اتحاد الغرف يعلن تشكيل لجنة وطنية للتطوير العقاري    صندوق تنمية الموارد البشرية يطلق منتج "التدريب التعاوني" لتزويد الكوادر الوطنية بخبرات مهنية    أنباء متضاربة حول مصير رئيسي والطقس يعرقل مهمة الإنقاذ    سمو محافظ الخرج يتسلم تقريراً عن الحملة الأمنية لمكافحة المخدرات في المحافظة    5 مشاريع مائية ب305 ملايين بالطائف    إعفاء مؤقت للسعوديين من تأشيرة الدخول إلى الجبل الأسود    بطولتان لأخضر الطائرة الشاطئية    الاتحاد السعودي يعلن روزنامة الموسم الجديد    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالخبر    مركز"كفاء الطاقة" يعقد "اسكو السعودية 2024    أمير تبوك يستقبل رئيس جامعة فهد بن سلطان    1.8% نسبة الإعاقة بين سكان المملكة    "الموارد" تطلق جائزة المسؤولية الاجتماعية    الشلهوب: مبادرة "طريق مكة" تعنى بإنهاء إجراءات الحجاج إلكترونيا    نائب وزير الخارجية يشارك في اجتماع رفيع المستوى بين مركز الملك الفيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وتحالف الحضارات للأمم المتحدة ومركز نظامي جانجوي الدولي    استمطار السحب: حديث الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد حول مكة والمشاعر يمثل إحدى فرص تحسين الطقس    وزير "البيئة" يعقد اجتماعات ثنائية على هامش المنتدى العالمي العاشر للمياه في إندونيسيا    يايسله يوضح حقيقة رحيله عن الأهلي    غرفة أبها تدشن معرض الصناعة في عسير    ملتقى النص المعاصر: احتفالية شعرية وفنية تُضيء سماء نابل    الجمعية العليمة السعودية للصحة العامة ساف تشارك في مؤتمر يوم الابحاث    علامة HONOR تعلن عن رعايتها لمسابقة إجادة اللغة الصينية بعنوان "جسر اللغة الصينية" في المملكة العربية السعودية    سفير إندونيسيا لدى المملكة: "مبادرة طريق مكة" نموذج من عناية المملكة بضيوف الرحمن    وزير الصحة الماليزي: نراقب عن كثب وضع جائحة كورونا في سنغافورة    مستشفى دله النخيل ينهي معاناة عشريني يعاني من خلع متكرر للكتف وكسر معقد في المفصل الأخرمي الترقوي    الديوان الملكي: تقرر أن يجري خادم الحرمين فحوصات طبية في العيادات الملكية في قصر السلام بجدة    رياح مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من الشرقية والرياض    بيريرا: التعاون فريق منظم ويملك لاعبين لديهم جودة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع في الرياض    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    صقور السلة الزرقاء يتوجون بالذهب    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    زيارات الخير    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    الماء (2)    جدول الضرب    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    قائد فذٌ و وطن عظيم    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في جلسة حوار مع "الوسط" . سهى عرفات : قصتي مع أبو عمار. تزوجنا من سنتين ... وأنا التي لحقت به أول مرة سمعت عنه كان دايان يطارده ... ولا أتدخل في قراراته السياسية
نشر في الحياة يوم 28 - 09 - 1992

عندما تتعرّف على سهى الطويل، لا بد ان تقع تحت تأثيرها. فالمرأة شابة وجميلة. تعرف ان تبتسم، بسيطة وقريبة الى القلب. تضحك كثيراً وتفيض منها رغبة في الحياة والمعرفة وفي التعبير عن افكارها. الا انها في الوقت متحفظة، فثمة مواضيع تفهم منها انها لا تحب الخوض فيها، من غير ان تقول لك ذلك. متعددة اللغات، على اطلاع آخر ما نزل الى المكتبات العالمية، قارئة نهمة. بسيطة وأنيقة في آن. الحديث معها جميل وطريف. تسأل نفسك: هذه هي المرأة التي اختارها ياسر عرفات لأن تكون زوجة له؟
