ارتفاع أسعار النفط وخام برنت يسجل 83.63 دولاراً للبرميل    قمة البحرين: نرفض أى إجراء يمس حقوق مصر والسودان بمياه النيل    السعودية للكهرباء تعمل على تصنيع قطع الغيار بالهندسة العكسية وتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد    «QNB» الراعي البلاتيني لمؤتمر جي تي آر السعودية الرياض 2024    رئاسة السعودية للقمة العربية 32.. قرارات حاسمة لحل قضايا الأمة ودعم السلام    ولي العهد يلتقي أمين الأمم المتحدة وملك الأردن ورئيس وزراء الكويت والرئيس السوري    وزير التعليم يشارك طلاب ثانوية الفيصل بالطائف يومهم الدراسي    المملكة والعراق توقعان مذكرة تفاهم في مجال منع الفساد ومكافحته    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    الرئيس الصيني يؤكد أن الحل في أوكرانيا سياسي    الشيخ بن حميد في منتدى "كاسيد": الإسلام يدعو للتسامح    " تطبيقية الرياض " تنظم المعرض السعودي للاختراع والابتكار التقني    "كواي" ابتكارات عالية التقنية تعيد تعريف التفاعل عبر مقاطع الفيديو القصيرة    ديربي النصر والهلال.. فوز أصفر غائب في الدوري منذ 3 سنوات    كيف جاءت نتائج 13 مواجهة بين الاتحاد والخليج؟    وقاية.. تقصّي الأمراض الخطرة وإعداد خطط الطوارئ    ولي العهد يصل المنامة لرئاسة وفد المملكة في القمة العربية    السعودية: ندين محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا.. نرفض كافة أشكال العنف    أمانة الشرقية تؤكد على المنشآت الغذائية بضرورة منع تحضير الصوصات داخل المنشأة    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    اختتام الاجتماع الوزاري الثاني لمنتدى الحياد الصفري للمنتجين بمشاركة الدول الست الأعضاء بالرياض    الكشافة تُدرب منسوبيها من الجوالة على "مهارات المراسم في العلاقات العامة"    جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تحتفي بالفائزين بجائزة "تاج"    الرياض تستضيف النسخة الثالثة من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي    نائب أمير الشرقية يستقبل وزير الاقتصاد والتخطيط    «الأرصاد»: رياح شديدة السرعة على عددٍ من محافظات منطقة مكة المكرمة    أمير المدينة يرعى تخريج البرامج الصحية ويترأس اجتماع المحافظين    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    مدرب الأهلي يخضع فيغا لاختبارات فنية تأهباً ل"أبها"    "الخطيب": السياحة عموداً رئيسيّاً في رؤية 2030    سمو محافظ الطائف يرعى حفل افتتاح المجمع القرآني التعليمي النسائي    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    الأهلي يتحدى الهلال والاتحاد يبحث عن «النصر»    صفُّ الواهمين    «عكاظ» تنشر الترتيبات التنظيمية للهيئة السعودية للمياه    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    «هاتريك» غريزمان تقود أتلتيكو مدريد للفوز على خيتافي في الدوري الإسباني    نريدها قمة القرارات لا التوصيات    حل وسط مع الوزراء !    محاولة يائسة لاغتيال الشخصية السعودية !    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    توثيق من نوع آخر    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    السفير الإيراني يزور «الرياض»    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشويه الآثار.. عبث بأيدي جاهلين.. وجشع يستعين بالسحرة بحثًا عن “الغّلة”
نشر في المدينة يوم 29 - 12 - 2010

في الوقت الذي تعمل فيه الأمم على المحافظة على آثارها وتراثها، يتعرض كثير من الآثار في المملكة العربية السعودية إلى كثير من مظاهر العبث والتشويه، بالكتابة عليها، وطمس معالمها، ويتعدى الأمر إلى سرقتها بحثًا عن “الغلة” من قبل الجشعين وضعاف النفوس، مستعينين في ذلك بالسحرة والمشعوذين.
