سدايا: المملكة ملتزمة بتعزيز ابتكارات الذكاء الاصطناعي مع ضمان استخدامه الأخلاقي    أمير تبوك يكرم الطلاب والطالبات الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقات المحلية والعالمية    الخريجي يستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى المملكة    تعليم "طبرجل "يقيم حفل ختام الأنشطة الطلابية للعام 1445    "رابطة العالم الإسلامي" ترحّب بقرار النرويج وإسبانيا وإيرلندا باعترافها بدولة فلسطين    المياه الوطنية تبدأ استقبال طلبات توصيلات المياه في 6 أحياء بجدة    القيادة تهنئ الرئيس اليمني بيوم الوحدة    نقل مباراة الهلال والطائي إلى ملعب الشباب    محافظ القطيف يلتقي مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة الشرقية    3 وزارات و5 مختصين ب"أمناء مكتبة الملك فهد"    قصاص مواطن تسبب بانقلاب مركبة آخر ووفاته    "السعودية نحو الفضاء" .. عام على إنجاز تاريخي    فرص تمويل واستثمار ب"كان" من الصندوق الثقافي    ضيوف الرحمن: المملكة بقلوبنا وشكراً للملك    أمير المدينة يرعى تخريج الدفعة الثالثة من طلاب كليات الريان    آل هادي يزف ياسر وأحمد لعش الزوجية    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب «المركزي الأمريكي»    خامنئي يؤم صلاة الجنازة على الرئيس الإيراني ومرافقيه    أمير القصيم يدشن مبنى الكلية التقنية ببريدة    اختتام النسخة السادسة من منتدى المشاريع المستقبلية 2024    بطاقة معان لخدمة كبار السن والأشخاص ذوي الاعاقة والجنود المرابطين    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي لمجندات الدفعة السادسة في معهد التدريب النسوي    مناطيد العُلا تتزين ب"النمر العربي والحِجر وخيبر"    75 ملياراً حصاد اليوم الثاني ل"مستقبل الطيران"    وصول البعثة الاولى الى المدينة المنورة لأداء فريضة الحج    700 ألف صك صدرت عبر البورصة العقارية    تعديل في تنظيم هيئة تنفيذ اتفاقيات حظر الأسلحة الكيميائية    تسعيني ينال الثانوية قبل وفاته بأيام    الجدعان: نبحث فرص خصخصة ب«البنية التحتية»    «السعودية للطاقة» الأقل تكلفة لإنتاج الكهرباء من «المتجددة»    منى زكي تجسّد دور «أم كلثوم».. وحفيدها يعترض !    مجلس الطيران العالمي    مصادر «عكاظ»: يايسله يقود الأهلي الموسم القادم    بتوجيه خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    أنواع من الشاي الأشهر حول العالم    احذر.. قد يأتيك السرطان من داخل سيارتك !    تلوث الهواء يزيد خطر الإصابة بالخرف !    الأخضر تحت 17 لرفع الأثقال يشارك في بطولة العالم بالبيرو    «تجربة جنونية» لفرنسي يسافر إلى الفضاء لبضع دقائق    اطلع على برامج التدريب التقني.. أمير القصيم ينوه بدور«الشورى»    أمير المدينة يستقبل المشايخ ومديري الإدارات الحكومية المدنية والعسكرية    ترجمة الهوية    أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-2    اطلاق برامج دعوية لخدمة ضيوف الرحمن    نائب أمير الرياض يرعى حفل التخرج بمدارس الملك فيصل    دبابات الاحتلال تحاصر مستشفيات شمال غزة    تويتر ينتقل نهائياً إلى«إكس دوت كوم»    الدولة واهتمامها بخدمة ضيوف الرحمن    مذكرة تفاهم لتوفير مياه زمزم لحجاج الداخل    سيدات الشباب يتوجن بلقب بطولة الصالات في نسختها الثانية    فرضية في طريق الهجرة استعداداً لموسم الحج    "تاليسكا" يتصدّر قائمة أكثر اللاعبين البرازيليين تسجيلاً للأهداف خلال هذا الموسم    هديتي تفاحة    لمرضى الروماتيزم في الحج .. مختص: تناولوا الأدوية في مواعيدها    نائب أمير المنطقة الشرقية يشهد حفل تخريج طلاب كليات الأصالة    أشيعوا بهجة الأمكنة    غرور الهلاليين وتواضع الأهلاويين    نيابةً عن وزير الخارجية.. الخريجي يقدّم واجب العزاء في وفاة رئيس إيران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وشاية الغائب (1-3)
نشر في الجزيرة يوم 16 - 07 - 2016

لم تكفَّ القصيدة الحديثة عن محاولات التجريب في بنائها، محاوِلةً بذلك تحقيق التكثيف، وهو أحد منجزات القصيدة الحديثة؛ ولهذا جنح الشعراء إلى تقصير القصائد، وشحنها بحمولات مكثفة من الدلالات والمعاني.
وقد اتخذ الشعراء -إلى جانب تقصير القصائد- الحذفَ وسيلةً إلى تحقيق التكثيف.