كنت انتظر ان اكون في مواجهة امرأة يغلب عليها الحزن، امرأة تعيش في عالم آخر. والمفاجأة ان سهى عرفات امرأة حيّة ذات حشرية كبيرة للمعرفة وللمناقشة. تحب الحياة والفن والأدب والسينما، تحب ان تكوّن ذاتها. تعرف عواصم العالم الكبرى وحفظت باريس عن ظهر قلب. حفظت احياءها وأماكنها ومعالم الفكر والفن فيها. لها صداقات ومعارف. لكن سهى عرفات امرأة ملتزمة بقضية شعبها، متحسسة لما هو عليه، تشاركه آلامه ومآسيه وعندها خصوصاً وعي كامل لما هي عليه ولحياتها الجديدة وللواجبات المترتبة عن كونها زوجة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بما يعني ذلك كلّه من ضرورة اليقظة والالتزامات والقبول بعدد من الاجراءات الضرورية. وتتساءل: ما هي الطريق التي قادت خطوات هذه الشابة حتى تكون زوجة لرئيس يحيط نفسه ربما بأكبر الاجراءات الامنية في العالم لأنه الأكثر تعرضاً للاغتيال؟ وتتساءل ايضاً: ما الذي قرّب بين هذين الشخصين اللذين يفصل بينهما حاجز العمر الذي يراه بعضهم صعب الاجتياز وحاجز الانتماء الى جيلين مختلفين والى مذهبين مختلفين؟ ما الذي جعل هذه الشابة، ابنة البورجوازية الفلسطينية التي تضرب جذور عائلتها بعيداً في تاريخ فلسطين الى ان تتخلى عن حياة سهلة وان تكرّس نفسها لرجل هو ياسر عرفات؟ ولماذا خرج عرفات عن عزوبيته الشهيرة التي احتفظ بها طيلة 61 عاماً؟ وكيف تستطيع ابنة ال 29 عاماً ان تعيش وتتحرك الى جانب عرفات الذي يقول عنه عارفوه انه مهدد باستمرار ويستشهدون على ذلك باللائحة الطويلة من رفاقه ومن القادة الفلسطينيين الذين سقطوا صرعى الرصاص الاسرائيلي او تصفية الحسابات الفلسطينية؟ هذه الاسئلة وسواها طرحتها على نفسي خلال جلسة الحوار مع سهى عرفات.
المفتاح السحري للاجابة عن هذه الاسئلة موجود في بيت سهى الطويل... في الأراضي المحتلة وفي التربية التي تلقتها على يدي والديها: والدها داوود الطويل احد كبار مدراء المصارف ووالدتها ريموندا الطويل المناضلة الفلسطينية المعروفة. سهى الطويل ولدت في القدس. عيناها تفتحتا على قبة المسجد الاقصى والاحياء والازقة والشوارع التي يسكنها التاريخ منذ آلاف السنين. طفولتها قضتها بين القدس ونابلس ورام الله.
كانت الحياة تبتسم لسهى الطفلة. وما كادت قدماها تحفظان الطريق الى المدرسة وهي في الربيع الخامس حتى حصلت الصدمة الأولى في حياة سهى. النكسة بعد النكبة. فالحرب العربية - الاسرائيلية عام 1967 جعلت سهى تفتح عينيها على مآسي الناس والمشردين والهجرة الجديدة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين.
يوم طارد دايان عرفات
تقول سهى عن تلك الفترة: "منذ نعومة أظفاري، تفتحت عيناي على رؤية الناس. ومن خلال التربية التي تلقيناها في البيت، عرفنا باكراً معنى التضحية ومعنى النضال. فوالدتي ريموندا الطويل عرفتنا بمعنى الثورة والالتزام والحسّ الوطني والعطاء. ريموندا أسست المكتب الفلسطيني للإعلام وهو أوّل وكالة انباء في الأراضي المحتلة. ومنذ حرب 1967، اهتمت بالعمل الانساني وبمساعدة المشردين من بيوتهم". وعن هذه الفترة تخبرنا سهى ايضا حادثة تفهم اليوم معناها الكامل: "أول يوم سمعت فيها عن أبو عمار كان عام 1968. أتذكر اننا كنا في المنزل في نابلس وكان هناك اطلاق نار. وعرفنا ان الاسرائيليين يبحثون عن فلسطيني اسمه ابو محمد قام بعملية عسكرية وان موشي دايان أمر بتفتيش نابلس بيتاً بيتاً بحثاً عنه. ابو محمد لم يكن سوى ابو عمار". وتضيف سهى: "تصوّر، في سن الخمس سنوات سمعت بأخبار شخص اصبح اليوم زوجي".
