وفد حماس يغادر القاهرة إلى الدوحة.. وإسرائيل ترفض ضم رفح لوقف إطلاق النار    مجلس الحرب يناقشها اليوم.. تعليق واشنطن شحنة الأسلحة يثير غضب إسرائيل    "إعادة" تُسجّل أداءً قوياً في الربع الأول من العام 2024 بارتفاع الأرباح إلى 31.8 مليون ريال    أمير الرياض يستقبل رؤساء المراكز ومديري القطاعات الحكومية بمحافظة المجمعة    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    المؤتمر السعودي البحري واللوجستي يعود مجدداً إلى الدمام في سبتمبر 2024    النفط يرتفع مع سحب المخزونات الأمريكية وارتفاع واردات الصين    عقود ب3.5 مليار لتأهيل وتشغيل محطات معالجة بالشرقية    جمعية البر بالشرقية توقع اتفاقية لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    تاليسكا يتغنى بفترته مع النصر ويتحدث عن علاقته مع رونالدو    الزلفي تحتفي بعام الإبل بفعاليات منوعة وورش عمل وعروض ضوئية    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    أمير الحدود الشمالية يتسلّم تقريرًا عن الصناديق العائلية والوقفية بالمنطقة    فيصل بن خالد بن سلطان يطلع على مشروع ربط حي المساعدية بحي الناصرية بمدينة عرعر    «تقييم» تبدأ بتصحيح أوضاع القائمين بتقدير أضرار المركبات في عددٍ من المناطق والمحافظات    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    حساب المواطن يودع 3.4 مليار ريال مخصص دعم مايو    القيادة تهنئ رئيس جمهورية طاجيكستان بذكرى يوم النصر لبلاده    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية القرغيزية بذكرى يوم النصر لبلاده    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من باكستان    توقع بهطول أمطار رعدية    إطلاق مبادرة SPT الاستثنائية لتكريم رواد صناعة الأفلام تحت خط الإنتاج    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ويتأهل إلى نهائي "الأبطال"    إخلاء مبنى في مطار ميونخ بألمانيا بسبب حادث أمني    "واتساب" يجرب ميزة جديدة للتحكم بالصور والفيديو    طرح تذاكر مباراة النصر والهلال في "الديريي"    زيت الزيتون يقي أمراض الشيخوخة    محادثات "روسية-أرميني" عقب توتر العلاقات بينهما    نائب وزير الخارجية يستقبل رئيس وزراء فلسطين وزير الخارجية    الديوان الملكي: وفاة والدة الأمير سلطان بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود    الاتحاد يتحدى الهلال في نهائي كأس النخبة لكرة الطائرة    دجاجة مدللة تعيش في منزل فخم وتملك حساباً في «فيسبوك» !    أشباح الروح    بحّارٌ مستكشف    جدة التاريخية.. «الأنسنة» بجودة حياة وعُمران اقتصاد    منها الطبيب والإعلامي والمعلم .. وظائف تحميك من الخرف !    النوم.. علاج مناسب للاضطراب العاطفي    احذر.. الغضب يضيق الأوعية ويدمر القلب    المملكة ونمذجة العدل    القيادة تعزي رئيس البرازيل    يسرق من حساب خطيبته لشراء خاتم الزفاف    روح المدينة    خلال المعرض الدولي للاختراعات في جنيف.. الطالب عبدالعزيزالحربي يحصد ذهبية تبريد بطاريات الليثيوم    ختام منافسة فورمولا وان بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي    كشافة شباب مكة يطمئنون على المهندس أبا    شقيق الزميل حسين هزازي في ذمة الله    " الحمض" يكشف جريمة قتل بعد 6 عقود    الوعي وتقدير الجار كفيلان بتجنب المشاكل.. مواقف السيارات.. أزمات متجددة داخل الأحياء    سعود بن جلوي يرعى حفل تخريج 470 من طلبة البكالوريوس والماجستير من كلية جدة العالمية الأهلية    نائب أمير الشرقية يلتقي أهالي الأحساء ويؤكد اهتمام القيادة بتطور الإنسان السعودي    فهيم يحتفل بزواج عبدالله    نائب أمير منطقة مكة يكرم الفائزين في مبادرة " منافس    لقاح لفيروسات" كورونا" غير المكتشفة    الذهب من منظور المدارس الاقتصادية !    الاتصال بالوزير أسهل من المدير !    أعطيك السي في ؟!    سمير عثمان لا عليك منهم    استقبل مواطنين ومسؤولين.. أمير تبوك ينوه بدور المستشفيات العسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لباس العروس تاريخه حافل ومنوع وله تقاليده ومعانيه . ثوب الفرح يتألق على جسم الزمن !
