وجد الانتقال السلس للحكم في المملكة اهتماماً محلياً وعالمياً واسعاً، جعل الكثيرين يتساءلون عن تفاصيله ومفرداته ورموزه وأشخاصه، خصوصاً أولئك الذين تضمنهم البيان الملكي الثاني بشأن ثلاثة تعيينات لولي العهد وولي ولي العهد ثم وزير الدفاع، الذي وقفت عند تعيينه تحليلات عدة، بوصفه رمزاً ل«الشباب» في المرحلة الجديدة من تاريخ الدولة السعودية. فمن هو الشاب «صاحب القامة الطويلة، والعوارض الأنيقة، والابتسامة الواثقة»، تقول إحدى تحليلات. «لا يكفي القول إنه ابن الملك الجديد وحسب. فهو أيضاً صاحب قصة». تبدأ أولى محطات الشاب الجديد عند تخرجه في جامعة الملك سعود، متأبطاً حقيبة «القانون» من كلية الحقوق في مرحلة شهدت فيها بلاده نقطة التفات كبيرة لإصلاح القضاء، ففي العهد نفسه خصص الملك السعودي الراحل 7 بلايين لتطوير «العدل»، أنظمة ومرافق وقوانين، وفيها كذلك انضمت المملكة إلى منظمة التجارة العالمية. غير أن الجامعة الأولى التي انتظم فيها الأمير منذ البداية، في نظر المدير العام السابق لمدارس الرياض الدكتور عبدالإله المشرف، كانت «جامعة أبيه» سلمان بن عبدالعزيز. ليس ذلك من قبيل التبجيل، إنما يضيف المشرف: «ذلك واقع الملك الذي عرفه الجميع، قائداً وإدارياً ومفكراً ومؤرخاً، واجتماعياً لطيفاً، حازماً مهاباً». وفي جانب التنشئة خصوصاً، يروي المشرف شهادته بأن والد وزير الدفاع الجديد ما كان يسمح للمقام الاجتماعي بأن يؤثر في الصرامة التربوية والبناء التعليمي لأبنائه وأنجال أسرته ممن كانوا أغلبية في المدارس التي أدارها سنوات عدة. وقال: «عندما عيّنت مديراً للمدارس، خشيت أن يتطلب مني الحزم، اتخاذ مواقف ينال شيء منها بعض أبناء الأمير أو من في حكمهم من أنجال الأسرة الحاكمة، فسألت في ذلك الأمير سلمان آنذاك، فقال لي: أي طالب يدخل المدرسة انزع منه كل الألقاب والأسماء حتى يخرج منها، وأول من تطبّق عليه ذلك أبنائي، ونحن معكم في أي قرار تربوي تتخذونه». وحين بدأ المشرّف يمارس صلاحياته في المدارس، احتاج بعض الأحيان لاتخاذ قرار بشأن طلاب من الأسرة الحاكمة، توترت علاقاتهم مع المدرسة، حتى وصلت حد طي قيدهم منها، إلا أنه كما يقول: «ظل الملك مثلما تعهّد، بل إنه في بعض الأحيان لا يسأل مجرد السؤال عن حيثيات قرارانا. إنما يدعمه ويمضي». لكن ذات مرة يقول الخبير التربوي: «وجدت في إحدى الساحات طالباً يسير أمام معلميه كما لو أنه لا يلقي لهم بالاً، فسألت عمن يكون فقيل إنه ابن فلان ذو الشأن السياسي المرموق، فلما استدعيته وجدته عنيداً بعض الشيء، وحينها طلبت من معلميه تكليفه ببحث في المنزل عن آداب الطالب مع معلمه ليومين لا يحضر فيهما المدرسة، إلا أن الطالب لم يشأ الرضوخ للتوجيه، فأصرت الإدارة على موقفها. وبقي محروماً من الدراسة». وزاد: «حينما علم الملك سلمان بالأمر اتصل بالمدرسة واستفسر، فأخبرناه بما جرى، فدعم القرار الذي اتخذناه، ومن ثم اتخذ الطالب خياره بالانسحاب من المدرسة، عندما لم يشأ الالتزام بتوجيهاتها وقوانينها». وبينما أكد المشرف تشجيع الملك على الحزم في