عدد من المهتمين بالآثار نبّهوا إلى خطور هذه الظاهرة، لما تنطوي عليه من مخاطر طمس التاريخ، وطمس معالم المملكة الحضارية، داعين إلى ضرورة التدخل الفوري لوقفها، بنشر الوعي، وتكثيف الحراسة، ومعالجة ما يمكن معالجته من مظاهر العبث والتشويه.
بحث عن كنوز مزعومة
بداية يشير نائب رئيس الهيئة للآثار والمتاحف الدكتور علي بن إبراهيم الغبان إلى أن غياب الوعي بأهمية المواقع الأثرية عند البعض أدى إلى تعرض العديد منها لأعمال التخريب والتشويه ممن لا يدركون أهميتها التاريخية والحضارية والاقتصادية ودورها في أثراء ثقافتنا، إضافة إلى ما تمثله هذه الآثار من عمق تاريخي لحضارات ورثت لنا العديد من العلوم والفنون التي تعد امتدادًا لما وصلنا إليه من رقي وتقدم ثقافي وحضاري في عصرنا الحالي.
ويضيف الغبان: أعمال التخريب والتشويه التي تتم ممارستها في المواقع الأثرية تتمثل في القيام بالحفر والتخريب للمواقع الأثرية بحثًا عن كنوز مزعومة أو قطع أثرية، إضافة إلى تشويه الرسوم الصخرية والكتابات الحجرية بطمسها أو الكتابه عليها بالدهان، أو نقل الأحجار من المواقع الأثرية واستخدامها في بناء مبانٍ حديثة، والتعدي على المواقع الأثرية والبناء بداخلها. مهيبًا في خاتمة حديثه المواطنين بضرورة لعب دور حيوي وفعّال في عملية المحافظة على الآثار في ظل انتشار المواقع الأثرية في جميع أنحاء المملكة.
تجربة مريرة
ويحكي الدكتور عبدالعزيز سعود الغزي أستاذ الآثار بجامعة الملك سعود قصته مع تشويه الآثار بقوله: شدني البحث ذات مرة عن “مخلاف عشم” عندما اطلعت على المؤلف القيم للباحث القدير إبراهيم الفقيه عنه، الذي يعتبر أهم مخلاف في القرون الأولى الهجرية، حيث كان يرسل الأموال إلى حاكم مكة لوجود مناجم ذهب.. فأعددت العدة لزيارة هذا المخلاف، وشدني إليه تلك الكتابات على الشواهد والصور الجميلة المزينة لذاك البحث، وقبل خمس سنوات تقريبًا اشتقت للزيارة لما شاهدت بعض الآثار في عدد من الدول التي زرتها وكيفية الاعتناء بها، فذهبت أبحث عنه وكنت أمنّي نفسي أن أجد طريقًا معبدًا ولوحات إرشادية تدلني على الموقع، وعند وصولي إلى ناوان وبعد بحثي طولًا وعرضًا خُيل إلي أن الموقع لا يمت بِصلَة إلى هذه المنطقة، لكن أسعفني أحد أبناء المنطقة عندما أدرك حيرتي وعرف مقصدي، وأشار على أن أوقف سيارتي وأستقل معه سيارته وعندما وصلنا إلى الموقع وتجولت فيه وجدته قاعًا صفصفًا إلا من شبك محاط به وغرفة مراقبة معدة للحراسة لكنها خالية من الحرس، في البداية تخيلت أنها أرض مغتصبة، لكنه أكد لي أن هذا هو “مخلاف عشم”، وسألت بعض كبار السن في ناوان عن مصير الآثار فقالوا إن بعضها نقل إلى القنفذة والبعض نهب من قِبل من لديهم اهتمام بالمادة دون الإحساس بقيمتها الأثرية والشعور بالغيرة الوطنية ومدى أهميتها!