كان هذا الاحتكاك الأول، غير المباشر بين سهى الطويل وياسر عرفات. البنت الصغيرة كبرت. وكبر معها وعيها الذي كان يتغذى من جو المنزل ومن اللقاءات التي اتيحت لها بالشخصيات الفلسطينية وغير الفلسطينية. وعندما انهت سهى دروسها الثانوية في مدرسة الكلية الاهلية في رام الله حيث حلت الاولى في دورة البكالوريا، اختارت الذهاب الى فرنسا لاتمام دراستها في جامعة السوربون في باريس. ومن هذه الجامعة حصلت سهى على شهادة الكفاءة في اللغات الاجنبية، وتسجلت للدكتوراه. وهذا النوع من الحياة يغني الشخصية وينميها ويفتح لها باباً على المعرفة والثقافة والتكوين الذاتي. وتقول سهى عن مرحلة حياتها في باريس انها فتحت عينيها "ليس فقط على مأساة الشعب الفلسطيني ولكن على مآسي العالم كله من ناميبيا الى التشيلي". وتقول عن ياسر عرفات: "كان لي حظ الالتقاء به مرات عدة برفقة والدتي في تونس وعمان وبغداد. ثم في مرحلة لاحقة كنت كثيرة التردد على تونس. كان ذلك في العام 1988. وفي يوم من الايام طلب مني ابو عمار ان ابقى معه وأعمل الى جانبه. في البداية رفضت لأن قبولي اقتراحه كان يعني انني سأتوقف عن الدراسة وأنني سأحرم من العودة الى فلسطين لرؤية اهلي. والدتي كانت ترفض كذلك. ولكن في النهاية قبلت. لقد اقتنعت بأن الداخل الفلسطيني والخارج شيء واحد وان التضحية واجبة".
بقبولها هذا العرض، اعتبرت سهى الطويل انها تقدم مساهمتها للقضية وانها تخدم شعبها بخدمتها لهذا الرجل الذي لا يكلّ عن الترحال. وعندما قبلت سهى ان تترك دروسها في باريس وان تضع حداً لحياتها "العادية" كانت تعرف كما تقول "حجم التضحيات المطلوبة والانقطاع عن الحياة التي اعتادت عليها".
من هو ابو عمار؟
ونسأل سهى الطويل: هل العلاقة المهنية مع أبو عمار سهلة؟ وتجيب زوجة ياسر عرفات: "ابو عمار رجل يطلب العمل الجيد، المتقن، الكامل. ومن هذه الزاوية، العمل معه ليس نزهة، خصوصاً ان وتيرته في الشغل والتنقل والسفر والاجتماعات واللقاءات شيء يخرج عن نطاق المألوف". وتضيف: "أبو عمار من برج الأسد. هو انسان متطلّب وعندما يطلب شيئاً ما، فانه لا ينظر الى الصعوبات التي تحول دون تحقيقه. يريد ان ينفذ طلبه وعلى اكمل وجه".
هذا الطبع يجعل العمل مع ابو عمار، كما يقول عارفوه والمقربون منه، امراً صعباً خصوصاً عند لحظات الغضب. فالرجل عندما يتعكر مزاجه بسبب العمل لا يتورع عن التوبيخ والتأنيب واللوم، لكن سهى عرفات تدافع عن زوجها فلا تنفي تشدده وعاطفيته وانفعالاته بل تجد لكل ذلك عذراً. فالرجل في موقع القيادة والمسؤولية، وهذا الموقع يتطلب ان يكون صاحبه مطلعاً، دقيقاً في معلوماته، متثبتاً منها، منظماً. وأبو عمار على رأس منظمة التحرير يجب ان يكون على اتصال دائم مع الخارج، مع سفاراته في الدول الاجنبية ومع الداخل ومع مواقع صنع القرار. وفي رأيها ان ابو عمار لا يطلب من الآخرين الا جزءاً مما يطلبه من نفسه. وتستطرد سهى عرفات: "ابو عمار رجل يقرأ كمية من التقارير والمعلومات والملخصات والبيانات والقرارات والصحف والكتب يعجز عن قراءتها الرجل العادي، وتشغله من الصباح وحتى ساعة متأخرة من الليل. ثم هناك الاجتماعات واللقاءات، المخطط منها وغير المخطط، والتنقلات والسفرات الفجائية. وكل ذلك في ظل اجراءات أمنية صارمة". وتعود سهى الى الحديث عن طباع أبو عمار: "اذا كان صحيحاً انه ينفعل بعض الاحيان، إلا انه طيب القلب يعرف ان يسامح ويعرف ان ينسى. يغضب بالطبع لكنه يعرف ايضاً ان يبتسم. يؤنب لكنه يشكر ويثني. لا ينسى اصدقاءه ولا ينسى ابناء الشهداء وعائلاتهم وأولادهم".
