لا نقول إلا ما يرضى ربنا "إنا لله وإنا إليه راجعون" فقد ترجل الفارس ذو النسب والخلق الكريم في شهر كريم. رحم الله صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، وأكرم مثواه وجعل الفردوس سكناه. فمنذ أن عملت في وزارة الخارجية عامين، كنت أعايش كيف تعامل سعود الفيصل مع موظفيه بالاحترام والرحمة، وكيف أعطى الجميع ثقته، فعاش في القلوب الخافقة حتى تبلى الأجساد النافقة. لقد خدم رحمه الله تعالى، أربعين عاماً وزيراً لخارجية المملكة، فلم يكن أقدم وزير خارجية وحسب، ولكن الأكثر أثراً والأحلم عملاً ، لقبوه بعراب السياسة الحكيمة، وفارس الكلمة الرصينة، وصاحب البصيرة المستنيرة. لما لا وقد قال عنه جورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي السابق: "لوكان لدي رجل كسعود الفيصل لما تفكك الاتحاد السوفيتي". لقد مات أمير السياسة فأصبحت السياسة في حداد، وأضحت الدبلوماسية في أحزان. من استمع لكلمة الأمير سعود الفيصل أمام مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية ، بتاريخ 1/4/2015 عندما قال: "أستميحكم عذرا أن أكون بينكم اليوم وأنا لا أزال في طور النقاهة إثر عملية جراحية فحالتي فيها أشبه بحال أمتنا" ولكن الكل كان لسان حالهم يقول: يا سيد الساسة حالتك اليوم وأنت في مستقر رحمة ربنا خير وألطف من حال أمتنا التي تتهاوى في مهاوي التطرف العنيف، وتتدحرج على منحدرات التشرذم المقيت. وإنا على فراقك لمحزونون. لقد كان الأمير الوزير-رحمه الله وغفره له- أحد أعمدة السياسة العربية قضى حياته بروح الإيثار التي لا تبلى وعزيمة الفكر التي لا تلين. شهد له التاريخ القريب والسياسيون المعاصرون أنه قضى أيام عمله كالأسد الهصور مدافعاً عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية، منافحاً عن مصالحها حامياً لكرامتها، في خضم عالم متغير، الاضطراب عنوانه، والاختصام سبيله، والتطرف وباؤه، والتنافس سمته. وقد كان -رحمه الله- يمثل هيبة المملكة العربية السعودية في المحافل الدولية وصوتها المتعقل في الأزمات العالمية. كان رأيه الفيصل في زمن الحيرة، والثابت في وقت المتغيرات، وكان علماً منيراً في لجة الظلام. وكان -رحمه الله- يدرك أن إدارة السياسات الدولية وحفظ المصالح الوطنية مهمة جسيمة تنوء بحملها الجبال، في ظل صراع المصالح العالمية واختلال الموازين العسكرية وتباين الحظوظ الاقتصادية، وتفاوت الثقافات المحلية، وتلون القراءات، وتباعد الغايات، وتقلب التحالفات في الساحة الدولية. قال عنه الشهود على أدائه. إن الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- كان مرناً في الحلول، متشدداً في الثوابت، وأنه أشبه بالفولاذ بمظهره الناعم وجوهره الصلب. ولقد جسد سمو الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- بحق شخصية الأمير بطلعته ومهابته، والإنسان بتواضعه ونبل أخلاقه، والمثقف بعلمه وسعة أفقه، والسياسي بحكمته وحنكته. عوض الله هذه البلاد خيراً عنه، وحفظ الله لنا قائدنا، ومصدر عزتنا، وتاج رؤوسنا، وموئل رجائنا -بعد الله- خادم الحرمين الشريفين، ملك الحزم وقائد العزم سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله وأمده بعونه وتوفيقه. لقد رحل أمير القلوب إلى دار خير من دارنا، ورفقة خير من رفقتنا، ولكنه باق في قلوب محبيه، مقيم في حنايا وطنه، خالد في ضمير أمته. لا نشكو مصابنا فيه إلا إلى ربنا، ولا نبث شكوانا إلا إلى الله، ولا نفر من قضائه إلا إلى قضائه. والله المستعان، وإن العين لتدمع والقلب ليحزن لفقده رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.