقم.
ومضى البوق في سياق حديثه متسائلا بقوله: لماذا إذا انتشرت ظاهرة الكّتاب الذين لا يقرؤون كفاية ؟!. ليجيب على هذا السؤال قائلا: أظن أن إيقاع الزمن السريع، وسهولة الحصول على المعلومات عبر الشبكة الالكترونية - الانترنت - أياً كان مدى موثوقيتها، وكثرة وسائط النشر تحديداً الالكتروني – المسجل منها في المملكة يتجاوز المئتي صحيفة – والولع بالشهرة كيفما جاءت، وطغيان النشر التجاري.. كل تلك الأسباب ربما ساعدت على انتشار ظاهرة الكتاب الذين لا يقرؤون كفاية، ومن ثم تفاجأ بهم على شاشات الفضائيات كمحللين في كل شأن مذيلة أسماؤهم بكاتب.
فهؤلاء ربما تلبستهم مقولة للزعيم الصيني ( ماوتسي تونغ ) أطلقها كتعليق أيام الثورة الثقافية الصينية فأصبحت توجيها للصحة والتعليم أنه : كلما قرأت مزيدا من الكتب ازداد غباؤك ) وعلى هؤلاء تقول الروائية ( يونغ تشانغ) مؤلفة رواية ( بجعات برية) : إن بمقدوري أن أتقبل الجهل، ولكني لا استطيع القبول بتمجيده وأقل من ذلك القبول بحقه في السيادة ؛ مختتما حديثه بالسؤال عما تبقى من كل تلك الظاهرة المفجعة معرفياً وثقافياً، وكل تلك الاستشهادات لكتاب وروائيين وشعراء ونقاد سوى أن يسر لأولئك الكتاب جاهرا بمقولة للشاعر النمساوي راينر ريلكه : إذا كنت تظن أنك قادر على العيش من دون كتابة فلا تكتب.
العلي: نحن بحاجة إلى وجود كتاب حقيقيين مختصين فيما يقدمون للمجتمع
من جانب آخر استهل الدكتور علي بن سعد العلي، حديثه عن هذه الظاهرة الكتابية قائلا: لا أعتقد أن مشكلة القراءة تتعلق بالكتاب وحدهم، فهي ظاهرة عامة تشمل الغالبية في مجتمعاتنا العربية، بل يمكن القول بأنها (ثقافة عامة) لدى معظمنا.. وللأسف أن هذه الظاهرة أو الثقافة إن أمكن أن نعتبرها ثقافة، تعد ثقافة متأصلة، على الرغم من أننا (أمة اقرأ) ومع ذلك فإن اهتمامنا بالقراءة والإطلاع يعد محدوداً جداً والظواهر كثيرة وليس المجال هنا لذكرها.. إلا أننا لو أخذنا الكُتاب بشكل خاص، لوجدنا أن الأمر وكما سبق أن ذكرنا، لا يتعلق بهم وحدهم، ولكن لما للكتاب من تأثير على القراء من خلال ما ينشرونه من أعمال من خلال الصحف أو أي مصادر نشر أخرى، فأن الأمر يصبح أكثر أهمية والمشكلة تكون أكبر أثراً.
وذكر د. العلي في سياق حديثه أنه لا يمكن التعميم على جميع الكتاب واتهامهم بذلك، مشيرا إلى أنه عند النظر لكتابات الكثير من هؤلاء الكتاب، فإنه مما يؤسف أن نجد أن الكاتب منهم من الذين يكتبون بشكل يومي، وخاصة الذين يتناولون الكتابة في موضوعات مختلفة، سواء أكانت اقتصادية أو دينية أو إدارية أو صحية أو غيرها.. واصفا هذه الممارسة بما يؤسف له، لما تكشفه كتاباتهم ولما تخلو منها من أي خلفية علمية مبنية على إطلاع جيد بما يكتبونه.
وقال د. العلي: إن غالبية ما يكتب أولئك يأتي من كونه عبارة عن ردود فعل لظواهر، وتكون الاستجابة للكتابة عنها فيها من الاستعجال الشيء الكثير، بحيث نجد أن ما قد كتب عنها لا يستند على أي أساس أو معرفة كافية بموضوع الحدث.. الأمر الذي وللأسف قد يأتي بنتائج عكسية ويكون له تأثيرات سلبية بسبب عدم التمحيص والتأكد بالإطلاع الكافي عن الموضوع.
وذكر د. العلي حديثه عن هذه الظاهرة الكتابية، مبينا بأن دور الكاتب مهم وكبير في توعية وتثقيف المجتمع، والرفع من مستواه المعرفي من خلال ما يكتب، منبها إلى ما تعج به الساحة الكتابية من ممارسات لكتاب وكاتبات لا يقدمون من الكتابة إلا تسطيح تسطيح القضايا المعالجة والتطرق لها بدون خلفية ودراية جيدة، معللا هذه الممارسة بأنها تعود إلى ضحالة مخزونه ومرجعيته المعرفية من جهة، أو بسبب محاولته استمالة عواطف ومشاعر القراء، مما يؤدي إلى نواتج أو ما يمكن تسميته بالعواقب التي أشبه ما تكون بالكوارث الثقافية على المجتمع وأفراده.. مختتما حديثه بأنه من المهم أن يكون لدينا كُتاب متخصصون في مجالات مختلفة، حتى تكون كتاباتهم أكثر عمقاً، عند طرحها وأكثر إقناعاً كذلك، إلى جانب أهمية الإعداد الجيد للكتاب من خلال الدورات وورش العمل التدريبية.
