لقد تابعت كغيري من المهتمين مبادرة (مسكني) والتي أطلقها الدكتور عبدالله الغذامي عبر حسابه في تويتر في 1-1-1433ه والتي هدفت في الأساس إلى الإسهام في تخفيف مشكلة الإسكان لجيل الشباب في المملكة من خلال عدة خطوات تبدأ بدعوة كبار ملاك الأراضي للتبرع بشيء من أراضيهم لمشاريع الإسكان وتنتهي بقيام المتبرع بتسليم أرضه لجهات يختارها لإقامة وحدات سكنية وفقاً لإجراءات رسمية وقانونية. وإنني في البداية أشكر الدكتور عبدالله الغذامي على هذه المبادرة فهي- في الواقع- تنم عن احساس عميق بالمسؤولية تجاه هذه المشكلة وهذا الإحساس- في نظري- لو سرى إلى صناع القرار والتجار والمسؤولين بنفس المستوى لقطعنا نصف المسافة لحل هذه الأزمة، وعموماً، فإنني أرى أن هذه المبادرة الكريمة لن تكون حلا لهذه الأزمة على المدى القريب أو البعيد من الناحية العملية، ولكن يكفي من هذه المبادرة أنها سلطت الضوء والاهتمام على أزمة جوهرية لم تحظ بالاهتمام الكافي في أوساط أصحاب القرار والمسؤولين، والتي من الممكن أن تجاهلها يتسبب في زعزعة كيان الدولة على المدى البعيد، وفيما يلي سوف أذكر بعض العوامل التي أثرت على أسعار العقار في السعودية، ثم سأتطرق للعوائق والتي من الممكن أن تواجه المتصدرين لحل هذه الأزمة، وفقا لما يلي: أولاً: العوامل المؤثرة في أسعار العقارات في البيئة السعودية: في نظري أن مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات في السعودية ترتبط بعدة عوامل سأشير إلى أهمها فيما يلي: 1 - طبيعة الأراضي: كما هو معلوم أن الأراضي والعقارات ليس لها خاصية التوالد والنماء والاتساع وهو الأمر الذي يفسر الارتفاعات المطردة في أسعار العقارات على المستوى العالمي في ظل النمو الاقتصادي المتصاعد. 2 - تواطؤ أم تباطؤ: لا يخفي على أي متخصص في الاقتصاد والتنمية أن إصدار قرار يسمح ببناء الأدوار والأبراج السكنية سيساهم في علاج أزمة الإسكان في السعودية بوجه سريع واقتصادي، فالاتساع الأفقي يكلف الدولة المبالغ الطائلة لتجهيز البنية التحتية والخدمات الأساسية من ماء وهاتف وكهرباء وصحة وتعليم وأمن... إلخ. والواقع أن هذا المقترح قد تم طرحه عدة مرات منذ القديم ولا أدري ما هو سبب إحجام وتباطؤ صناع القرار لإصدار قرار يسمح ببناء الأدوار والأبراج السكنية العالية لاستيعاب الطلب المتنامي على الوحدات السكنية في ظل محدودية الأراضي في المدن الرئيسية خصوصاً والذي من شأنه تخفيف حدة هذه المشكلة إلى حد ما. 3 - الاستثمار الأمن والمربح والمريح: (العقار وولد بار) هي المقولة المشهورة في أوساط المستثمرين والتي تعبر عن حالة الأمن والوفاء والراحة التي يشعر بها أصحاب رؤوس الأموال الضخمة عندما يدفنون استثماراتهم في هذا الملاذ الآمن والمربح والمريح في نفس الوقت، فبعد الانهيارات التي مني بها سوق الأسهم السعودي وبالنظر إلى أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأزمة ديون أوروبا والتي دفعت أصحاب رؤوس الأموال إلى البحث عن ملاذ آمن ومربح لاستثماراتهم حيث يعتبر الاستثمار العقاري في المملكة من أفضل أنواع الاستثمار طويلة المدى خصوصاً في ظل محدودية الأراضي والطلب المتزايد عليها من التضخم السكاني، فلا يتوقع في الظروف العادية وجود تقلبات كبيرة في أسعارها، كما أن عدم قيام الدولة بسن تنظيمات لجباية الزكاة على الأراضي البيضاء والعقارات المعروضة للبيع يجعل منها المكان الأمثل لكنز وتجميع رؤوس الأموال الضخمة. 4 - التوزيع والإقطاع المنفعي أو العشوائي: وهذا الأمر هو أحد دعائم أزمة الإسكان الرئيسية والتي بدأت أشراطها بالظهور وهو من الآثار غير المباشرة لعدم وجود خطط تنموية طويلة الأمد ذات بعد استراتيجي، وقد بذر المسؤولون القدامى هذه الأزمة وهيأوا لها الأرض الخصبة وتعاهدها من بعدهم بالسقيا حتى أينعت الثمار ليقطفها الأبناء... فلم تكن هناك معايير واضحة وآليات عادلة لتوزيع منح الأراضي، كما أن الجوانب النفعية لعبت دوراً كبيراً في ذلك الوقت في توزيع وتداول تركة الأراضي بين هوامير العقار والمسؤولين في الدولة وصناع القرار مما ترتب عليه نشوء بوادر أزمة احتكار لهذه الأراضي من قبل هذه الفئات. 