القيادة تعزي رئيس البرازيل إثر الفيضانات وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين    تغيير الإجازة الأسبوعية للصالح العام !    الذهب من منظور المدارس الاقتصادية !    مسؤول مصري ل«عكاظ»: مفاوضات القاهرة مستمرة رغم التصعيد الإسرائيلي في رفح    حماس.. إلا الحماقة أعيت من يداويها    أعطيك السي في ؟!    سمير عثمان لا عليك منهم    الاتصال بالوزير أسهل من المدير !    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة من اليوم وحتى الإثنين.. والدفاع المدني يحذّر    «إيكونوميكس»: 5.5% نمو اقتصاد السعودية «غير النفطي»    الأخدود لخدمة نفسه والهلال    ميزانية إنفاق توسعي رغم العجز    مشروع "بلدي" لأنسنة طريق الشفا الدائري بالطائف ورفع كفاءته    قوات سعودية تشارك في"إيفيس 2024″ بتركيا    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء صربيا بتشكيل الحكومة    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس مجلس إدارة شركة العثيم    احتجاجات داخل الاتحاد الأوروبي ضد العدوان الإسرائيلي على غزة    35 موهبة سعودية تتأهب للمنافسة على "آيسف 2024"    «المؤتمر الدولي للقادة الدينيين» يستهل أعماله بوقفة تضامنية مع شهداء غزَّة    "الداخلية" تنفذ مبادرة طريق مكة ب 7 دول    وزير الشؤون الإسلامية يدشّن مشاريع ب 212 مليون ريال في جازان    «حِمى» أصداء في سماء المملكة    النيابة العامة: السجن 15 سنة لمروّج إمفيتامين    المناهج في المملكة تأتي مواكبة للمعايير العالمية    أمير المدينة يرعى حفل تخريج طلاب الجامعة الإسلامية    مشوار هلالي مشرف    «إثراء» يسرد رحلة الأفلام السعودية في 16 عاماً عبر «متحف حكاية المهرجان»    وغاب البدر    طلاب «مصنع الكوميديا» يبدؤون المرحلة التعليمية    القادسية يعود لمكانه بين الكبار بعد ثلاثة مواسم    أمير تبوك يشيد بالخدمات الصحية والمستشفيات العسكرية    «أسترازينيكا» تسحب لقاح كورونا لقلة الطلب    احذروا الاحتراق الوظيفي!    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء صربيا    البدء في تنفيذ 12 مشروعاً مائياً وبيئياً بقيمة 1.5 مليار بالمنطقة الشرقية    9 مهام للهيئة السعودية للمياه    سعود بن مشعل يكرم متميزي مبادرة منافس    الفيضانات تغرق مدينة بالبرازيل    انطلاق المؤتمر الوطني السادس لكليات الحاسب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    ساعة HUAWEI WATCH FIT 3 أصبحت متوفّرة الآن للطلب المسبق    القبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر بالمنطقة الشرقية    محمد بن ناصر يقلّد اللواء الحواس رتبته الجديدة    مركز التحكيم التجاري الخليجي يطلق مبادرة "الأسبوع الخليجي الدولي للتحكيم والقانون"    مهما طلّ.. مالكوم «مالو حلّ»    برعاية وزير الإعلام.. تكريم الفائزين في «ميدياثون الحج والعمرة»    محمد عبده اقتربت رحلة تعافيه من السرطان    4 أمور تجبرك على تجنب البطاطا المقلية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُجري جراحة تصحيحية معقدة لعمليات سمنة سابقة لإنقاذ ثلاثيني من تبعات خطيرة    الأمير خالد بن سلمان يرعى تخريج الدفعة «21 دفاع جوي»    ولي العهد يعزي هاتفياً رئيس دولة الإمارات    المدح المذموم    البدر والأثر.. ومحبة الناس !    