أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    وزير الصحة يلتقي سفير جمهورية جيبوتي لدى المملكة    استكمال السوق العربية المشتركة للكهرباء خلال 13 عاما بعد موافقة 22 دولة    يوليو المقبل.. إطلاق خدمة حماية الأجور لرواتب العمالة المنزلية    مدير تعليم الطائف يشهد معرض تحدي الطباعة    ارتفاع الشهداء جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 35091 شهيدًا    وزير الدولة للشؤون الخارجية يستقبل سفير كازاخستان المعين لدى المملكة    الجوازات: 17537 قرارا إداريا بحق مخالفين للأنظمة    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران توقّع مذكرة تفاهم مع جامعة نجران    الجوازات توضح أن تجديد جواز السفر إلكترونيًا لمدد الصلاحية من ستة أشهر    تخصيص خطبة الجمعة للتوعية بأنظمة وإرشادات الحج    الغيلاني وطاشكندي يحوزان جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية    غوارديولا: يجب أن نفوز على توتنهام    النيابة: إيقاف مواطن احتال على ضحاياه بالاستيلاء على مجوهراتهم    التجارة تتخذ 3 إجراءات بشأن مخالفات انتخابات غرفة الرياض    القبض على 3 أشخاص لنشرهم إعلانات حملات حج وهمية    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز    النفط والذهب يتراجعان    أمير القصيم يقلد العسعوس رتبته الجديدة "لواء"    أمير المدينة يتفقد مركز الترحيب واستقبال الحجاج    محافظ الأحساء يستقبل سفير باكستان لدى المملكة    ساوثجيت يرد على شائعات انتقاله لقيادة مانشستر يونايتد    غيابات الهلال أمام النصر في ديربي الرياض    سيفول رحمات: مبادرة طريق مكة سهلت رحلة الحاج    تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل    بنك التصدير والاستيراد السعودي يوقّع اتفاقيتين لتمكين الصادرات السعودية غير النفطية    وصول أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من إندونيسيا    مساعدات طبية وغذائية ل3 دول من "سلمان للإغاثة"    رابطة العالم الإسلامي ترحب بقرار الأمم المتحدة تبني قرار عضوية فلسطين    خالد ربيع.. يستعرض مفهوم السينما المستقلة بالتزامن مع مهرجان أفلام السعودية    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    لزيادة حجم القطاع 10 أضعاف.. السعودية تطلق خارطة طريق الطيران    السعودية و31 دولة تشارك في تمرين «الأسد المتأهب»    جامعة «مالايا» تمنح العيسى الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية    «الزعيم » لا يكل ولا يمل    «البلدية»: إيقاف وسحب «المايونيز» من أسواق المملكة    هيئة الصحفيين السعوديين يقيم ندوة "المواقع الإخبارية التحديات والآمال"    نحو سينما سعودية مبهرة    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخريج الدفعة ال 20 من طلاب وطالبات جامعة طيبة    الخليج يطرح تذاكر مواجهة الاتحاد .. في الجولة 32 من دوري روشن    جامعة الملك سعود تتوّج ببطولة الرياضات الإلكترونية للجامعات    نسيا جثمان ابنهما في المطار    تحسينات جديدة في WhatsApp    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    الذكاء الاصطناعي يتعلم الكذب والخداع    إنقاذ ثلاثيني من إصابة نافذة بالبطن    أمير تبوك يطلع على إنجازات "التجارة"    بعض الدراسات المؤرشفة تستحق التطبيق    " الأحوال" المتنقلة تواصل خدماتها    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    إنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة طريق مكة آليًا    كبسولة السعادة .. ذكرى ميلادي الرابعة والأربعون    تنمية المواهب في صناعة الأزياء محلياً    لؤلؤ فرسان .. ثراء الجزيرة وتراثها القديم    روتين الانضباط وانقاذ الوقت    المراكز الصحية وخدماتها المميّزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الهجمة على الذهب» لتشابلن: سخرية الغريب من الحلم/ السراب
نشر في الحياة يوم 19 - 10 - 2011

في أواسط سنوات العشرين، وفي وقت كان تشارلي تشابلن وصل إلى ذروة نجاحه كواحد من أكبر نجوم السينما الأميركية، متفوقاً على كل الهزليين الذين كانت هوليوود تمتلئ بهم، وفي وقت كان أسّس مع فنانين آخرين، هما دوغلاس فيربانكس وماري بيكفورد شركة «الفنانين المتحدين»، كان لا بد لذلك الفنان الاستثنائي، من أن يتوقف لحظة ليتأمل مساره. صحيح أن مساره حتى ذلك الحين لم يكن طويلاً من ناحية زمنية، لكنه كان مكثفاً وغنياً ويعرف حركة متصاعدة مليئة بالنجاحات، ومع هذا أحسّ الفنان أن عليه أن يتأمل ليصل إلى انطلاقات جديدة.
