هدأت العاصفة، وانتهت الجلبة، وتحقق حلم كثيرين من أهالي الزلفي، ولعب الهلال في محافظتهم الرائعة التي انتظرت عصر السبت الماضي بكل تفاصيله منذ سنوات طوال. خسر فريق الزلفي داخل الميدان – وهو أمر كان متوقع سلفاً – لكن ذلك لم يكن ليفت في عضد أبناء الزلفي، ولم يؤجل تحقيق طموحاتهم، كان العمل من أجل تقديم الوجه الحقيقي للزلفي المحافظة، وتقديم الصورة المميزة لأبنائها، وكل ما يليق بالضيف الكبير، والتأكيد على أن كل شيء يتواضع أمام الرغبة في النجاح، وأن نصال العمل والبذل لا يمكن أن تخضع لنصال النمطية وتقديم الشيء المعتاد... وفي النهاية لن يقول أحد لماذا. فور تأهل الزلفي لدور ال16 وتأهل الهلال معه لذات الدور، تحول النادي لخلية نحل، وبدأت التحركات في كل الاتجاهات من أجل عكس الصورة الحضارية للمحافظة، أتذكر قبل مباراة الهلال والزلفي أن أحد الإخوة قال لي: إن إدارة الزلفي قررت تركيب مدرجات إضافية لملعب كرة القدم لمقابلة الحضور الجماهيري الكبير الذي يتوقع أن يزحف ليكحل عينيه بمشاهدة الهلال وهو يلعب على أرضهم، كنت أظنه في البداية يمزح لمعرفة ردة الفعل.. قلت له إن ذلك قياساً بتجارب مماثلة تدور حولنا: مستحيل، قال: سترى، جلت بالذاكرة على ملاعب الشعلة والأخدود والحزم التي تقام أو أقيمت عليها مباريات الدوري الممتاز وكيف ظلت بلا مدرجات إضافية زمناً طويلاً، فكرت بالتأخر الكبير الذي تعيشه بعض المشاريع، فكرت بخطورة تركيب مدرجات تتسع ل4000 متفرج في ظرف أسبوع ونيف، والأخطار التي قد تحيط بالأمر، فكرت بالعدد الكبير من الحضور فيما لو تزاحموا عند مداخل النادي، ولم تكن المدرجات قادرة على احتمالهم... فكرت بعواقب الأمور وما قد تصير إليه لو لم تتم حسب خطط المنظمين، ولم أنس أيضاً أن أتذكر أن الرجال سيكونون في الموعد، وأن ما أراه مستحيلاً اليوم سوف يكون واقعاً بعد أيام!! وهو ما حدث. كان بإمكان إدارة نادي الزلفي أن تجعل المباراة مثل غيرها، ووفق الإمكانات المتاحة لمقر النادي (فئة ج من المقرات النموذجية للأندية السعودية - افتتح عام 1406ه) لكنها لم ترضخ للواقع ولم تستسلم للإمكانيات، فكان العمل الجبار الذي شاهده الرياضيون السعوديون وظل محور حديثهم ونقاشهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وكان النجاح الكبير في استضافة فريق تتابعه القارة برمتها، وتعرفه كل أنديتها ومدرجاتها. تمت توسعة المدرجات، وطباعة تذاكر مرقمة (ولك أن تتخيل أن المباراة تبدأ عند الرابعة ومعظم الجماهير لم تستعجل الذهاب كما يحدث في الملاعب الأخرى فالكرسي مضمون والموقع المناسب محجوز لذا كان الدخول بسلاسة تامة ودون زحام أو تعقيدات رغم أن رقم 8160 متفرج هو الأعلى في تاريخ النادي وربما لا يتكرر في المستقبل المنظور). تم أيضاً إعداد كافة التجهيزات للملعب وغرف تبديل الملابس، والحصول على رعاة للمباراة، وتركيب لوحات الدعاية الإلكترونية، وشاشة التوقيت والنتيجة، وتركيب كراسي اللاعبين البدلاء وفق أحدث المواصفات، وتضافرت كل جهود الجهات المعنية، فظهرت