الميدان التربوي، أشار إلى أن ذلك يصاحبه توقير كبير للمعلم واعتناء بالطالب، لدرجة أنه ما كان يرد طلباً مصدره المدارس، وفي ذلك العهد «أقامت مدارس الرياض مؤتمراً شارك فيه شباب سعوديون وخليجيون، وفي نهايته طلبوا لقاءً لم يكن مجدولاً مع الأمير سلمان آنذاك، وبالفعل اتصلنا به، فأعطانا الميعاد من ساعته للقائه في ذلك اليوم، على صرامته المعهودة في المواعيد، إذ في الظروف الطبيعية كان علينا في أقل الأحوال أن نطلب الموعد قبل أسبوع». وبحكم قرب التربوي السعودي من أبناء الملك وأفكارهم، قال إنه كان حريصاً على متابعة أبنائه وتنويع مشاربهم الثقافية. وكان خادم الحرمين الشريفين أوضح في مناسبة ثقافية قبل بضع سنين أنه يشجع أبناءه على القراءة والاطلاع، موفراً في سبيل ذلك مكتبة علمية غنية، كان الملك أسسها لنفسه، ووجدت أصداء بين المثقفين السعوديين والعرب الذين زاروها. أما بالنسبة لوزير الدفاع الجديد، الذي أصبح المسؤول الأول في مدارس الرياض، فإن الدكتور المشرف يختصر شخصيته ب«الرجل المولع بصناعة القادة»، مشيراً إلى أنه من بين ملامح شخصيته أنه «طويل الصمت، غير أنه إذا أبدى رأياً بناه على دراية وشجاعة. وحين يقتنع بالفكرة فإنه شجاع في اتخاذ القرار، ولا يتردد قبل ذلك في مراجعة رأيه عندما يبدي ذوو الاختصاص رأياً مغايراً». وضرب المشرّف على ذلك أمثلة في الشأن التربوي، إلا أن ما لفت نظر المشرف أكثر أن الأمير محمد، «عندما يتناقش معه أي موضوع، تجده في الجلسة المقبلة يعود وقد قرأ فيه دراسات أو كتباً. فيفاجئك بمعلومات تثري موضوع البحث والنقاش». وتشير شخصية أخرى مقربة من الأمير الشاب، (فضل عدم ذكر اسمها) إلى أن «لديه اهتماماً خاصاً بالمنظمات (غير الربحية)، ولذلك ترى مؤسسة «مسك» التي أنشأها ويترأس مجلس إدارتها، ومركز الأمير سلمان للشباب، ومدارس الرياض، وجمعية الملك سلمان للإسكان الخيري...إلخ كلها جهات غير ربحية». لافتاً إلى أن ثمة فرقاً جوهرياً بين الخيري وغير الربحي. ويؤكد المدير التنفيذي لجمعية الملك سلمان للإسكان المهندس علي العبودي، أن الأمير محمد وجه بإعادة هيكلة المؤسسة، لتكون مركزاً تنموياً، يبني مخرجات مؤثرة، تتجاوز تقديم خدمات الإسكان المجانية إلى بناء الإنسان، وتطويره ذاتياً. ومع أن الأمير محمد مضى على تخرجه في الجامعة فترة ليست بالطويلة، إلا أنه تمكن عبر طموحه ومبادراته الذاتية من ترك بصمات مؤثرة على المستويات الاجتماعية والشبابية، وكذلك التطوعية، والمناصب السياسية الرفيعة التي تقلدها، خصوصاً في رئاسته ديوان ولي العهد سابقاً (والده الملك سلمان)، إذ أبلغت مصادر مقربة منه «الحياة»، أن الأمير أسس عمله هنالك على مساري «التطوير الاستراتيجي والتطوير التفاعلي»، بواسطة تقنية المعلومات، ومهارات بيوت الخبرة العالمية. ويتحدث المقربون من الشاب الذي كان حتى قبل توليه حقيبة الدفاع عضواً في مجلس الوزراء عن شغفه الشديد بمجال «إدارة المشاريع»، وتسخير التقنية في ذلك، إلا أنهم يثقون بأن ذلك كلفه جهداً لا يكاد يصدق في عمل يقضي فيه أحياناً 18 ساعة متواصلة!