نشر في الحياة يوم 21 - 09 - 1992

اذا كان لبعض العادات والتقاليد قصصه الموروثة، فان لثوب الزفاف تاريخاً حافلاً وقديماً ومتعدد الجوانب، فمنه الغربي والشرقي، وفيه القبلي والحضري… الا انه في النهاية يصب في كل قيمه ورموزه في اتجاه واحد يتلخص: بالطهارة والفرح والسعادة.
قصة هذا التاريخ الطويل يتحدث عنه التحقيق الآتي:
في اليوم الاول من شهر تموز يوليو من العام 707 حسب تقويم روما، اي سنة 46 قبل الميلاد، كانت "جوني" تتهيأ ليوم عرسها. كان العصر زمان قيصر. والمكان "فيلا" ماركوس سيفولوس والد العروس، وهو من الطبقة الارستقراطية في روما.
كانت جوني واقفة في غرفتها. وقربها الخادمات الشابات اللواتي يساعدن "أوغستا" مربية جوني في العناية بشؤون المنزل الضخم، راحن هؤلاء يشرفن مع اوغستا على زينة العروس وتهيئتها على افضل ما يكون لهذا اليوم الكبير. بدأت اوغستا بتسريح شعر جوني. قسمته الى ست خصلات متساوية، وهذا عدد سحري ومقدس. وشدت كل خصلة بمقص خاص من الحديد، وربطتها بشريط شكل مع بقية الشرائط باقة زهر حمراء.
قبل 2000 سنة
بعد الانتهاء من التسريحة، جاءت الخادمات بثوب رائع، بسيط وأبيض، ولا يحمل ثنية في الاسفل. وضعت الخادمات الثوب الجميل على قامة جوني. ثم تقدمت اوغستا نحوها، وعقدت على خصرها زناراً شدّ بقوة، ينتهي بعقدة خاصة هي "عقدة هركول". بعد ذلك وضعت على رأسها غطاء شفافاً بلون النار بهندسة عالية تجعله يسقط على الوجه ويخفيه وراءه. وزينت الشكل الهندسي هذا باكليل من ازهار الصعتر البري ورعي الحمام كانت جوني قطفتها بنفسها في الامس المباشر ليوم عرسها. كانت في اثناء الزينة تنظر الى الحلية المعلقة الى عنقها بقلق. بعد هذا اليوم ستحل الجواهر الثمنية مكانها. انها جواهر "المرأة الشابة" الجديدة، وهي تعني توديعها لحياة العزوبية عند اهلها وتكريسها زوجة تخضع لظروف تختلف تماماً عما اعتادت عليه. في قدميها، كان حذاء اصفر دقيق وأنيق يكمل حلة العرس الرائعة.
كانت انظار والدتها ومربيتها تتركز عليها. اما هي فراحت تعيش ذكرياتها الماضية، ومن بينها كيفية تلقيها الآداب اليونانية واللاتينية وفنون الغناء والرقص والتطريز. كانت جوني تتردد على الحمامات النسائية في حينه، وتلتقي بصديقاتها. وبالامس، اخذت حماماً من العطر في المنزل العائلي.
