ثمة ما يثني القلم أن يرعف حزنه أو أن يجهش بصرير ألمه، فقد ترجل الفارس ففطر برحيله القلوب. سعود الفيصل اسم انغرس في الوجدان فأضحى أميرا في رحابه. فهو إنسان نقي السريرة صفي القلب متهلل الوجه ذو خلق كريم، فقد رحل الأمير الجهبذ الأريب فترك خلفه إرثا فذا متكامل النماذج. فشخصيته الرائدة كانت شخصية جامعة متمكنة وفاعلة وناجزة قلما تجد لها مثيلا. فهو المحنك سياسيا كما صنف من قبل ساسة العالم بل هو ترياقها الأمثل. فرجل بحجم الفيصل استطاع أن يمنح وطنه قوة خارجية تليق بمكانته المقدسة. ناهيك عن أنه قد حمل لواء العدل السياسي في المحافل الديبلوماسية الذي شمخ في أروقتها طيلة أربعة عقود منافحا عن قضايا أمتيه العربية والإسلامية، فالفيصل الذي قد أعطاه الرحمن الحنكة والدهاء وسرعة البديهة، كان يدرك قيمة الوقت لذا لبث في مكتبه الطائر أكثر مما لبث في مكتبه في الوزارة. وعرف عن الفيصل أيضا أنه الأكثر لباقة، بل وأفضل من يحسن التحدث والتفاوض حتى مع الخصوم فأمير الديبلوماسية كانت لديه مبادئ سياسية سامية، ويمتلك شجاعة فذة في قول الحق بصراحة مباشرة جعلته لا يؤمن بأنصاف الحلول أو يقبل أن يتعاطى مع ازدواجية المعايير تجاه القضايا السياسية. حيث لا مكان للضبابية في حقيبته الوزارية. فالحقيقة المرة هي أن العالم بأسره قد فقد أيقونة السلك الديبلومسي بل وعراب السياسة الأول. وعليه قد لا يستطيع أحد وصف ذلك الفقد أو أن يوفي الفيصل حقه. وإن استنفذ في وسمه القرطاس واستنزف في تعابيره المحبرة. لذا أوجز الديوان الملكي وصفه بالأمانة والإخلاص كونهما الكلمتان الأوفى في حق ذلك الرجل لما تحملانه من معان لامتناهية. فرحم الله الفيصل وأسكنه الفردوس الأعلى وألهم الأمتين العربية والإسلامية الصبر والسلوان في مصابهم الجلل.