تغريدتك حصانك !    انتهاك الإنسانية    وزير الخارجية ونظيره الأردني يبحثان هاتفياً التطورات الأخيرة في قطاع غزة ومدينة رفح الفلسطينية    مؤتمر الحماية المدنية يناقش إدارة الحشود    القيادة تعزي رئيس مجلس السيادة السوداني    بدر الحروف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف عبدالعزيز يستعيد طفولته المقدسية في «قناع الوردة»
نشر في الحياة يوم 06 - 11 - 2009

هل هناك من علاقة تذكر أو تقال بين الشعر والورد؟ سؤال تلقائي ارتسم في ذهني بعد لحظة واحدة من قراءتي عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر يوسف عبدالعزيز «قناع الوردة»، وكدت أصرخ لكي تسمعني نفسي بأن الشعر والورد صنوان في المعنى القريب والبعيد للحال الغامض، وكلاهما قناع لمعنى خفي ليست الرائحة واللون في الورد إلا التعبير الخارجي عنها، وليست اللغة والموسيقى إلا بعض معنى الشعر. وللتعريفات المتعددة والمختلفة عن هذا الفن الرفيع، الذي هو الشعر أن تحاول البحث عن تخوم قريبة أو بعيدة مرئية ولا مرئية، تحد هذا الفن أو تسبر أغواره، لكنها دائماً تظل عاجزة عن الوصول الى ما ترغب الوصول اليه، لأن الشعر يشبه الرائحة الجميلة رائحة الورد مثلاً، تلك التي يمكن الحديث عن أثرها، ولا يمكن الامساك بها أو الحديث عن لون لها أو كيان.
يوسف عبدالعزيز شاعر فلسطيني يقيم في الأردن، وهو يحمل وطنه المحتل في وجدانه شأن بقية الشعراء الفلسطينيين، الذين يعيشون خارج وطنهم وهم بالقرب منه، أو في المنافي البعيدة، يشعلون نار الكلمات في مواقد التذكار والحنين. والقصيدة الأولى في المجموعة وعنوانها «على كتف القدس» تعكس تلك الأحاسيس وذلك الحريق. ويأخذنا الجزء الأول منها الى شوارع القدس حيث كان الشاعر في صباه يتجول ويحلم:
«أبصر من مكمني بعد خمسين عاماً/ صبياً نحيلاً/ بعينين حائمتين/ وقنزعة من ذهب/ وهو يلمع وقت الغروب/ ويدلف مع أخته الشاة للبيت/ لا شيء في جعبتي/ غير حق من الذكريات/ أكبكبها في جرود المنافي/ فتخضّر...». (ص11).
تتألف هذه القصيدة - وهي الأولى كما سبقت الاشارة - من خمسة أجزاء طويلة نسبياً، ولكل جزء منها عنوانه الفرعي الذي يختزل بمفارقاته واستذكاراته بعض ما اختزنته تلك الأجزاء من دلالات وايحاءات. والعناوين هي: الزيارة، المشهد السكري، نقطة هاربة، قيامة سدوم، فرس من الورد. والمساحة المحددة لهذه الزاوية، لا تتسع سوى للاقتراب من نماذج محدودة مقتبسة من الجزء الأول «الزيارة»، حيث نتابع الشاعر، وهو يركض في شوارع القدس باحثاً عن طفولته وصباه: «في الباب رجّ الحنين ضلوعي/ وحاولت أن أتماسك/ همهم قلبي فكممته بالأصابع/ ثم مشيت وراء الصبي/ الذي راح يخفق مثل الحمامة/ في غيمة الطين/ في الفكرة الخُلّبية للبيت رحت أعانق ناري القديمة/ أبكي وأضحك/ أرقص محتفلاً بدماري» (ص 13).
من الواضح أن الشاعر عاد الى القدس بعد غياب طويل، وهناك تذكر نفسه وطفولته، وخرج بهذه السلسلة البديعة والحزينة من التذكارات، التي صنعت شعراً يجعلك تقف طويلاً تجاه ما يستحق الاستذكار من أزمنة وأمكنة، وشخوص مدثرة بالمرارة والتذكر الأسيان.