كان والدها اختار "مانيليوس" ابن صديقه الحميم، عريساً لها. وهو شاب رياضي وجميل التقاطيع، يعيش في قصر ضخم تحيط به الحدائق الغناء. كان تلقى تربية عالية ودرس المحاماة وصار على اللوائح المدنية التي تمنحه حقوق المواطن الحر، وبالتالي صار يستطيع الزواج. حين اعلنت خطبته على جوني جاء الى منزل والدها ووضع في الاصبع الرابعة من يدها اليسرى خاتماً معدنياً، وفي هذه الاصبع عرق يتصل مباشرة بالقلب.
وعندما صارت مؤهلة للزواج، اخذ الشباب من المدعوين يهزجون في الخارج اغنيات خاصة بحفلات الاعراس الكبيرة. ويرددون: "جوني تمنح نفسها لمانيليوس، جميلة بقدر فينوس. انها تمنح نفسها لعريسها عذراء كاملة، تحت رعاية فائقة".
الوعد بالعيش معاً
بعد ان وقّع عشرة شهود، اختيروا من بين المقربين للعروسين، على عقد الزواج، جلس مانيليوس الى جانب جوني على كرسي مغطى بجلد الحمل الذي قدم تضحية بالمناسبة. وتقدم المسؤول عن عقد القران ووضع يد مانيليوس اليمنى على يد جوني. ويعني هذا الوعد بالعيش معاً. وذلك برفقة اهازيج الحضور وقولهم "لتكن التهاني معكما للأبد". حينئذ صار في الامكان تقسيم حلوى العرس المصنوع من الطحين وافتتاح موائد الطعام. كان تناول الطعام والشراب يتم ببطء على وقع الاغاني والرقص وضمن نقاش فكري حول "لوكريس". ثم أتى دور الحلوى وهي عبارة عن قالب من الفاكهة يختلط فيها دراق بلاد فارس بكرز سيرازونت وعنب كورونثيا.
كانت الشابات في العرس يضعن احذية حمراء في اقدامهن، وكان بعضها مزيناً باللآلئ. كانت تسريحات السيدات المتزوجات من نوع "الشينيون". وتلك التي للصبايا، كانت معقوصة بشرائط ذهبية. بعد الطعام والشراب والرقص، ُحملت العروس الى بيت العريس، يرافقها شباب يحملون اغصان الصنوبر. في الطريق، كان الناس يرمون بحبات البندق امام موكبها، وهي رمز الخصوبة. حين وصول الموكب الى باب منزل العريس، صرخ الجميع بصوت واحد: "افتح الباب". ويأتي العريس بالمفتاح ويعطيه لعروسه وسط الغناء والرقص. ويردد الشباب امام الصبايا: "انتن، ايتها الجميلات، غداً سوف تعشن يوماً مماثلاً".
على باب المنزل، قدم العريس لعروسه "ماء النار" رمز الحياة والطقوس المشتركة. في الداخل، صلى الاثنان صلاة خاصة من اجل طلب المساعدة والحماية. وفي اليوم التالي، استقبلت جوني صديقاتها. كانت تسريحتها بشكل "شينيون"، تسريحة المرأة المتزوجة. وأثناء الاستقبال، جاء مانيليوس ووضع في اصبع زوجته خاتماً بنقوش خاصة، وحول عنقها عقداً وعلى صدرها حلية ثمينة، مما جعلها تفتخر امام زميلاتها بتقدير زوجها لها وببدئها مرحلة جديدة من حياتها.
هذه الرواية التاريخية الجميلة التي مضى على حدوثها اكثر من ألفي عام، تظهر امراً واحداً هو ان عادات الاعراس تتالت عبر التاريخ. وأن ثوب العروس الابيض بقي منذ ذلك الحين يرمز الى الطهارة. غير ان الثوب الابيض ان كان الثوب التقليدي للعروس في بلاد الحوض المتوسط والشرق، فانه لم يكن كذلك في شمال اوروبا وفي بلاد الشرق الاقصى. خصوصاً في المناطق الجبلية والقبلية، وحيث كان ثوب العرس بلون احمر او ذهبي او غيرهما من الالوان.