المباراة في النهاية كما يجب، وتم استثمارها كما ينبغي وبما يليق بالزلفي المحافظة وبالهلال النادي والضيف الكبير. خارج الميدان وخارج النادي... كان الهلال حديث الشارع في الزلفي، حديث الشيوخ والشباب والأطفال، حديث الرجل العادي البسيط والرجل المسؤول، حديث المواطن والمقيم، كل يتحدث عن الزائر الكبير، وكل يترقب ساعة الوصول، وكل يتحدث أيضاً عن نادي الزلفي الذي نجح في إحضار زعيم القارة إلى محافظتهم، وكل يتحدث عن نجوم الزلفي الفرهود والموسى والغنام أخوان والرويلي والعتيبي والمولد، وماذا سيقدمون أمام الهلال، الجميع كان يتبادل الرسائل حول البرامج الرياضية التي تتحدث عن ناديهم وتلتقي مسيريه، الجميع كان يتحدث عن الداعمين للنادي لاسيما الدكتور جارالله العضيب وشركة نجوم السلام؛ حيث قدم دعماً ماليا ومعنويا، ووقف مع الفريق والنادي طوال المرحلة السابقة، وعن ناصر النخيل الشاب الذي صنع الكثير للنادي، وعن نائبه عبدالله الناصر الذي يتابع كل كبيرة وصغيرة، ويقف على كثير من الأمور، وعن مدير الكرة محمد العبيد الذي يمضي وقتاً طويلاً في متابعة الفريق وأحواله واحتياجات لاعبيه في موسم صعب، وعن مدرب الفريق زكي وما الذي سيعده لمقابلة فريق بحجم الهلال وتاريخ الهلال وهيبة وشموخ الهلال... وعن الأستاذ محمد المنيع الذي كان وراء تغيير اسم النادي من مرخ إلى الزلفي وعشقه لناديه ومحافظته ونجاحاته الإدارية التي أوصلته إلى مسؤوليات كبرى في الاتحادين العربي والسعودي لكرة اليد.. وعن وعن!! وليعذرني من فات علي ذكر اسمه هنا من الأحبة والأخوة. خارج الميدان وداخل الميدان في الزلفي لم يأت الهلال بجديد ولم تأت جماهيره بجديد، وهي تثبت أولويتها وولائها وعشقها الذي لا حد له.. فقد استقبلت فريقها كما يليق به، وحيت لاعبيها كما يجب، واحتفت بالأسطورة الحية سامي الجابر بشكل يوازي تاريخه الذي لا يقارن، ورافقته في مواكب مهيبة لا تتكرر منذ ساعة الوصول حتى لحظة المغادرة... وأكدت من جديد أن الهلال هو سيد المدرج كما هو سيد الملعب.. بالأرقام والحقائق، وليس العواطف والأمنيات. في العشرين من فبراير الماضي قلت هنا: (يجب أن لا تحرم الزلفي اليوم من الهلال غداً من غير الهلال، لدواعي تنطيمية وغيرها، فالوقت كفيل بإنجاز كل شيء، وأبناء الزلفي على قدر المسؤولية، وهم لها في الرياضة كما كانوا لها في كل مجال.. وهل يجهل أحد الزلفي وأهلها؟؟)... هل أدركتم ما كنت أعنيه الآن؟؟ أخيراً انتهت الحفلة وانتهى دوري الثانية بالنسبة لفريق الزلفي، وأعتقد أن الفريق حقق نجاحات باهرة هذا الموسم، ونجح في بناء مجموعة قوية شابة بإمكانها أن تحقق الحلم الكبير وهو التواجد في دوري الأولى.. ومن ثم التفكير بالخطوة التالية.. ما تحقق هذا الموسم يجب أن يكون الانطلاقة، وهو ما أحسبه في ظل وجود الإدارة الشابة التي يجب أن تكمل مشوارها مع النادي خلال المرحلة الصعبة المقبلة. شكراً للهلال ... شكراً للزلفي فقد عشنا في المحافظة ساعات كلها بهجة وسرور وسعادة وحبور، لِم لا: ... والزعيم هو من يزور؟؟