مع انتقال مركز الجاذبية إلى الدول الصاعدة، تنتقل حركة الأفكار والاستثمارات معها. إذ تحرص الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات على التوسّع في هذه الأسواق، وتلقى منافسة من دول مثل الصين. ويجري التنافس علمياً في حقول يمكن وصفها ب «الأربعة الكبار». 1- المعلوماتية والاتصالات: تدخل عصر البيانات الكبرى. تصبح القدرة على تداول المعلومات وتخزينها، شبه مجانية. تمنح الشبكات و«حوسبة السحاب» نفاذاً عالمياً وخدمات واسعة. تُصنع أسواق جديدة من الشبكات الاجتماعية وأمن المعلومات. هناك 3 تطوّرات تغيّر شكل الحياة اليومية هي: التوصّل إلى طُرُق فعّالة في تخزين المعلومات الضخمة واسترجاعها والتفتيش عن المعلومة فيها، التقدّم في الشبكات الاجتماعية، و»المُدُن الذكيّة» Smart Cities التي تحتوي تقنيات متقدّمة في العيش الحضري تدعمها نُظُم معلوماتية متطوّرة وآمنة. في هذه المُدُن، تظهر مثلاً «لوحة مفاتيح المدينة» City Dashboard التي تُمكّن صُنّاع القرار من الحصول على معلومات حيّة عن أوضاع المدينة، لحظة بلحظة. وتحتاج هذه الأمور إلى بنى تحتية ضخمة، ما يفتح أمام الشركات العملاقة باب توظيف أموال ضخمة في الدول النامية. واستطراداً، تحتاج هذه التوظيفات إلى تغطية استراتيجية فعّالة. 2- الصناعة بأساليب متقدّمة والأتمتة المتطوّرة (خصوصاً «علوم الروبوت» Robotics). إذ أنها أمور ترسم صورة الإنتاج الموسّع للسلع والخدمات. ويتوجّب على الدول التي تريد أن تنافس عالمياً أن تدفع بشركاتها لامتلاك قدرات تُناظِر ما تمتلكه الشركات العملاقة العابرة للقارات، على غرار ما أنجزته الصين فعلياً في صناعة الألواح الضوئية- الفولتية Photo Voltaic Panels التي تحوّل أشعة الشمس كهرباءً بصورة مباشرة. وحاضراً، يعمل 1.2 مليون روبوت ضخم في الصناعة، ويوظّف الجيش الأميركي آلاف الروبوتات العسكرية في المعارك براً وجواً، وتجوب أولى الروبوتات المدنية المتخصّصة أروقة مستشفيات كبرى للتنظيف وإعطاء الأدوية ورعاية كبار السن والمساهمة في العمليات الجراحية وغيرها. ويتطوّر الروبوت في محاكاة البشر، لكنه يفوقهم في الاستشعار والقوة الميكانيكية، ويمكن إدارته بصورة مباشرة أو عبر الشبكات، مع الإشارة إلى الأهمية المتزايدة للمركبات المؤتمتة، سواء كانت ذاتية التحكّم أم مُدارة عن بُعد Remote & Autonomous Vehicles . ولا شيء أقل من وصف «ثورة صناعية ثانية» لوصف التطوّر في تقنية «الصناعة بالطباعة المُجسّمة» التي تُسمّى أيضاً «الصناعة بالتراكم الجمعي» Additive Manufacturing. 3- تقنيات المصادر الحيويّة Technology Resourceوأمنها. وتشمل المحاصيل المُعدّلة جينياً، والزراعة الدقيقة المستندِة إلى المعدّات المؤتمتة، وتقنيات المياه والريّ، وطاقة الشمس، والوقود المستند إلى المواد البيولوجية Bio- Based Fuel وغيرها. وقدّمت أميركا النموذج الأقوى في هذا المجال إذ أحدثت انقلاباً زلزالياً في مشهد الطاقة العالمي بفضل تقدّمها في تقنيات استخراج النفط من الصخر الزيتي والتطوّر في استخراج الغاز وغيرها. 4- الرعاية الصحيّة التي تتصل بمعدل الأعمار وتخفيف المعوقات الناجمة من الحالات الجسمية والعقلية، وتحسين أداء الفرد في شبابه وشيخوخته. إذ تبرز تقنياتها في التعامل مع الأمراض، وكذلك تدعيم أداء الإنسان. يعتبر الأمر الأخير بُعداً جديداً في الطب. ويركّز على رفع قدرات الكائن الإنساني، على غرار استعمال الأطراف الاصطناعية المربوطة بالجهاز العصبي مباشرة، وكذلك تقنية «الهيكل الخارجي» («إكزو سكلِتون» Exoskeleton)، وهو هيكل روبوتي يجعل مرتديه يحصل على أضعاف ما يحوزه من القوة بدنياً وعضلياً. وتبرهن الأدوات التي تعمل على التقاطع بين أدمغة البشر من جهة والآلات الذكية من جهة أخرى، خصوصاً زرع أدوات داخل الدماغ، على إمكان تجسير الهوّة بين الدماغ والآلة. واستطراداً، يسير الوضع الحاضر للتقنية إلى أفق لا يصل فيه مسار تدعيم قدرات الأفراد إلا إلى الميسورين، ما يهدد بإيجاد تمايز اجتماعي من نوع جديد، بل مجتمع «مزدوج»، بين الأفراد المُدعّمين بالآلات والعاديين غير المُدعّمين Enhanced & Non Enhanced Persons. وكذلك لا تخفى صلة هذه التقنيات بالمجال العسكري أيضاً، إضافة إلى اهتمامه بمناحٍ أخرى من هذه التقنيات على شاكلة أسلحة الإرهاب البيولوجي. ومن ناحية ثانية، تتصل تقنيات التعامل مع الأمراض (خصوصاً مع الاقتراب من عصر تفكيك الجينوم الشخصي للأفراد بكلفة تقل عن ألف دولار) بمعدلات الأعمار التي تؤثر في المعطى الديموغرافي، وهو عنصر أساسي في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والصناعة ومناحي الحياة المختلفة، كما تساهم في توسّع الطبقة الوسطى، وهو شأن له أهمية بارزة في البلدان النامية.