تعرض الإماراتية تهاني الهاشمي في روايتها «حب في الزحام» (الفارابي، بيروت) جوانب من التفتت الذي يتناهب المجتمع، من خلال تصويرها واقع فتاة تحاول التماسك والتجلد في مواجهة أعباء الواقع. تُمرئي الهاشمي عبر شخصية راويتها ناديا بعضاً من النزاعات النفسية والعاطفية والجسدية التي تجتاح البشر وتتحكم بالمصائر. تحكي البطلة ناديا تفاصيل حياتها وحياة أسرتها، وكيف تعيش في ظل غياب الأب الذي طلّق الأم، وتركها ليلتحق بزوجته الجديدة. ناديا كبرى إخوتها، تنهض بدور الأب أحياناً، كما تقوم بدور الأم لاحقاً، بعد أن تتزوج أمها على طريقة الزواج المسيار، وتنشغل بزوجها الجديد، محاولة تعويض خسارتها لزوجها، وكأنها تسترجع بذاك الزواج بعضاً من كبريائها المهدور. فترضى بواقع زواجها الثاني وتحاول التوفيق بين واجباتها كأم لثلاث بنات وولدين، ومطالب زوج ينشد معها المتعة، ويسعى إلى التخفف من أعباء العمل والأسرة. يعكس تصوير التهامي للواقع الاجتماعي تنوعاً في زوايا النظر والمعالجة، ووسائل التعاطي مع الرجال، فالأب ناصر الأناني يترك أولاده وأسرته ويتبع غرائزه مع زوجته الثانية. والخال العقيم عامر يعوض شيئاً من حرمانه من الإنجاب عبر إسباغ حبه على أبناء أخته، ولا يترك فرصة من دون أن يكون إلى جانبهم قائماً بدوره ودور الأب، حتى أن الأطفال ينادونه أحياناً «بابا». ثم يكون هناك الآخر المشابه لناصر، وهو عبداللطيف، الذي تصبح والدة ناديا بالنسبة إليه محطة للمتعة والترويح، فارضاً عليها شروطه بضرورة عدم إنجاب الأولاد. ثم تحضر النماذج الشبابية التي تحيط بناديا، وهي التي تحار في ما بينها. يعجبها من كل واحد منهم جوانب بعينها. فطلال الحبيب المتردد يمضي برفقتها أوقاتاً ممتعة، يؤملها بالمستقبل والزواج، فتطلق ناديا العنان لأحلامها معه، لكن خيبة أملها تكون قاهرة ومؤثرة حين يصدها. من ثم تنقطع أخباره عنه وتنقطع اتصالاته، هو الذي كان يفترض به أن يبادر لخطبتها وفق تصريحاته وإعلانه لها. ومع غياب طلال يظهر فارس، زميل العمل، فيسعى بدوره إلى التقرب من ناديا. يقوم بمبادرات رمزية تفرحها، ويتروى في مصارحتها بحبه لها وشغفه بها، وهي التي تظل منشغلة عنه بطلال وتوتراته التي تتسبب لها بالأذى، ذلك أنه حين يعود إليها بعد غيابه المتكرر، يخبرها أن أهله يرفضون خطبته لها، لأن أسرتها مفككة. تكون مصارحته لها بالغة القسوة عليها، بحيث تصيبها في مقتل، فتجد نفسها صريعة آلامها، وفي الوقت عينه متخففة من قيود حبه المكبلة لها، وتفسح لقلبها المجال لتبادل العاطفة مع فارس، الذي يغدو فارس أحلامها. ومع طلال وفارس يتواجد سعود أخو صديقتها أسماء، وهو يكتم حبه لناديا، ولا يقدم على البوح به إلا في وقت متأخر، إذ تكون فرصته قد ضاعت للحظوة بقلبها، نتيجة تردده بين الإقدام والإحجام، ويكون في ضياع المحبوبة أبلغ درس له على تردده. أما صور المرأة التي تحضر في الرواية، فهي متشعبة. تتبدى تنويعات على أوتار