يتضح من قراءة مجموعته الأخيرة أن يوسف عبدالعزيز واحد من شعراء الأرض المحتلة الذين حسموا المعادلة لمصلحة الشعر، من دون أن يتجاهلوا قضيتهم الأولى وتحدياتها المتلاحقة. وتحت شرط هذا الحسم، تمكن يوسف من أن يقدم شعراً يموج بالمتخيل، ويلامس معاني الطبيعة والأشياء. وكما ظل وفياً لمتطلبات قضيته، فقد ظل مسكوناً بمجالات التحوّل في القصيدة العربية، فاقترب من أشكالها كافة، ويكاد الشكل الأجد (قصيدة النثر) يغلب على قصائد مجموعته الجديدة. وحين تقرأه في هذا الشكل، تجده لا يتخلى عن بهاء اللغة وجمالية التعبير، على رغم براعته في استخدام المفارقات وإطلاق التعليقات الساخرة: «وجهك البسيط/ يا له من قناع شفيف من الورد/ تختبئ خلفه/ عائلة كاملة من الأفاعي/ الليلة/ شاهدتك في براري الحلم/ بثديين محاربين/ تتصبب منهما النيران». (ص 79).
وليس محاباة أو مبالغة القول إن يوسف يمتلك مقدرة فائقة على التصوير، نهض من خلالها ليؤسس بصمات جديدة غير مسبوقة ولا مستهلكة، فهو يدرك خطورة الهجمة على هذا النوع من الشعر الأجد لا من خصومه فحسب، وإنما من المقبلين عليه بلا موهبة. وفي ما يشبه البيان كتب يوسف عبدالعزيز تحت عنوان «بروليتاريا قصيدة النثر» كلاماً جاء فيه: «لم تكن قصيدة النثر العربية لتقع في هذا الاضطراب والفوضى، لولا هذه الموجة الجديدة من الشعراء الذين تدفقوا من كل مكان ليكتبوها. لقد وقعت هذه الموجة تحت سطوة الإحساس العارم بامكانية كتابة الشعر فقط لكونه متحللاً من الوزن!». ولهذا فهو عندما ذهب الى النثر كان يدرك معنى أن يكتب الشاعر شعراً بالنثر بعد أن استوعب جماليات تلك الكتابة وشعريتها، وفي تجربته الأجد هذه لم يحمل معه ريشة ولا كاميرا ولا وزناً، الكلمات وحدها كانت رفيقته في رحلته الشعرية الى ذلك الأثر الجميل: «جئناها في الضحى/ وكان جسدها يتلألأ/ مثل غابة هائلة/ من المرايا/ كانت نائمة/ وكنا نخاف أن نوقظها/ فلم نتحرك/ إلا برشاقة وعول/ تتنقل بخفة مناديل». (ص 45).
وإذا كان المسار الشعري ليوسف عبدالعزيز قد وصل الى هذه الدرجة من الانفتاح على الحساسية المغايرة للكتابة الشعرية، فإنه يأنس للعودة بين حين وآخر الى مداعبة العمود، ولا أقول الى ممارسته وذلك في ومضات غاية في العذوبة والتوغل في الكينونة الأولى للشعرية العربية، تفيض بها مخيلة أبعد ما تكون عن المحاكاة والاجترار: «على حجر تبكي/ وتطرد قلبها/ ليرعى رماد الشمس/ في عزلة الورد/ تطيّر ناراً من مفازة صدرها/ وترعش كالعصفور/ من شدة البرد/ مسافرة كالنسر/ في ليل نفسها/ وأسيافُها في الركن/ مسنونة الحد». (ص 109).
واللافت أن هذه الومضات «التخييلية» البديعة تقف متجانسة ومتماهية مع نصوص المجموعة، وومضاتها الأخرى سواء تلك التي تنتمي الى التفعيلة أو الى قصيدة النثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.