وقد لفت النظر في عروض ازياء خريف وشتاء 1992 - 1993 الراقية، ان عدداً من المصممين خالفوا المألوف في ما يتعلق بثوب العرس الأبيض. وقدموا بديلاً منه، في نهاية عرض الازياء التقليدي، ثوباً اسود او احمر او بنفسجياً او مذهباً. فهل يعيد التاريخ ذاته وكما فعلت "هناي موري" التي راجعت الكثير من الوثائق القديمة قبل ان تصمم ثوب الكيمونو الجديد للشتاء المقبل؟
العروس السويدية
في القرن الثالث عشر، كانت العروس السويدية ترتدي ثوباً احمر اللون في حفلة زفافها. ومن التقاليد المتبعة في حينه ان يتقدم والد العريس بطلب يد العروس من والدها بحضور شهود. بعد ذلك كان العريس يأتي الى منزل عروسه ويضع خاتم الخطبة في اصبعها. وكان اي خلل في هذا الالتزام يعرض أحد المخلّين بالعهد الى دفع تعويض ضرر للآخر. وذكر كتاب "الزواج في الحضارات القديمة"، حكاية زواج "أولاف وسيغريد". الاحتفالات بالعرس كانت تستمر خمسة ايام عادة. في صباح يوم العرس، أتت الشابات القريبات من سيغريد ليشرفن على زينتها. كانت الخادمات يحطن بهن ويقمن بتجهيز سرير العروسين في جناح من الدار الكبيرة الموجودة وسط مزرعة واسعة في الريف السويدي. كان السرير مصنوعاً من خشب ناعم ومغطى بقماش مطرّز وبوسائد من الحرير، وبفراء، وبغطاء عرس مشغول من تخريمات تشبه مطرزات السجاد.
كانت الصديقات يوقظن العروس في صباح عرسها. هكذا فعلت المقربات من سيغريد. ففي ذلك اليوم جئن الى منزلها ووقفن امام باب غرفتها وأنشدن: "إنهضي من النوم، جئنا لنزينك من اجل زواجك". ارتدت سيغريد ثوباً احمر مزيّن ببعض الحلى. الكمان مشدودان في نهايتهما بأساور ذهبية. حول عنقها سلسلة سميكة تحمل مجوهرة ثقيلة. في اصابعها خواتم عديدة. تسريحتها مزينة بشرائط حريرية تسمح للخصيلات بالاسترخاء على الكتفين. الألوان حمراء وخضراء، وعلى الوجه غطاء شفاف خفيف، وفوق الرأس تاج من الذهب وهبه لها خطيبها، وكان احتفظ به من والدته.
فجأة وصلت اصوات موسيقية وصدى وقع حوافر الخيل الى الآذان. كذلك اصوات طرق الاسلحة ببعضها. انه موكب العريس "اولاف". كان فوق جواده، يسير متمهلاً وعلى جانبيه فتيان شرف يرتدون الحلل الحريرية الجميلة. كان أولاف يضع على قامته حلة من الحرير الاصفر الشمعي بلون اوراق الخريف المقبلة على السقوط من عرش اغصانها. على خصره زنار من الذهب، والسيف يلمع على جانبه. وكان معطف مخملي يتطاير فوق كتفيه. على الباب، كان والد العروس يقف لاستقباله في حلته الحريرية بلون الخوخ. بعد التحية، اجتاز اولاف برفقة صديق له عتبة البيت. وتقدم هذا الى الداخل حيث كانت سيغريد تنتظر برفقة فتيات الشرف. فأخذ بيدها وسار بها نحو أولاف قائلاً له "أعطيك سيغريد كي تصبح زوجتك الشرعية، وكي يكون لها ثلث الاموال التي تملكها او التي ستكسبها وجميع الحقوق التي يمنحها القانون لها".