فإذا أضفنا الآن إلى ذلك أن تشابلن كان في ذلك الحين، في حياته الشخصية، يعيش الأزمة تلو الأخرى، ولا سيما في عام 1925، حين ثارت فضيحة علاقته مع الممثلة الشابة ليتا غراي، (التي اضطر إلى الزواج بها إسكاتاً لعائلتها بعد أن افتضح أمره، ثم بدأت إجراءات الطلاق التي ستكلفه مليوني دولار)، يمكننا أن نفهم كيف أن «تشارلو»، وجد من المناسب تحقيق ذاك الذي سيصبح أكبر فيلم في تاريخه، وواحداً من أبرز عشرة أفلام في تاريخ السينما العالمية (وفق استفتاء شهير أجري في بروكسيل عام 1958): «الهجمة على الذهب». ولعل من المفيد أن نشير هنا مباشرة إلى أن هذا الفيلم اعتبر، دائماً، من قبل النقاد واحداً من أكثر أفلام تشابلن شخصية وذاتية، والفيلم الذي يرسم مسار حياته - حتى ذلك الحين - في علاقتها مع الحلم الأميركي.
ذلك ان «الهجمة على الذهب» فيلم عن الحلم الأميركي، وعن الكيفية التي تعاطى بها شابلن، المهاجر البائس الآتي من بريطانيا قبل سنوات قافزا في المجهول، مع ذلك الحلم. وفي هذا المعنى لا يمكن للمرء إلا ان يلحظ الشبه التام بين مسيرة شابلن في حياته الهوليوودية، ومسيرة شارلو في «الهجمة على الذهب».
في واحد من أجمل النصوص التي كتبت عن تشارلي تشابلن، يروي جان كوكتو أن تشابلن أجابه ذات مساء حين سأله عن سبب حزنه الدائم قائلاً: «إنني أحمل في داخلي حزن رجل تحوّل ذات يوم إلى ثري، لمجرد أنه بالغ على الشاشة في لعب دور الفقير». وهذا الانتقال من الفقر إلى الغنى، يصوّره تشابلن أفضل تصوير في «الهجمة على الذهب»، بل إنه يغالي في ذلك التصوير، حين يطلب منه أن «يفضح» كذلك علاقة المرأة - أية امرأة - به. فالحبيبة التي يغرم بها في الفيلم ولا تعيره أي التفات حين يكون فقيراً متشرداً لا يزال يبحث عن الذهب، تغرم به وتلتصق به لاحقاً حين يعثر على الثروة ويصبح شخصاً آخر. إن الجوهر الأساس هنا في هذا السياق، وفق تحليل مارسيل مارتان، هو أن الرجل لعب هنا لعبة الرأسمالية «استخدم الموارد التي وفرتها له قيمته السلعية لكي يصل إلى المرأة التي يحبها» ضامناً بهذا الوصول إلى المرأة في الوقت الذي وصل أيضاً إلى حريته الفردية والفنية في الحياة. وما «الهجمة على الذهب» سوى خير تعبير عن هذا.
حقق تشابلن فيلم «الهجمة على الذهب» في عام 1925، وكان أطول فيلم يمثله بنفسه، ويحققه حتى ذلك الحين. وهو إذا كان قد حقق قبله، ومن إنتاج «الفنانين المتحدين» فيلماً طويلا آخر هو «امرأة من باريس» فإنه لم يقم ببطولة هذا الفيلم، بل اكتفى بكتابته وإخراجه جاعلاً منه ميلودرامياً عامراً بالتحليل النفسي، لكن فشل «امرأة من باريس» أعاده إلى نفسه وإلى شخصية تشارلو. وهو إذ أحس أنه حرّ في أن يروي على الشاشة ما يشاء، شرط أن يقوم هو بالبطولة ليجذب الجمهور، آثر أن يروي - مواربة - قصته مع الحلم الأميركي.
الحلم الأميركي في «الهجمة على الذهب» يقوم في حمى الحصول على الثروة. والثروة في الزمن الذي يقدمه الفيلم (أواخر القرن التاسع عشر) كانت الذهب نفسه الذي راح المغامرون يتدافعون للعثور عليه في الغرب البعيد. وهكذا تضافرت هنا الدلالات: الحلم، الثروة، الغرب البعيد وأسطورة النجاح الفردي.
