سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حتى لا تتوه بوصلة الخطباء يا وزارة الشؤون الإسلامية، كثيرة هي خطاباتُكِ الموجّهة للخطباء بالحديث عن بعض القضايا (الملحَّة) وذاك حق لا جدال فيه. لكن بالمقابل: هل خاطبتِ يومًا خطباءَكِ ووجّهتيهم بالحديث عن (الفساااااد) اللَّعين؟!
تقع على خطباء الجُمَع مسؤولية الوعظ والتوجيه والإرشاد للمصلين، وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم، من خلال خُطَبهم الأسبوعية التي يلقونها من على منابر المساجد ظُهر كل جمعة. ومعلوم أن كثافة المصلين في صلاة الجمعة لا تقارن بغيرها من أيام الأسبوع، وهذا يعني أن الفرصة مهيَّأة بشكل أكبر للخطيب ليبث رسالته الهادفة على مسامع شريحة واسعة لم تكن لتجتمع لولا صلاة الجمعة. غير أن ما يستحق أن نقف عنده هو مضمون الخطب التي يلقيها الخطباء، هذا المضمون الذي كثر الاختلاف عليه، وهو ما جعل الخطباء يقعون بين كماشتَي رأيين، الرأي الأول يرى أن خطبة الجمعة ينبغي ألا تخرج عن بيان وتوضيح الأحكام الفقهية وما يتعلق بالعبادات والمعاملات، على أن يُترك غير ذلك للمختصين. الرأي الآخر يرى أن خطبة الجمعة ينبغي أن تتماشى مع العصر، بحيث تتطرق للأحداث والقضايا المتجددة التي يموج بها العالم، وإلا أصبحت الخطبة منفصلة عن الواقع، وأصبح الخطيب يُغرِّد خارج زمانه. هذان الرأيان أصبحا مثار جدل في المجتمع، وهذا بدوره انعكس على مكانة وأهمية الخطباء الذين لم تستقر بوصلتهم ولم تهتدِ سبيلها بين هذين الرأيين المتضادين. وازدادت الهوة اتساعًا بين الخطباء وجموع المصلين حينما جاءت رياح التقنية بما لم يتوقعه الخطباء، ذلك أنها أحلَّت وسائطَها المختلفة محلَّ الخطباء، وعظًا وتوجيهًا وإرشادًا، بل وإفتاءً. وعلى هذا ازدادت المسؤولية الملقاة على عاتق الخطباء، وأصبح مطلوب منهم أن يفكروا في طرائق أفضل وأمتع للولوج إلى قلوب المصلين. أمر آخر جدير بأن نقف عنده وهو تلك الآراء الصاخبة التي تصدر عن البعض تجاه الخُطب والخُطباء، تلك الآراء التي ما انفكَّت تطالب الخطباء بالخروج عن نمطية الخطب المكررة التي ظلت تدور في فلك الأحكام الفقهية والعبادات والوعد والوعيد والجنة والنار، مطالبة إياهم بمسايرة العصر، ومناقشة وقائع الحاضر، والتطرق للأحداث الآنية التي يموج بها العالم. إلى هنا والأمر في مساره الصحيح؛ فالمطالبة بخروج الخطباء عن نمطيتهم وكسر رتابة خطبهم مطلب ضروري، لكنَّ الأمر الذي لا يُقبل هو انقلاب مطالبِي الخطباء على مطالبهم تلك؛ فما أن يتطرق خطيب في خطبته لقضية من قضايا العصر إلا ويَشُنُّ عليه أولئك المطالبون حملة ضارية، تصل لدرجة تخوينه، واتهامه في معتقده ومسلكه، والوشاية به. وتزداد حيرة الخطباء حينما تقيم لهم مرجعيتهم (وزارة الشؤون الإسلامية) الدورات العلمية، وتكثِّف لهم اللقاءات، وتعقد لهم الندوات؛ بهدف تطويرهم، والرفع من مستواهم؛ رغبةً منها في تحسين أدائهم وجودة خطبهم، حاثةً إياهم على التجديد والتنوع بما يتواكب وقضايا العصر ومستجداته. وحينما يتطرق خطيب ما لقضية من قضايا الساعة التي يحتاج المصلون لرأي ناصح وموقف واضح تجاهها تجد مرجعيته تبادر أحيانًا إلى مساءلته وتحذيره من تكرار ذلك. خطباء المساجد لم يأتوا من النوافذ أو الأبواب الخلفية، وإنما أتوا من الأبواب الواسعة وفق معايير وضوابط ارتضتها مرجعيتهم، مما يعني أنهم مؤهلون لقيادة وتوجيه الرأي، وعليه ينبغي أن توضع الثقة فيهم، وأن يكون مسارهم واضحًا حتى لا تتوه بوصلتهم. في الوقت نفسه فإن من المتوجب على الخطباء أن يعملوا على تطوير قدراتهم الخطابية ومضامين خطبهم، وأن يعدُّوا خطبهم بأنفسهم لتصبح أكثر معاصرة وأشد وقعًا في النفوس، لا أن يركنوا إلى خطب معلَّبة لا يتعدّى جهدهم فيها غير عملية تصويرها وإلقائها. وبعد.. فيا وزارة الشؤون الإسلامية، كثيرة هي خطاباتُكِ الموجّهة للخطباء بالحديث عن بعض القضايا (الملحَّة) وذاك حق لا جدال فيه. لكن بالمقابل: هل خاطبتِ يومًا خطباءَكِ ووجّهتيهم بالحديث عن (الفساااااد) اللَّعين؟! [email protected]