وقّع الحضور على العقد. ثم حمل أولاف عروسه ووضعها على ظهر جواده وسار بها وسط الاصدقاء الذين حملوا زوجاتهم امامهم على الخيول، نحو مكان الاحتفال الرسمي بالزواج. كثير من الازهار الحمراء كانت تشكل زينة الطريق الذي اجتازه الموكب. حين وصل العريس والخيالة الى حيث مدت الموائد العامرة، كانت الموسيقى تنطلق من الابواق والآلات التقليدية الاخرى مثل الكمان والهرب والقيثارة. أنزل اولاف عروسه من على ظهر الجواد وسار بها الى كرسي الشرف المعد لهما، ثم اعطى الإذن بالبدء بالطعام والشراب والرقص.
ثياب العريس
يبدو ان الاهتمام بثياب العريس كان كبيراً في فرنسا في المنتصف الأول من القرن السابع عشر، كان العريس حينئذ يرتدي سروالاً قصيراً يُحزم عند الركبة بحمالات خاصة. فوق القميص صدرية من الصوف الخشن بلون ابيض. وقد بطلت موضتها ابتداء من سنة 1723. كانت سترة قصيرة واخرى تهبط حتى منتصف الساق ومشقوقة من الخلف، تكملان الثياب الرسمية للعريس. وكان لون هذه الثياب هو الرمادي الاسود، وذلك حتى العام 1740. بعد ذلك صار اللون الدارج هو الرمادي او الاسمر. وبدا ميل نحو الاسود يزداد شيئاً فشيئاً. لم تكن ربطة العنق البيضاء مستعملة بشكل واسع. وعلى العكس من ذلك، كان الشباب يحبون استعمال مناديل حريرية تلف العنق والرأس. كانت القبعة السوداء الكبيرة من متممات ثياب العريس. كذلك الحذاء الاسود والجوارب الصوفية الرقيقة البيضاء الطويلة. ولم يكن مسموحاً وضع القبقاب الدارج بدل الحذاء اثناء مراسم الزواج.
في المقابل لا تتوفر معلومات كثيرة عن ثياب العروس وفتيات الشرف في العصر ذاته. هناك كلام عن "تاج العروس" الذي كانت فتيات الشرف يصنعهن بأيديهن. كانت الازهار من القماش. وهذه التيجان صارت تستعمل في بداية القرن التاسع عشر حتى في المنازل القروية. والجدير بالذكر هنا ان كثيرات من الفتيات والسيدات لم يكن في العام 1740 يعرفن الخياطة بعد.
كان من عادة النساء في ذلك الحين عدم الكشف عن شعرهن حتى في الليل. كانت اغطية الرأس المطرزة مخصصة لسيدات الطبقة البورجوازية، ولم تدخل هذه في عادات اهل الريف الا في القرن التاسع عشر. كان ثوب الاحتفالات من قماش الايتامين الاسود. وحتى سنة 1765، لم تكن الاثواب المفذلكة دخلت الحياة اليومية.
في كتاب "زواج عبر الحضارات" نقرأ عن حفلة عرس جرت على ضفاف نهر الراين في المانيا في عهد "الفرسان" القرن السابع عشر. وجاء في التفاصيل ان الشابات كنّ يرتدين اثواباً منفوخة كالبالون ويملسن شعورهن ويغطينه بغلالة رقيقة تشد بسلسلة ذهبية. في حين ان السيدات كن ينصرفن اثناء ذلك الى استقبال الرجال المتباهين بالسيوف المعلقة الى خصورهم والمترنحة على افخاذهم. كانت العروس تدعى "هيدلبرغ". وهي الاجمل بين فتيات الشرف المحيطات بها. كانت على عتبة السادسة عشرة من عمرها وتشبه البرعم الذي يتفتح على رعشة الوانه البيضاء والزهرية النضرة. كانت ترتدي ثوباً من الحرير الذهبي اللامع وتضع على خصرها زناراً من اللآلئ. كان الزنار هذا يكاد يخنق القدّ الرشيق ويجعل شكل العروس كأنه مخروط هندسياً بآلة خاصة. حول وجهها البيضوي اطار من التخريمات بلون القمح يشبه فرقعة ورد الصباح حيث تسقط الشمس على شجيراته. كان غطاء الرأس الشفاف الازرق يتطاير على كتفيها. وكانت عقدة كبيرة من اللون ذاته تزين صدرها وتضيء وجهها.