وهذا كله قدمه تشابلن من خلال حكاية تشارلو، المتشرد الصغير كعادته، إذ يتوجه هنا إلى ذلك الغرب مجرباً حظه، لكنه، في الطبع، لا يصل إلى الثروة إلا بعد كفاح عنيد، ضد الطبيعة القاسية، وضد الأشرار، وضد صفاته الذاتية التي تجعل منه نقيضاً للبطل المغامر. وهكذا في رحلته، وعلى عكس ما كانت الحال بالنسبة إلى الباحثين الآخرين، كان على تشارلو، كالعادة، أن يعتمد على ما لديه من عقل وحيلة، لا على ما لديه من عضلات. إنه، إذاً، الحلم الأميركي وقد قلب ليناسب تشارلو. والأحداث تدور في منطقة كلوندايك الموحشة الباردة، حين تطالعنا قافلة الساعين بحثاً عن الذهب، بوجوه أفرادها المكفهرة والمنهكة، وهم يتوغلون صعداً في الجبال الجليدية وهبوطاً في الوديان. وبين هؤلاء تشارلو الذي سرعان ما يجد مأوى له في كوخ على سفح متجمد، حيث تدور بعض أجمل مشاهد الفيلم. وتشارلو طوال تلك المرحلة من سعيه يجابه الطبيعة القاسية والجوع، ويجابه أيضاً الشرير لارسن وعصابته، لكن انضمام جيم الضخم إليه ينقذه، ولو إلى حين. ذلك أن الاثنين سرعان ما يجدان نفسيهما، أمام معضلة الجوع، وهنا يبدأ كل من الاثنين يتخيل أن صاحبه دجاجة يمكنه أكلها. وينتهي الأمر بتشابلن إلى أن يطبخ حذاءه ويأكله متلذذا به. في تلك الأثناء يلتقي تشارلو بالحسناء (جورجيا هال) في ملهى المنطقة ويغرم بها، لكنها لا تعيره التفاتاً. إنها لا تأبه للمتشرد الفقير، وتتطلع بالطبع إلى «وزة» أسمن منه. صحيح أنها في لحظة تدّعي الاستجابة، وتواعده في كوخه، لكنها لا تأتي بالطبع، فيعود تشارلو إلى وحدته محطماً بائساً. ولكن هنا أيضاً يأتيه الإنقاذ من طريق جيم الضخم، الذي بعدما فقد ذاكرته لفترة، يستعيدها ويتذكر مكاناً فيه الثروة، ويركض الاثنان ويعثران بالفعل على الكنز.
وهكذا يصبح تشارلو ثرياً، ونراه عائداً على ظهر السفينة وقد ازدهى بثروته والفراء الذي يلبسه. وهنا تراه جورجيا وتشعر بالندم على معاملتها السابقة له، فتندفع نحوه ويستقبلها هو مرحباً.
لقد أجمع الباحثون في حياة تشابلن وعمله، على أن «الهجمة على الذهب» إنما هو فيلم شاء تشابلن من خلاله أن يصوّر تلك العادات الهمجية التي ترافق النقلة النوعية التي أحدثها الحلم الأميركي، لدى أفراد ومجتمعات كان يخيّل إليها أنها وصلت قمة الحضارة فإذا بها تبدو كآكلي لحوم البشر. ولعل المشاهد الرائعة التي يتحول فيها تشارلو إلى دجاجة، أو يأكل فيها حذاءه، أو يرقّص قطع الخبز، تكفي للتعبير عن هذا: عن هذه الهمجية المرتبطة بحلم كان في طريقه إلى أن يتحقق.
من هنا لم يكونوا مخطئين، أولئك الذين على غرار الناقد كلود بيلي رأوا أن «الهجمة على الذهب» هو أوديسه العصور الحديثة. وأوديسه معاصرة يصبح فيها، أوليس متشرداً حافي القدمين ساخراً هازلاً كارهاً للبشر، وهو ما كانه تشابلن منذ ذلك الفيلم وحتى نهاية حياته، هو الذي سيعبّر عن ذلك في شكل أكثر قوة - وضراوة - في فيلمه اللاحق «مسيو فيردو».
استغرق تصوير «الهجمة على الذهب» أربعة عشر شهراً. وهو كلّف نحو 650 ألف دولار، لكنه حقق أرباحاً طائلة لم تقل عن 7.5 مليون دولار، كانت حصة تشابلن منها مليونين، أي المبلغ نفسه الذي اضطر إلى أن يدفعه إلى ليتا غراي، حين طلقها بعد زواجه القسري بها. وسيقول المؤرخون لاحقاً إن جزءاً من نجاح «الهجمة على الذهب» الجماهيري، يدين إلى تلك الفضيحة. قد يكون هذا صحيحاً، ولكنْ صحيح أيضاً أن استمرار هذا الفيلم في الحضور حتى الآن، يعود إلى قوة تعبيره، حيث عرف تشابلن كيف يصفّي حسابه فيه، مع حلم راوده طويلاً، وانكشف في نهاية المطاف عن كونه مجرد سراب في سراب: الحلم الأميركي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.