وفي هذا السياق قال الكاتب الأستاذ عبدالله بن محمد المحيميد: ابتداءً علينا أن نحدد المقصود بالكاتب في هذا السياق ، هل هو الكاتب في الشأن العام وقضايا المجتمع اليومية ؟ أم هو الكاتب المتخصص ؟ وفي ظني أن السؤال يتجه إلى الأخير وهو الكاتب المتخصص أيّا كان مجال اختصاصه ، فالكاتب في الشأن العام أو الكاتب الصحفي، يستمد مادته من الوقائع اليومية ومن هموم الناس وقضايا المجتمع، وقد يجد في القرارات والتنظيمات الصادرة من الجهات الرسمية مادة لمقالاته وأفكاره ،أما الكاتب المتخصص وهو مناط الحديث في هذا المقام فإن القراءة تمثل الوقود الأساسي لقدرته على العطاء والتميز، وهنا القراءة المقصودة ليست أي قراءة وإنما تشير إلى ذلك النوع من القراءة الجادة والعميقة والفاحصة، التي تستقصي الأفكار الجديدة والأطروحات العميقة والنظريات الجدلية والمعارف العلمية المنهجية الجادة، بحيث تهز المستقرات الذهنية وتحرض على التساؤل وتدفع إلى المشاركة والمثاقفة والحوار .
ونبه المحيميد إلى أن الكاتب المتخصص الذي لا يقرأ في مجال تخصصه لا يفقد فقط اللياقة الذهنية والفكرية التي تساعده على الإبداع والعطاء.. وإنما تتقادم معارفه ومعلوماته، وبالتالي تكون كتاباته ومقالاته اجتراراً وإعادة للسائد والمألوف ويفشل في تقديم أطروحات مغايرة وأفكار مستفزة وتساؤلات محرضة.. مؤكدا على أن القراءة هي الوجه الآخر للكتابة، مختتما حديثه بقوله: في هذا العصر الذي انفتحت فيه المعلومات والمعارف على مصراعيها، وأصبحت الأفكار والنظريات المُنتجة في شمال العالم تصل في اللحظة نفسها إلى جنوب العالم، ومع تعدد أوعية المعلومات والنشر لم يعد ممكناً تصور كاتب متخصص في أي مجال يجرؤ على الكتابة واستسهال تقديم بضاعته القديمة إلى المهتمين والمتخصصين في الحقل الذي يشتغل فيه دون التسلح بالقراءة العميقة والاطلاع الكثيف .
د.صالح المحمود
كما أكد الدكتور صالح المحمود بأن القراءة والاستزادة المعرفية يفترض أن تكون أولوية رئيسة لكل من يعرض عقله وفكره ورؤيته على الناس، مشيرا إلى أن الفعل القرائي بالنسبة للكتاب الصحفيين بوصفه فعلا مصيريا، لا يمكن التنازل عنه لمن يحترم عقله، بيد أن الواقع الصحفي المحلي يشي بحقيقة تعكس هشاشة كثير من الكتاب، ذلك أنهم لا يقرؤون ، ولا يعرفون قيمة القراءة في سياق عملهم التنويري. وأعاد د.المحمود الظاهرة إلى ما وصفه بالأزمتين، أولاهما غياب الوعي بخطورة شأن الكتابة والطرح المعرفي، ومن ثم استسهال هذا الأمر، واستمراؤه وبالذات حين يصادف تصفيقا صفيقا، وثناء ممجوجا من عديمي المعرفة وفقراء التلقي، منبها إلى أن فقر الاستزادة القرائية وانعدامها أحيانا، إضافة إلى غياب الوعي الكتابي، يمثل نكسة حقيقية للكاتب ، ونعيا أخيرا لموته كتابيا، وإعلانا صريحا لإفلاسه ثقافيا ومعرفيا..مما يفقده احترام نفسه ومن ثم احترام الآخرين له، مبديا استغرابه من أن كثيرا من الكتاب لا يكادون يجدون وقتا للقراءة بسبب التزامهم اليومي بأعمدة أو زوايا ، مما لا يمكنه من أن يواري هشاشة طرحه وسذاجة رؤاه وتسطيحها. أما الأزمة الثانية فقال عنها د. المحمود: يمكن تلخيصها في غواية الصحافة بوصفها المهني، فالصحافة بما تنطوي عليه من شهرة وبريق وظهور وحضور تمثل غواية حقيقية يصعب مقاومتها، ومن هنا يتنازل بعض الكتاب عن كثير من مبادئه الكتابية وقيمه المعرفية سعيا وراء الشهرة، ولهاثا خلف الظهور، دون أن يحسب حسابا لطبيعة تلك الشهرة ونوع ذلك الحضور، ولذا يتساقط كثير من الكتاب مبكرا جدا في رحلتهم الصحفية نظرا لأنهم أغفلوا الفعل القرائي الذي يضمن لهم رصيدا معرفيا وخلفية ثقافية تضمن بقاءهم في عالم الطرح الصحفي. واختتم د. المحمود حديثه مشيرا إلى أن ثمة مؤثرات ومسببات أخرى، بيد لا تنبع من الكاتب وإنما هي غيرية تتحرك في سياقات أخرى مصاحبة للكاتب.. ذكر من أبرزها طغيان روح المجاملة لبعض المفلسين قرائيا وثقافيا، متهما من خلال هذا الجانب بشكل خاص بعض صانعي القرار في مؤسساتنا الصحفية من جانب، وتدني مستوى التلقي لدى شريحة من القراء من جانب آخر، مما يساعد في استمراء ظاهرة كتاب لا يقرؤون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.