ويتابع العزي: في رحلة أخرى لقريتي الخُلف والخليف والمجاورتين لمحافظة قلوة مستندًا إلى كتاب الدكتور الزيلعي الذي كرس جل وقته في البحث والتنقيب والرسم والتصوير على مدى سنوات عن هذين الموقعين الغنيين بالآثار اللذين يحكيان تاريخ قريتين لهما أكثر من سبعة قرون، انتشر منهما العلم والتعلم فوجدت حالهما يرثى لها، ولم تكونا بأحسن حال من “مخلاف عشم”؛ فقد هدمت الحصون وبعض البيوت لاستعمال الحجارة للبناء في مواقع أخرى، مستغلين الإهمال وعدم المراقبة وسرعة الهدم والنقل.
ويخلص الدكتور عبدالعزيز من هذه التجربة إلى القول: إذا استعرضنا أهمية الآثار لوجدنا اهتمامًا كبيرًا بالقيمة التراثية للآثار، فها هي أمريكا تحاكم جنديًا أمريكيًا سرق آثارًا مصرية وباعها في عدة دول منها أمريكا. وفي إسرائيل إبان حرب الخليج قالت مذيعة التلفزيون: ينبغي أن يبادر طيارو التحالف إلى قصف هذه الأماكن الأثرية من البر والبحر والجو لأنها أخطر من أسلحة الدمار الشامل. وتضيف: لا يمكن التخلص من الإرهاب الشرقي إلا بتدمير شامل للتاريخ!! احرموا سكان هذا الجزء من العالم تاريخهم الحضاري المتراكم وحرروهم من تراثهم. إننا لو استعرضنا أهمية المحافظة على الآثار في شتى بقاع العالم لدوَّنا مجلدات ضخمة، لكن نكتفي بالقدر اليسير ونقول: لدينا في منطقة الباحة تراث أثري؛ منه الحصون المشيدة هنا وهناك، تحكي قصة المهارة الحربية في بنائها واختيار مواقعها وهنا يبرز السؤال الملح.. ماذا أعددنا لإعادة المنهوبات والمحافظة على ما تبقى منها؟
ظاهرة قديمة
وعن الكتابة على الآثار وتشويه منظرها يقول الدكتور أحمد العبودي، بقسم السياحة بجامعة الملك سعود: إن ظاهرة تخريب الآثار والكتابة عليها ظاهرة قديمة قدم الإنسان نفسه، واستمرارها يعد ظاهرة طبيعية، لكن الأمر غير الطبيعي هو أن تمارس هذه الظاهرة في المناطق الأثرية والتراثية وبمواد كيميائية تؤثر كثيرًا على المادة الأثرية أو التراثية، ويصعب في أحوال كثيرة إزالتها، ومعالجة هذه الظاهرة تكمن في التوعية المبكرة للأجيال بأهمية الحفاظ على الآثار والتراث؛ كونها تعبر عن ذاكرة الوطن، والبدائل لممارسة هذا السلوك الإنساني التركيز على ممارستها من خلال مواد لا تؤثر على الظاهرة الأثرية أو الظاهرة الطبيعية كاستخدام الفحم على سبيل المثال وهذا لا يتم إلا من خلال تفعيل جانب الرقابة الذاتية من خلال التعليم وخصوصًا مادة التربية الوطنية.