تزوجنا منذ سنتين
نسأل هذه المرأة الشابة التي توحي انها فهمت الحياة وتعرف ماذا تريد، كيف تم الانزلاق من العلاقة المهنية مع ابو عمار حيث كانت تتابع بعض الملفات، خصوصاً الاقتصادية والاجتماعية منها اضافة الى القيام ببعض أعمال الترجمة واعداد التقارير والمرافقة، الى التفكير بالزواج ثم الزواج؟ ونسألها ايضاً: لماذا كان التكتم حول هذا الزواج؟
تقول سهى عرفات: "ان ما قيل ونشر عن موعد زواجنا ليس صحيحاً. نحن تزوجنا منذ سنتين. المقربون منا والأهل والمحيط المباشر علموا بالنبأ. نحن لم نرد ان نذيع هذا الخبر وكنا ننتظر مناسبة سارة حتى نعلن نبأ زواجنا". ونفهم منها ان احتفال الزفاف كان بسيطاً جداً، وان ما قيل عن المعارضة التي واجهت هذا الزواج لا أساس له من الصحة بل ان رسائل التهنئة من الأراضي المحتلة لا تزال تصلها. اما الكشف عن خبر الزواج فتؤكد سهى عرفات انه لم يأتِ من محيطهما ولا من اوساط منظمة التحرير الفلسطينية بل من مصادر اخرى.
وتسترسل سهى عرفات في الحديث عن تطور علاقتها بياسر عرفات. وبالكثير من الخجل تخبرك انها تؤمن بالحب وبالحب المفاجئ الذي لا يفسر ولا يدخل في معادلات كيماوية وحسابية. وتتلعثم عندما تقول لك انها عندما قبلت بأن تكون زوجة عرفات كانت تعي كل الصعوبات التي كانت تنتظرها، من نمط الحياة الخاص جداً الذي يعيشه زوجها، الى الفروق القائمة بينهما، الى التضحيات المطلوبة منها، الى الواجبات المفروضة عليها.
تقول سهى عرفات: "انا لست زوجة كبقية الزوجات. لم اتزوج ياسر عرفات، تزوجت ايضاً الرمز والوطن والقضية. انا كامرأة وزوجة، ليس عندي حياة خاصة. حياتنا الخاصة اختلطت بحياتنا العامة. ياسر عرفات لم يلحق بي، انا التي لحقت به وبنمط حياته. المرأة التي تزوجت ياسر عرفات كانت تعرف انها ستستغني عن الكثير مما تحبه وعن بعض حريتها. انا لا استطيع التحرك من غير حرس وتدابير وإجراءات امنية. هل تريد مثلاً؟ انا احب باريس وأحب ان اتجول فيها وان ازور الاماكن التي اعرفها، لكن هذا ممنوع علي. زوجي ليس ككل الازواج. انا اتقاسمه مع الكثيرين: مع القضية، مع مواعيده مع القياديين الفلسطينيين، مع الشعب الفلسطيني". وتؤكد لنا سهى عرفات انها لا ترى زوجها الا ساعات قليلة، وأحياناً في آخر الليل، وأنها قليلاً ما تجد الوقت او الفرصة لتناول الطعام مع زوجها لوحدهما اذ ان هناك دائماً الحرس والمرافقين والضيوف. وتحدثك عن بيتها البسيط العادي في تونس، وتقول انها تتمنى احياناً ان تطبخ وتهيىء الوجبات وتقوم بدور الزوجة وربة المنزل.
وإذا كان يفهم من كلام سهى ان الزواج بياسر عرفات لا يعني الراحة والحياة السهلة فان هذا لا يشكل سوى نصف الحقيقة. النصف الثاني تخبرنا عنه سهى وفحواه ان الزواج الذي قبلت به ترى فيه جانباً ايجابياً اذ استطيع ان اخدم وطني وشعبي وقضيتي من خلال هذا الرجل". وتعترف سهى انها تخاف من الاضواء ولا تحبها وكانت تتمنى ان تكون حياتها هادئة بسيطة "وأنا اليوم ابتعد عن الاضواء بقدر ما استطيع لأن الاقتراب الكثير منها يحرق".
ألهث وراءه
ونسأل سهى عرفات: "ما هي امنيتك الاغلى؟ وتجيب: "امنيتنا الأغلى ان يعطينا الله اطفالاً لتكبر العائلة. آمل ان تتحقق هذه الامنية وآمل ان استطيع تربية اطفالي بحيث يشاركون الشعب الفلسطيني مصيره". ونطلب من سهى عرفات ان تحدثنا عن الوجه غير المعروف لعرفات فتقول عن زوجها الذي لم يعد يريد لها ان تسافر معه في الطائرة نفسها، ان ما فاجأها عنده بساطته في الحياة، في المأكل والمشرب والملبس. وتضيف: "ابو عمار لا يقيم حواجز بينه وبين الناس على رغم انشغاله. هو يستطيع دوماً ان يجد الوقت اللازم ليستمع الى المطالب والشكاوى. لا يعرف من متع الحياة شيئاً. طعامه عادي جداً ولباسه لا يتغير صيفاً شتاء". وتضيف سهى: "ابو عمار رجل مؤمن، ومن هذا الايمان يستمد العزيمة. ايمانه ساعده على ان يتغلب على المصائب الكبيرة التي اصابته وأصابت الشعب الفلسطيني. ايمانه انقذه من حادث سقوط طائرته في الصحراء الليبية قبل أشهر. شاهدته متأثراً وشاهدته يبكي".