اجتماعية، تعكس واقع فئات وشرائح متعددة، وتدور في فلك الحب والرغبة والصد والرد وتجاذبات الحياة المعاصرة، وتأثيراتها على نمط الحياة، وتطبيعها للناس بطابع مختلف. الأم تكون مقهورة قاهرة في الوقت نفسه، تصدر خيبتها بالاقتصاص من امرأة غريبة، تعوض بؤسها بالتسبب لأخرى -لا تعرفها- بالبؤس. الأختان نازك ونسرين تكونان نعم الأختين، تقترنان بمن ترغبان، في ظل تفهم الآخرين لهما. في حين أن أسماء تكون نعم الصديقة لناديا، تكون بيت أسرارها، تتفهم أسبابها ودوافعها، تقدم لها النصيحة، وهي التي بدورها تغرق في حب مستحيل وسط رغبة حبيبها المفترض عنها، وقبولها اللاحق بأخيه... مشاعر مختلطة تبرز الهاشمي عبر حالات الحب التي تعالجها وتصورها، اختلاط المشاعر بعضها ببعض، وكيف أن الحب الذي يكون الغاية العظمى، يتحول إلى مادة للترويع أحياناً، وموضوعاً للاستهلاك، أو لإيذاء الناس. أما الزحام الذي يتصدر العنوان، فيحضر بصيغ شتى في الرواية، كزحام المآسي بداية، ثم تراكم الأخطاء، وتداخل المشاكل، لتصل الشخصية إلى حالة زحام تجد نفسها عالقة في بحورها، حيث ثلاثة عشاق يحيطون بها وينشدون وصالها، ويبدون استعدادهم للتقدم لخطبتها. لكنها تفلح في التحكم بمشاعرها بوعي ومسؤولية، وتختار من تجد فيه المستحق لقلبها وحبها. ويتبدد الزحام بالقرار الذي تتخذه، ويكون قرارها جالباً للحلول، وبداية للإصلاح، إذ أن الاب يعود إلى رشده بعد نوبة مفاجئة داهمته، وترك زوجته له، ثم عودته إلى كنف أسرته تدريجاً، وتقربه من والدة ناديا ليلم شمل الأسرة من جديد، بعد إبداء تندمه. تتبدى قسوة الواقع في الرواية من خلال تحميل بعض الشخصيات أوزار غيرها، بحيث يتم الحكم على ناديا بناء على تصرفات أمها وأبيها، بعيداً من شخصيتها، أي يتم تهميش الأهم وتعظيم الهامشي، فتكون الشخصية حلقة في دائرة اجتماعية كبرى، تؤثر عليها بشكل خطير، لدرجة أنها ترسم لها مصيرها، وتتحكم بحياتها وتحتم عليها خيارات بعينها. تستعين الكاتبة بمقتطفات من بعض الأغاني (فيروز...) ومقتبسات من بعض القصائد، تمهد بها لبعض فصول روايتها، وتعكس تلك المقاطع التشابك المستديم بين الواقع والأحلام. كما أن عنوان الرواية وإن كان يتماهى مع بعض عناوين أفلام الحقبة الرومنطيقية في السينما العربية، ومع اختيار النهاية بنوع من الرغبوية، بحيث تكون السعادة بالانتظار، أي تختار البسمة لتكون خاتمة الأحزان التي تمر بها الشخصيات، إلا أن ما بين العنوان والخاتمة، يختصر الكثير من الشجن، والاعتراف، والجرأة في مقاربة واقع يتم تجاهله والتعتيم عليه أحياناً، والغوص في تفاصيل الحياة المعاصرة في مجتمع مركب، يزداد فيه التعقيد يوماً بيوم. تُبقي التهامي المكان عائماً، وتكتفي بإشارات إلى معالم ترفيهية في البلد، من دون أي تحديد للمدينة، في حين أن الزمن يتركز على الراهن، مع استرجاعات سريعة للماضي. وتعتمد الكاتبة اللهجة العامية في الحوار، تكسر من خلالها إيقاع السرد البواح بمجمله.