البحث عن الغلة بالسحرة
ويبدي الدكتور مسفر سعد محمد الخثعمي؛ أستاذ التاريخ القديم المشارك بجامعة الملك خالد وعميد كلية المجتمع ببيشة، استياءه من التخريب الذي تتعرض له الآثار قائلًا: من المؤسف أن الآثار في المملكة العربية السعودية تعرضت طوال القرن الماضي ومطلع القرن الحالي للتخريب والتدمير من قبل بعض ضعاف النفوس والجشعين الذين يبحثون عن المادة والثراء السريع وما زالت تتعرض لذلك. فقد انتشر بين الناس، خصوصًا في بعض جهات منطقة عسير، ظاهرة البحث عن الكنوز، أو “الغلة” كما يسميها العوام في هذه المنطقة، ويعتقد هؤلاء أن الكنوز توجد حيث توجد الرسوم والنقوش، لذا أخذوا للأسف يجلبون السحرة من بعض البلدان العربية والإسلامية للاستعانة بهم في تحديد أماكن الكنوز على حد زعمهم، واستخدموا لذلك الجرافات، الأمر الذي أدى إلى القضاء على بعض الآثار في هذه المنطقة وغيرها، كما كانوا يقومون بالحفر والتنقيب بالأيدي عن طريق “المساحي والمناقب”، وقام البعض بسرقة عدد من آثار المنطقة، ولعل أبرز الآثار التي تمت سرقتها أو تخريبها والعبث بها: الرحى أو الرحايات وتنتشر في المواقع الأثرية من المنطقة الجنوبية بشكل عام وفي منطقة عسير بشكل خاص عدد من الرحى أو الرحايات الضخمة التي كانت تستخدم من قبل سكان المنطقة، ولعل من أبرزها: رحى العبلاء ورحى جُرش ورحى ضنكان، وكذلك سرقة المقابر وسرقة التماثيل وسرقة النقوش، كما أن النقوش الكتابية والرسوم الصخرية تعرضت هي الأخرى للسرقة من قبل أصحاب المتاحف الشخصية الذين يرغبون في تزيين متاحفهم بهذه النقوش حتى ولو كان ذلك على حساب قطع صلة تلك النقوش ببيئاتها الأصلية التي وجدت فيها.
عشوائية عارمة
وعن حالة الفوضى واللاوعي بأهمية الآثار يشير الكاتب عبدالرحمن حمياني إلى أن العبث بالآثار أو المواقع الأثرية يأتي ضمن سياق من العبثية التي يعيشها بعض شبابنا، فليست المواقع الأثرية أو المناطق السياحية بمنأى عن الفوضوية العارمة التي يعيشها بعض ضعيفي الثقافة والفهم، والسبب أن كثيرًا من هؤلاء العابثين ما زالوا يندفعون خلف غرائزهم الجامحة ونزواتهم المدمرة، ويأتي هذا في ظل غياب الوعي والثقافة والإدراك، فالذين يعبثون بالمواقع الأثرية أو يشوهون المناطق السياحية؛ سواء بالكتابة على محتويات الموقع أو إتلاف البيئة التاريخية، هم في الوقت نفسه لا يدركون معنى التاريخ، وليس لديهم ثقافة تؤهلهم للاعتناء بالتاريخ أو بأي شيء يمت للتاريخ والحضارة بصلة، ولأنهم أيضًا ببساطة لا يعرفون للقراءة طريقًا، التي هي في الأصل نور العقل وبصيرة الفؤاد، أضف إلى ذلك ما تعيشه بعض الأسر من عشوائية عارمة وتفلت سلوكي عابث، ما يؤثر على سلوكيات الأبناء في الخارج. فالذي يدمر المواقع التاريخية والسياحية هو في الأصل يعيش بالسلوكيات التي يمارسها في منزله وبالتالي تدفعه هذه العادات الخاطئة دائمًا إلى الاستهتار بالممتلكات العامة، فضلًا عن الأشياء التي تمثل قيمة تاريخية.
وحول كيفية علاج تلك الظاهرة يقول الحمياني: لعلاج تلك المشكلة نحتاج إلى إعادة تأهيل أمثال هؤلاء الشباب؛ عن طريق توعية الأسر أولًا، في جميع مناحي الحياة؛ ومن ذلك احترام الممتلكات العامة والمحافظة على كل ما له قيمة تاريخية، وذلك عن طريق برامج بعيدة المدى، لأن العادات الاجتماعية الحسنة والسلوكيات المرغوب فيها لا يمكن زرعها في يوم وليلة، فنحن بحاجة ماسة إلى برامج توعوية لجميع الفئات العمرية، وأما الحلول المؤقتة فتتمثل في العقوبات الحازمة لكل من يعبث بالمناطق السياحية، أو يدمر المواقع التاريخية، كما ينبغي توفير كوادر أمنية وحراسات دائمة في تلك المواقع، وأيضًا وضع لوحات إرشادية وبيان للعقوبات المترتبة على كل من يشوه تلك المناطق.
