ثمة مشهد يتكرر ظهوره على الشاشة كثيراً. لكنه يأبى أن يغدو مشهداً مألوفاً وعابراً، فالتكرار لا يمنحه تلك الألفة، بمقدار ما يثير، في كل مرة، أسئلة وهواجس عن فروقات بين البشر لا ينبغي أن تظهر على هذا النحو الفاقع. رئيس البلاد في هذه الدولة أو تلك يسير في فناء قصره المنيف لاستقبال ضيف ما، أو يتحدث الى الصحافيين في الهواء الطلق، أو يهم بركوب سيارته الفارهة، وعلى أحد ما، حينذاك، أن يحمل مظلة تقي «الرئيس المبجل» من الشمس الحارقة، أو من رذاذ المطر. هكذا، ومن دون أي لبس، فإن حامل المظلة يدأب على ملاحقة «السيد الرئيس» ويحميه من أنواء الطبيعة في مشهد يعيد الى الأذهان نظام الرق أو العبودية. ويستوي في ذلك جميع البلدان سواء كانت عريقة في ديموقراطيتها، أم غارقة في استبدادها، فالمشهد الأخير جاء من فرنسا، إذ كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يدلي بتصريحات للصحافة بينما كانت سيدة أنيقة تحمل مظلة كي تحمي الرئيس، وسط اعتراف خفي، غير معلن، بأنها أدنى قدراً ممن تحميه، مع ان الدساتير الوضعية والشرائع السماوية لا تعترف بمثل هذا التمييز، ناهيك عن أن عصور العبودية انتهت منذ قرون، كما تخبرنا دروس التاريخ. المظلة التي رفعتها السيدة المجهولة في ذلك المشهد العابر تختلف كثيراً عن المظلات التي ظهرت في الفيلم الفرنسي الجميل «مظلات شيربورغ» للمخرج جاك ديمي. فيلم موسيقي استعراضي، نال جوائز كثيرة، وأبدعت فيه كاترين دينوف، كممثلة صاعدة، سرعان ما اصبحت ماركة فرنسية مسجلة تضمن النجاح لأي عمل تشارك فيه. مواطنة دينوف، السيدة المجهولة، اختارت طريقاً آخر، فهي وإنْ وصلت الى قصر الإليزيه، لكن هذا الوصول يضمر مفارقة طبقية واجتماعية يصعب تجاهلها. ففي مراحل سابقة كانت مثل هذه التمايزات تظل طي النسيان، ولا أحد يراها، أما الآن، وقد انتشرت الفضائيات على هذا النحو، فإن من الصعوبة بمكان إخفاء مثل هذا الأمر عن الأعين، وخصوصاً إذا كان المشهد آتياً من بلاد تتباهى بالمكانة التي بلغتها المرأة، فالحكومة الفرنسية، ذاتها، تضم نسبة من النساء لم تشهدها حكومة مماثلة في أي دولة في العالم. رغم كل هذه الانجازات التي حققتها المرأة في بلد متحضر مثل فرنسا، وهي صحيحة، سنجد، في المقابل، امرأة فرنسية تحمل المظلة وتحمي السيد الرئيس غير آبهة بوصول الصور الى كل بقاع الأرض، لنكتشف كم ان تلك الحضارة العريقة هشة أمام العدسة. ومن المرجح ان المشاهد ما كان ليتمعن كثيراً في دلالات المشهد لو جاء من كوريا الشمالية او من كوبا أو كينيا... أما وقد جاء من عاصمة النور ومن بلد الحريات والحداثة والتمدن، فمن البديهي ان يثير الاستياء والتذمر.