وتبدو قيمة الحذف في قول الجرجاني عنه: «إنك ترى به تَرْكَ الذِّكر أفصحَ من الذكر، والصمتَ عن الإفادة أزيدَ للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تُبِن»، وقد سمّاه ابن رشيق «إجاعة اللفظ وإشباع المعنى».
ومن وجوه الحذف في القصيدة الحديثة أن يحذف الشاعر سياقاً برمّته، أو يوهم المتلقي بذلك الحذف، وذلك أنْ «تأتي الجملة الأولى في القصيدة وكأنها مد لقول سابق أو استئناف لحلم قديم، وإنها لكذلك؛ لأنها نص يأتي ليتداخل مع سياق سبقه في الوجود»، نلمس هذه الأسلوب في القصيدة حين تبدأ بجملة معطوفة على سياق غائب، فيلقي الشاعر حينئذ على كاهل المتلقي مهمة استحضار ذلك السياق، إلا أنها مهمة لا تخلو من مشقّة ممتعة مدهشة، يتحول بفعلها القارئُ إلى شاعر آخر ينشئ عوالمه الغائبة، وتكون القصيدة أمامه ملعباً للخيال، ومضماراً تتسابق فيه خيل الصور والقارئُ ينشئها صورة تلو صورة، وينسّق تواليها.
في ديوان «عبرتني حلماً» لدلال المالكي الصادر عن النادي الأدبي بالرياض بدأت الشاعرة بعض القصائد بواو عطف، فعطفت جملة البدء على سياق غائب، وفتحت بذلك في ذهن القارئ نافذة يطل منها على تلك السياقات التي ربما لم تكن قد تشكّلت هي نفسها في مخيلة الشاعرة، وهذا ما أعطى تلك النصوص انفتاحاً وتنوعاً في الدلالات الغائبة، وجعلت القراءة «عمليةَ دخول في سياق».
هذا هو مطلع قصيدة «دوحة الحب»:
لقد أوحت واو العطف في مطلع القصيدة أن الجملة معطوفة على سياق سابق محذوف، وإذا سلّمنا بأن «علاقاتٍ كليةً تربط جزئياتٍ معينةً من عمل معيّن مع جزئيات أخَر في نصوص أخرى لنفس المبدع»؛ استطعنا أن نكوّن الصورة التي اشتمل عليها السياق الغائب قبل بدء القصيدة، ف«عبرتني حلماً» هي منطلَق تشكيل ما لم تقله الشاعرة، فكأنها استأنفت حلماً غائباً حين طفقت تتخيل حضوره، ورسمت لذلك الحضور أجمل الصور، وأكثر المعاني إشراقاً، إلا أن الشاعرة بسبب أن هذا الحضور كان حلماً قد تلاشى، آثرت ألا تفصح عن صورة الحلم الذي كان بحضور الحبيب، فلم يبق في مخيّلتها إلا خيبة الغياب، فحدثتنا عنها، وسلّمت لنا زمام الخيال نستشف من أوجاعِ الغيابِ بلسمَ الحضور (فلا الطير تصدح، ولا الدوح تورف فيء الظلال، ولا الزهر يمنح عطراً،...)، فتخيّلنا أن الطير في حضور الحبيب أجمل شقشقة، والدوح أرقّ رفيفاً بالظلال، والزهر سخيّ بالأشذاء...
أما خاتمة القصيدة فهي:
إلا أن هذه القصيدة لم تنتهِ بعدُ، ففي الديوان نفسه قصيدة «قلق الغياب»، والعنوان يثير في ذاكرة قارئ الديوان مطلع القصيدة السابقة: وحين تغيب يغيب الجمال، فكأن هذه القصيدة غيمة ساقتها رياح النص السابق.
أما مطلع «قلق الغياب» فهو امتداد للنداءات الأخيرة في خاتمة القصيدة السابقة: تعال فإني لمست المحال، وكأنه نتيجة لتلك النداءات، وثمرة من ثمرات ذلك الغياب. لقد ختمت ذلك الحلم بالنداءات، وها هي ذي تستأنف لوعتها؛ حيث لم يرتد لها سوى الصدى:
ولأنه لم يرجع لها سوى أصداء نداءاتها؛ كان هذا البدء شكوى مريرةً من الغياب، والتجاهل، والجفا.
هذا التطواف بين قصائد هذا الديوان يؤكد أن أعمال الأديب مترابطة إلى حد كبير، فقد مثّل (الحلم) وما يتعلق به بؤرة تستقطب بعض العناوين، «عبرتني حلماً، في البدء كان الحلم، جزيرة الأحلام، الحلم سرّ الذاكرة، مرساة الحلم»، وكأن الحلم سلسلة تنتظم العناوين. كما أن بعض قصائده انقدحت من بعضها الآخر، أو شكّلت بعض القصائد سياقاً غائباً لمفتتح بعض القصائد الأخرى، وكانت ذاكرة المتلقي مسرحاً تلتقي فيه هذه النصوص فيشي بعضها ببعض وشاية شعرية مدهشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.