استحالة العلاج
ويشارك الدكتور سعيد السعيد عميد كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود بقوله: في الوقت الذي تتجه فيه الدولة إلى الانفتاح على تنمية القطاع السياحي لإضافة مورد اقتصادي جديد اعتمادًا على تفعيل السياحة الثقافية باستثمار ما تزخر به أراضيها من كنوز وتحف أثرية عريقة، تتعرض تلك الآثار بين الحين والآخر لأعمال التخريب والتشويه من فئة قليلة غير مسؤولة من أفراد مجتمعنا سلكت نهجًا سلبيًا في تعاملها مع آثارنا الوطنية، على النقيض تمامًا من غالبية أفراد المجتمع السعودي شديد الاعتزاز بموروثه الحضاري، فالكتابات والنقوش، والرسوم الصخرية القديمة، على سبيل المثال، والمنتشرة على صخور الجبال في الكثير من المواقع الأثرية في بلادنا الغالية، تعتبر من المصادر الرئيسية التي استقى منها المؤرخون والباحثون كل ما دوِّن ويُدون عن تاريخ الجزيرة العربية القديم وحضارتها، فهي التي يعتمد عليها بالدرجة الأولى، لأنها تمثل وجهة نظر صانع الحدث ذاته.
ويمضي السعيد قائلًا: تكتسب تلك الكتابات والنقوش والرسومات القديمة أهمية كبيرة، حيث إنها ثروة تاريخية مفيدة مهما كان موضوعها، فهي تسجل حياة أصحابها وطرق معيشة مجتمعهم، ونشاطهم الاقتصادي، كما أنها تعتبر المصدر الرئيسي لتصوير عادات أصحابها وعقائدهم، وأوضاعهم الاجتماعية والسياسية، وعلاقاتهم الخارجية بالأمم المجاورة لهم، فماذا يمكن القول عندما تمتد ظاهرة العبث وتشويه هذه الآثار، التي تعد من ملامح هويتنا الوطنية، بالكتابة عليها أو طمسها من قبل أيادي غير مسؤولة. إن الخطأ هنا يتعاظم لأنه يطول بعضًا من تاريخ البلاد ورموزها الثقافية الموروثة، الأمر الذي يستدعي منا وقفة حازمة لوضع حد لهذه الظاهرة، مع تكثيف حملات التوعية والإرشاد بصورة دورية متواصلة يشارك فيها الجميع للحفاظ على هذه الممتلكات الوطنية، وبذل جهود مستمرة في المجالين الوقائي والعلاجي، في استثارة الوعي العام لخطورة هذه الممارسات غير المسؤولة.
ويؤكد الدكتور سعيد السعيد أن ما يحدث من عبث وتشويه لهذه الممتلكات الثقافية يُعَدُّ تدميرًا وتخريبًا مع سبق الإصرار والترصد، وهو في حد ذاته ذروة الفساد، وقد نتج عن ذلك التشويه القضاء نهائيًا على بعض تلك الكتابات والرسومات بشكل يستحيل معالجته، لأنها نُفّذت على صخور رملية هشّة يصعب إزالة ما اعتلاها من تشويه، ما أفقدها الكثير من معانيها ودلالاتها.. لذا أقول للذين يقومون بكتابة عبارات الذكريات على بعض آثارنا: نعم الذكريات عزيزة لا مانع من كتابتها، لكن ليس على حساب التاريخ والآثار، فتلك العبارات جريمة بحق آثارنا؛ لأنها تطمس معالم تنتمي إلى البشرية جمعاء، فالتاريخ ليس ملكًا لأحد، وكل دارس يمكن أن يستفيد منه ومن آثاره المتبقية لنا، ويجب أن تبقى تلك الآثار التي وصلتنا عبر آلاف السنين مُصانة لتطلع عليها الأجيال القادمة، فالقادمون من بعدنا عندما يرون ما شوّهنا من تاريخ وآثار لن يرحمونا وسيصنفوننا بشتى التهم، فالمحافظة على هذه الآثار هي محافظة على سمعتنا عندما نصبح تاريخًا.
