هناك شعور عام في المملكة بأننا نواجه عوائق كبيرة ومتعددة تبطئ التنمية وتزيد من حجم المشاكل لدينا، وأنا هنا لا أريد أن أقول للقارئ الكريم أنظر لنصف الكأس المملوءة وفكر في الفرص الكثيرة المتاحة والنمو المتسارع الذي تعيشه بلادنا فهذا القول شبع منه كل القراء، لكنني أود أن افكر معهم كيف يمكن أن نتعامل مع الواقع ونحاول أن نغيره. كيف نستطيع تحويل العوائق إلى فرص، فقد تعلمت في مجال العمارة أنه كلما زادت التحديات، خصوصا في موقع المبنى، زادت فرص الإبداع وأرى أن هذا المبدأ ينطبق على تفاصيل الحياة كلها. في الأيام القليلة الماضية كنت في ملتقى ألوان السعودية الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والآثار (واليوم هو آخر يوم وأنا أدعو الجميع لزيارة هذا الملتقى الرائع) ولاحظت أن لدينا شبابا وشابات مبدعين متلهفين للمعرفة لديهم حس عال متذوق للصورة وأكثر ما أثارني هو أنهم جميعا من فئة الشباب. هؤلاء تعاملوا مع كل المعوقات التي حولهم كفرص، استطاعو أن يتغلبوا على أنفسهم ليؤكدوا للعالم أن بلادنا ولادة وأن لدينا شبابا قادرا على الخلق والأبداع. الحقيقة أنني لم أتوقف فقط عند "ألوان السعودية" وهو يستحق أن يتحول إلى حدث ثقافي خصوصا مع النمو المتسارع لاهتمام الهيئة العامة للسياحة والآثار بالفن المعاصر في المملكة لكنني مهتم جدا بالمواقف السياسية والادارية لكثير من الجمهور السعودي، وهي مواقف متباينة بعضها مغرق في التشاؤم وبعضها الآخر متفائل. وأنا بالطبع مع كل ما هو إيجابي حتى لو كانت الصورة قاتمة. في الأسبوع الفائت كتبت حول "اللامركزية" فأرسل لي زميل متخصص في التخطيط العمراني بمقال بعنوان The Devolution Revolution ينتقد فيها الكاتب وهو أحد أساتذة جامعة تكساس الحقبة "الريقانية" في الثمانينات التي تم فيها تمكين الادارات المحلية وتفكيك المركزية. يؤكد الكاتب أن الإدارة المحلية تساعد في التنمية وتزيد من فاعلية الخدمات لكنها خطرة لأنها تزيد من حجم الفساد. شعرت من المقال ومن حديث الزميل وبعض الزملاء أننا "تبرمجنا" على النتائج السلبية، صرنا لا نقبل أي حلول حتى تلك التي تقترب من الأحلام، لمجرد أن فرضياتنا غالبا مبنية على العوائق والتفكير السلبي، ولعل السؤال الذي صار يكبر داخلي هو: لماذا صرنا نفكر بهذه السلبية؟ توقعات الناس أن كل مشروع سينتهي بالفشل وأن تركيبة الفساد تشل التنمية ولا يمكن تفكيكها وأنها ستتغلب في نهاية الأمر على أي محاولة للإصلاح. هذا الشعور المدمر لا يدمر التنمية فقط بل يحفر عميقا في بنية المجتمع ويوصله لليأس وهذا أمر غير مقبول ولا يمكن السكوت عليه. السؤال الآخر المهم هو: من المستفيد من يأس المجتمع السعودي؟ ولماذا يراد لهذا المجتمع أن يصل إلى فقد الثقة في المستقبل؟ والحقيقة أن أي أجابة على مثل هذه الأسئلة غير جازمة، ولكني أشعر بأن من يحاول أن يعمق حالة فقد الثقة قد يكون غير متعمد فهو يفسر ما يراه وما يسمعه على ظاهره، وأنا لا أبحث عن أعذار لأحد، لكن المرور من "عنق الزجاجة" عادة ما يكون صعبا وتصاحبه ضغوط كبيرة، وحالة التشكيك التي قد يطلقها بعض المتقاعسين تغلب على الصوت العام وصراخهم العالي قد يصور للبعض أننا فعلا في حالة ميؤوس من إصلاحها، وهذا غير صحيح. المملكة تمر في مرحلة عنق الزجاج، وهذا صحيح، وتعيش نقلة تنموية عملاقة وهذا لا ينكره أحد، هناك أخطاء، وجلّ من لايخطئ، وهناك نجاحات قليلا ما يذكرها أحد وهذا مجحف. نظامنا الإداري ينتقل إلى مراحل تحديث تدريجية وقد يراها البعض بطيئة لكننا نتحرك وهذه مسألة يجب أن نعمل جميعا على دعمها وتسريعها من خلال تفاعلنا الإيجابي معها بدلا من هذه المواقف السلبية المحبطة التي تعيدنا إلى الوراء ولن تفيدنا بأي حال. العقل يقول إنه بدلا من أن نلعن الظلام يجب أن نضيء شمعة، وهذا المبدأ أصلا هو الذي تقوم عليه فلسفة استثمار العوائق كفرص. هذه الفلسفة هي التي جعلت من اليابان والمانيا أن تعيدا بناء بلديهما بعد الحرب العالمية الثانية. من القراءات التاريخية للبعد الايجابي للتحديات التي قد تواجه الأمم هو ما ذكره "أرنولد تونبي" في حديثه عن الحضارة الإسلامية، إذ قال إنه كلما زادت التحديات حول هذه الحضارة زادت استجابتها لهذه التحديات وقاومتها وحولتها لفرص لإعادة البناء. ما يدهشني في هذا الحديث هو أن البقاء والاستمرار مناط بمقدرة أي أمة على التعامل مع جراحها والعوائق التي تحيط بها بأسلوب إبداعي يحررها من التخاذل واليأس، لأن الاستسلام للثقافة السلبية خطير ولن يفيد إلا الأعداء. النقد مطلوب لكن من أجل البناء وليس لمجرد إبراز العيوب وتصيد الأخطاء وتوسيع الثغرات. الوجه الآخر للسؤال هو: كيف نبني ثقة المجتمع فيما يعمل لدينا وأن المستقبل سيكون مشرقاً؟ ربما نحتاج إلى مشاركة اجتماعية أكبر في عملية اتخاذ القرار ونحتاج إلى إعلام واعٍ يفهم معطيات العصر وأنه لم يعد هناك مجال لإخفاء شيء عن الناس في الوقت الحاضر، وأنا شخصيا مستبشر خيرا بتعيين الصديق الدكتور عبدالعزيز الخضيري وزيرا للثقافة والإعلام فهو أهل لمثل هذا المنصب المهم والحساس. ولعلي هنا أتوقف عند المشاركة الاجتماعية التي أراها مفصلاً مهماً لتعميق المواطنة والمشاركة في المسؤولية، في النجاح والإخفاق، ولدينا مؤسسات جاهزة يمكن أن ننطلق منها مثل مجلس الشورى والمجالس البلدية والجمعيات غير الحكومية التي يجب أن يطلق لها العنان لتكون أجهزة تسهم في الرقابة والتنمية. لقد شعرت بالامل في الجيل الشاب في بلادنا عندما رأيت اكتظاظهم في "ألوان السعودية" ولدي إيمان كامل أن هذا الجيل المبدع الذي يفكر بطريقة مختلفة ولديه وسائله الخاصة للتعبير عن نفسه هو الذي سيحمل الراية الايجابية لبناء المستقبل. لقد لمست في عيون الشباب الرغبة في المشاركة فكل فرصة تتاح لهم للتعبير عن أنفسهم نفاجأ بأكثر مما هو متوقع، فتحيتي لكل الشباب والشابات في بلادنا فأملنا معقود عليكم. لمراسلة الكاتب: [email protected]