قادتني الصدفة ذات صباح إلى مشاهدة سيارة وانيت تحمل على متنها أجساداً لخراف مذبوحة خرجت من سوق المواشي في حي العزيزية في الرياض، وملامحها تدل على أنها ذبحت من قبل العمالة الوافدة التي تملأ السوق بطريقة عشوائية مخالفة للاشتراطات الصحية التي تفرضها البلدية، المصادفة ليست في السيارة، ولكن في الذبيحة المكشوفة إلا من غطاء بسيط لا يحمل أدنى مواصفات النظافة. كانت الساعة الرابعة عصراً في ثالث أيام رمضان على الطريق الدائري الجنوبي في حي العزيزية وأثناء حركة الموظفين الخارجين من أعمالهم. تأملت كثيراً ذلك المنظر غير المألوف في أحد شوارع العاصمة، فيما كان صاحب الذبائح يطلق بنظرات خاطفة على «لحمته» المكشوفة في صندوق السيارة، ولم يكن يخشى نظرات المارة، ربما لإدراكه المسبق بأن الناس تعودوا على هذا الأمر وأن شيئاً مضراً بصحتهم لن يحدث. نحن لا نلوم صاحب الوانيت الذي حمل ذبيحته بهذه الطريقة التي تبعث على الاشمئزاز .. لأنه لا بد من أن تكون هناك أسباب قهرية دفعته إلى هذا العمل وأجبرته على الذبح خارج المسالخ الرسمية، لأنه لم يجد لماشيته مسلخاً نظيفاً ومنظماً يمكن أن يقدم له هذه الخدمة بصورتها الصحيحة. أنا هنا لا أريد أن أسرد مقارنة بين من يذبح في المسلخ ومن يذبح خارجه لأننا في النهاية سنصل إلى قناعة بأنه لا فرق بين الحالتين، والدليل أنه بمجرد زيارتكم لمسلخ العزيزية ستتغير قناعتكم قبل أن تدخلوا باب المسلخ الواقع بالقرب من سوق المواشي، بل ستكونون أكثر قناعة بأنكم لستم بحاجة إلى اللحوم، حيث ستواجهكم جملة من المشاهدات بداية من الزحام في صالات الذبح، بل ترجع مستوى النظافة بشكل ملفت للانتباه، مروراً بانتشار الروائح الكريهة، وهذه الأسباب وحدها تكفي لأن يتجه المواطن لذبح ماشيته في الأماكن العشوائية والمناطق الصناعية هرباً من هذا الزحام وسوء التنظيم والتأخير إلى ساعات طويلة. والأمر الأدهى من ذلك أنه في بداية شهر رمضان تسبب الزحام وسوء التنظيم والتأخير في مسلخ العزيزية في خلق سوق سوداء للذبح العشوائي في مناطق ملوثة داخل الأحواش بعيداً عن أعين مراقبي البلدية، كما أن إدارة المسلخ ليس لديهم عذر لهذه الفوضى والعشوائية إلا نقص في عدد الأطباء البيطريين والرمي باللوم على الأمانة والعمالة الموسمية. وإذا كان نقص الأطباء البيطريين جزءاً من المشكلة، فإن تجاوز المشاكل الأخرى يتطلب لاستشعار المسؤولية الكاملة عند تقديم خدمة الذبح في المسلخ بطريقة سليمة 100٪ ، وهذا لا يأتي إلا عند اكتمال الشروط الخاصة بمكونات المسلخ النموذجي من خلال توفر إدارة تراقب وتتابع العمل بشكل مستمر وتضع سلامة وصحة المستهلك في أول اعتباراتها، والأهم من ذلك كله توفر جزارين محترفين لمواجهة زيادة الطلب على المسلخ وآخرين لتولي عملية النظافة وعمال لجمع المخلفات وتنظيف الصالات. بقاء الوضع على ما هو عليه غير ممكن وفي حال كهذا فإنه لا فرق بين الذبح في المسلخ والذبح العشوائي في المطابخ أو العشش والأحواش، وبما أن المسلخ يحقق عوائد مالية مجزية نظير ما يدفعه الزبون مقابل هذه الخدمة والتي تصل إلى 20 ريالاً للرأس، بما فيها سعر الكرتون خمسة ريالات، فإنه بالتأكيد لديه الإمكانية تتجاوز العشوائية، شريطة أن تتوفر النوايا مع البحث الجاد للحصول على الأفضل.. وبدون ذلك سيظل هناك تساؤل مطروح على أمانة مدينة الرياض: ما مدى سلامة هذه اللحوم التي تخرج من هذه الأماكن العشوائية للاستهلاك الآدمي؟