ويشدد السعيد على أن الوعي بالآثار قضية وطنية من الدرجة الأولى؛ لأنه السياج الذي يمكن من خلاله صيانة تراث الوطن والحفاظ عليه للأجيال القادمة، فهو إدراك لقيمة تراث الأمة على اعتبار أن هذا التراث يمثل مردودًا ثقافيًا من حيث التعبير عن التواصل بين ثقافة الأجداد وثقافة الأحفاد، كما أن التراث الثقافي كان ولا يزال من أهم عوامل جذب السياحة الحديثة، ومن ثم فهو يمثل مصدرًا أساسيًا من مصادر الاقتصاد الوطني.
دور هيئة السياحة
ومن جهتها فقد تبنت الهيئة العامة للسياحة والآثار عددًا من الخطط والمبادرات لتطوير قطاع الآثار والمتاحف بعد ضمه للهيئة وربطه بالبعد الثقافي والحضاري وتطوير الأوعية التي يقدم فيها والموارد البشرية التي تعمل فيه، وتطوير أداء القطاع في مجالات الحماية والمحافظة، والبحث العلمي، وعرض مواقع التراث الثقافي وإدارتها.
وقد أوضح صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في تصريحات صحفية سابقة أن الهيئة تواجه العديد من التحديات للمحافظة على الآثار والتراث العمراني، ولن يتم ذلك إلا بالتعاون الوثيق مع أجهزة المناطق والبلديات والمواطنين لحماية وتطوير معالمنا الأثرية والتراثية، وترسيخ الوعي لدى المواطنين بأهمية المحافظة على هذا الإرث الوطني التاريخي، كما أكد سموه على عناية الهيئة الفائقة واهتمامها بقضية الحفاظ على التراث والآثار باعتبارها تشكل قضية وطنية بما تمثله من أهمية وبعد تاريخي وحضاري وثقافي، وقد أعدت الهيئة استراتيجية لتطوير قطاع الآثار والمتاحف وخطة تنفيذية مدتها خمس سنوات بدأت عام 1429ه تتضمن جميع مشروعات التطوير الخاصة بالآثار والمتاحف، بالإضافة إلى برامجها ومشروعاتها الأخرى المتعلقة بالتراث العمراني.
وفي مجال اهتمامها برفع الوعي بالآثار ستعمل الهيئة قريبًا على إطلاق حملة وطنية للتوعية بأهمية الآثار وبكونها مكسبًا للمواطن ومِلكًا لدولته وليست مستباحة، والعمل على تغيير الأنماط الفكرية التي تتعلق باستباحة الآثار أو سرقتها، والتأكيد على أن سرقتها أو طمسها والعبث بها يعد جريمة في حق وطنه وتاريخه، فهذه الآثار وطنية وأملاك للأمة وليست مِلكًا فرديًا.
كما تعمل الهيئة مع وزارة التربية والتعليم لترسيخ الوعي لدى الطلبة بأهمية الآثار وبكونها مصدر استلهام لتاريخ الأمة والوطن، حيث يعمل برنامج التربية السياحية المدرسية «ابتسم» الذي تتعاون فيه الهيئة مع الوزارة في تعزيز هذه المفاهيم، كما أن هناك تفاهم مع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي لتخصيص يوم للتوعية بالآثار وإبراز أهميتها وقيمتها في ربط المواطن بأرضه وتاريخه وحضارته، كما أدرجت الهيئة أنشطة التوعية بأهمية الآثار ضمن برنامجها “السياحة تثري” الموجه للمجتمعات المحلية من خلال تعريف قيادات المجتمع المحلي في ورش عمل البرنامج بأهمية الآثار ودور المجتمعات المحلية في حفظها.
وبتوجيهات مباشرة ومتابعة مستمرة من الأمير سلطان بن سلمان تبذل الهيئة ممثلة في قطاع الآثار والمتاحف جهودًا لحماية الآثار من العابثين بها، وتواجه ذلك العبث من خلال مسار الحماية وتطبيق النظام الحالي للآثار فيما يتعلق بالعبث بالآثار بالإضافة إلى الحملات الإعلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.