ونسأل سهى عرفات: ماذا غيّرت في حياة أبو عمار؟ تقول: "كنت اعرف مسبقاً انه من المستحيل عليّ ان أغير شيئاً في حياة أبو عمار التي اعتاد عليها من سنوات. هو الذي غيّر في حياتي وأنا التي سرت وراءه. انا التي الهث وراء اسلوبه في الحياة من غير ان اتشكى. ابو عمار ليس رب أسرة عادياً. لكن بالمقابل، اضفت اشياء الى حياته. ربما البسمة. ربما البهجة. ربما الحضور النسائي. الحياة معه فيها نوع من الحرمان. ولكنني اعتقد ان على الانسان الا يكون بعيداً عن شعبه". ونفهم من سهى عرفات انها لا تتدخل في الامور السياسية وفي القرارات التي يتخذها ابو عمار الذي لا يسألها رأيها وإن كانت هي لا تتردد في قوله. لكنه يستشيرها في الاجتماعات، في الهدايا الواجب تقديمها الى الاصدقاء، في الاهتمام ببعض الناس وبالذين يطلبون مساعدته. ومن هذه الزاوية، فانها تمارس السياسة ولكن بوجهها الاجتماعي والانساني ولكن ليس السياسة كعمل مباشر "اذ ان ابو عمار لا يقبل ذلك". ونفهم منها ايضاً ان همّها في ان تكون "صلة وصل بين ابو عمار وبين الواقع الحيّ وان تنقل له صورة حقيقية عن واقع الامور وعما يجري اذ ان الناس تتزيف كثيراً". وتقول عن نفسها انها لم تتغير وانها تحاول ان تجعل الناس يتعاملون معها كما كانوا يعاملونها في الماضي اذ "أنا لا أحب الكلفة والمصانعة".
وبقدر ما تقبل سهى عرفات الخوض في الشؤون الاجتماعية والانسانية بقدر ما تهرب من المسائل السياسية التي ترى ان من الافضل مناقشتها مع ابو عمار والمسؤولين الفلسطينيين مباشرة. سهى لا تريد الخوض في الازمة التي اثيرت حول ضرورة ان يتم تعيين نائب لعرفات يتحمل المسؤولية الى جانبه تحسباً لحصول طارئ. ولا ترغب في الخوض في مآل المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، لكنها تحرص على القول: "المهم ان يعيش الفلسطيني حراً على أرضه".
واسأل سهى عرفات:
ماذا تحبين؟
- احب ان اشعر انني مفيدة. احب ان اخدم. احب التواضع.
ماذ تكرهين؟
- اكره التملّق والتزيّف. لا احب الحواجز بين الناس. لا اتحمل الاستعلاء.
هل حلم العودة قوي لديكما؟
- امنيتنا الأعزّ ان نعود سوية الى القدس. عندما تزوجنا قال لي ابو عمار: "سنعود معاً".
ما هي لحظة القلق الاقوى التي اجتاحتك؟
- لحظة القلق اختفاء طائرته فوق الصحراء الليبية. لم اكن اصدق ما حصل. كان عليّ ان اتمالك اعصابي. ألا ابكي. ان اظهر الحزم امام الآخرين. ان نتحرك بسرعة اذ ان مصير شعب كامل مربوط بمصير شخص. ابو عمار قال لي بعد نجاته: "هل من المعقول ان تنتهي حياتي في حادث طائرة مرمياً في الصحراء؟".
ما هي لحظة الفرح الاقوى؟
- عندما جاءني الخبر بأنهم عثروا على الطائرة وان ابو عمار خرج من الحادثة سالماً. ومن لحظات القلق عندما سمعت من الاذاعة ان ابو عمار ادخل الى المستشفى في الاردن لاجراء عملية جراحية. ابو عمار كان اتصل قبل دخوله وأخفى عني النبأ. لقد أبدى الملك حسين اهتماماً كبيراً بأبو عمار اشكره عليه، كما اشكر الفريق الطبي الاردني في مدينة الحسين الطبية على تفانيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.