5 - تباطؤ الجهات التشريعية بإصدار آليات وضوابط لجباية الزكاة على الأراضي والعقارات: من يتتبع موقف التشريعات السعودية منذ القديم من فرض زكاة على الأراضي والعقارات يدرك الدلالة الظاهرة للنصوص النظامية على فرض الزكاة على الأراضي والعقارات كأحد عروض التجارة حيث نص المرسوم الملكي الصادر في 2-7-1405ه على أن الزكاة تجبى كاملة من جميع الشركات والمؤسسات وغيرها والأفراد ممن يخضعون للزكاة، كما أن المادة الثانية والثالثة من اللائحة التنفيذية نصت بأن الزكاة مفروضة على (رؤوس الأموال وغلاتها وكل الواردات والأرباح والمكاسب التي تدخل على المكلفين السعوديين من مزاولة تجارة أو صناعة أو أعمال شخصية أو ممتلكات أو مقتنيات نقدية مهما كان نوعها وكانت صفتها بما في ذلك الصفقات المالية والتجارية وريع السهوم وبصورة إجمالية كل دخل نصت عليه الشريعة السمحاء بوجوب الزكاة عليه، وعليه يتضح من السياق العام للنصوص السابقة أن جباية الزكاة لم تقتصر على عروض التجارة فقط، بل شملت جميع الأموال أيا كان نوعها، سواء كانت ثروة عقارية كالأراضي والعمارات، أو صناعية أو مالية كالعملات الورقية والأوراق المالية، كما أنها لم تستثنِ أحداً سواء كانوا أفرادا يتمتعون بالرعوية السعودية أو أي دولة من دول مجلس التعاون أو شركات سعودية مسجلة بالمملكة أو أي دولة من دول مجلس التعاون أو شركات سعودية مسجلة بالمملكة أو أي دولة من دول مجلس التعاون. وما إذا تمت ملاحظة وضوح هذه النصوص نجد الضبابية في موقف الجهات التنفيذية حول تطبيق هذه التشريعات الصريحة وفرض الزكاة على الأراضي البيضاء والعقارات المعروضة للبيع، ويعزى وجود هذه الضبابية والتباطؤ إلى عدة أسباب من أهمها: عدم الجهات التشريعية بإصدار لوائح وتعليمات لآليات جباية الزكاة على الأراضي والعقارات تكون عادلة ومقبولة وقابلة للتطبيق. ثانياً: العوائق المتوقعة لحل أزمة الإسكان: 1 - الاتفاق على معايير استحقاق موحدة ترضي غالب الشريحة المتضررة من أزمة الإسكان، حيث لنا تجربة حديثة وهي إعانة العاطلين عن العمل، وهو ما يسمى ببرنامج (حافز) والذي كان موضعا للجدل حول الاختلاف على ما هية الإعانة والهدف منها ومدى ملاءمة الضوابط الموضوعة لها. 2 - الصعوبات المتوقعة للوصول إلى قاعدة بيانات شاملة وحديثة ودقيقة لإحصاء أوضاع المواطنين المعيشية. 3 - عدم توافر المهارات والقدرات الخبرات الكافية لدى منسوبي الدوائر الحكومية للنهوض بمشروع بهذا المستوى والتخبط الذي من الممكن أن يفشل هذا المشروع. 4 - عدم تفهم بعض شرائح المجتمع للمتطلبات اللازمة لتنفيذ مشروع وطني لمكافحة أزمة الإسكان. 5 - معارضة بعض التجار وهوامير العقار على مبدأ فرض الزكاة على الأراضي البيضاء بالتذرع ببعض الفتاوى الدينية أو القرارات الوزارية أو ببعض التطبيقات الخاطئة من مصلحة الزكاة والدخل لاحتساب الزكاة، وخصوصاً أولئك الذين لهم نفوذ وصلاحيات واسعة لإصدار القرارات أو تأخيرها أو إلغائها. 6 - قيام البعض بالتهرب من دفع الزكاة من خلال التلاعب في تطبيق آليات تنفيذ فرض وجباية الزكاة خصوصاً إذا كانت هذه الآليات ركيكة وضعيفة ويمكن اختراقها. 7 - صدور أنظمة تتعارض مع مبدأ فرض الزكاة على الأراضي البيضاء والعقارات المعروضة للبيع حيث في نظري صدور قرار مثل قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء سيتعارض مع مبدأ فرض الزكاة على الأرض المعروضة للبيع؛ حيث سيكون هناك ازدواجية في فرض الرسوم على تلك الأراضي وسيظهر الخلاف والجدل بين مؤيدي فرض ضريبة الأراضي ومعارضي فرض هذه الضريبة كبديل عن الزكاة، ثم سيقوم أصحاب هذه المصالح باستغلال هذا الخلاف لتحقيق مصالحهم على حساب المواطن. وأخيراً.. ما الحل؟ في نظري أن نكون فاعلين في حل هذه المشكلة هو ما سيساهم فعلاً بحلها لذا فإنني سأقوم بشيئة الله في مقال قادم بطرح آلية مقترحة لحصر وجباية الزكاة الشرعية على الأراضي البيضاء والعقارات المعدة للبيع آمل أن تكون إحدى المساهمات في علاج مشكلة من الممكن أن تتسبب في زعزعة الاستقرار والأمن على المدى البعيد - لا قدر الله.