عروس الهملايا
في الهند، كانت سيدة مختصة بالزينة تقوم بتخضيب يدي وقدمي العروس بخضاب نباتي لونه نحاسي احمر. كان ثوب العروس مطرزاً بالذهب والحجارة الكريمة، وكذلك كان أنفها يحمل الجوهرة التقليدية لمثل هذه المناسبة. كانت العروس تخضع لطقوس تطهيرية بواسطة وريقات الزهر والورد والزيت المعطر.
في افغانستان، وحسب تقاليد جماعة "الكوش" الهندية، كانت مجموعة من النساء يحضّرن العروس ليوم زواجها تحت خيمة "كوشية" خاصة. وكن يضفرن شعرها خصيلات صغيرة ويلصقنها بصمغ نسغ شجر ينبت في المناطق الجبلية، ثم يغطين الخصيلات المجدولة بورق الفضة، بعد ذلك كانت العروس تزين بسلاسل الفضة الناعمة والمجوهرات الذهبية المطعمة بالحجارة الكريمة، بعد ان ترتدي ثوب العروس الملون والمطرز بخيوط ذهبية.
في قلاع جبال الهملايا في باكستان، حيث البرد القارس والارتفاع يبلغ اكثر من ثلاثة آلاف وخمسمئة متر، تقيم اخر قبائل "الكالاش". وفي الاحتفال بالزفاف، تبدأ النساء بتجديل شعر العروس وسط الاهازيج والتصفيق، على بعد امتار من ذلك، يقوم احد افراد القبيلة بذبح عنزة وفق الطقوس المتبعة في مثل هذه المناسبة، ويأخذ منها ما يسمى بالنسبة للتقاليد الكالاشية "الدم المقدس" بعد الانتهاء من تجديل شعر العروس يوضع فوق رأسها غصن يشتعل وينقر وجهها بدبابيس خاصة كي يثبت عليه مستحضر تجميلي ملون يصير كالنقش بعد جفافه. ولا يختلف ثوب العروس هنا عن ثوب العروس الكوشية الا بملامح فولكلورية ملونة اكثر.
في تركيا، وفي منزل الخطيبة، في الليلة التي تسبق يوم العرس، تأتي النسوة للاحتفال "بالحناء". وهذه الزينة هي من اختصاص الشابات رفيقات العروس اللواتي يملأن قبضة اليدين بالحناء ويغلفنها بمحرمة من الحرير. في يوم الزفاف في القرى والجبال، حيث الطبيعة جميلة جداً، ترتدي العروس ثوباً ملوناً ويتم تسريح شعرها بشكل يسمح بوضع "البشليك" عليه. وهي تشبه القبعة، بلون احمر، ومزينة بقطع من الفضة.
في المناطق الكردية في ايران، يرتدي القرويون ثياباً خاصة في حفلة الزواج، الاثواب فخمة جداً من قماش "البروكار" الذهبي والفضي.
أثواب العروس مع الكتب
وفي العودة الى الكتب الحديثة التي صدرت في فرنسا عن الزواج وتقاليده عبر الحضارات والتاريخ، وكذلك الى المصادر القديمة المتعلقة بهذا الصدد، يمكن الاستنتاج ببساطة مدى اهمية الرباط الرسمي بين الزوجين. هذه الكتب والمصادر تتكلم عن الحفلات التي تقام بمناسبة الزواج باسهاب وتفصيل، وعن اثواب الاعراس الجميلة، سواء أكان ذلك في اوروبا او في اسيا، وفي مختلف المناطق القريبة والنائية. من بين اجمل هذه الكتب كتاب "الاعراس في اقصى انحاء العالم". وهو من تأليف بريجيت دي سان برو وتشيكوف مينوسا. وقد صدر في 1971 عن دار لافون للنشر في باريس.
الطريف في هذا الكتاب هو واقعيته المثيرة للتأمل والدهشة. فالمؤلفة والمؤلف بقيا يحضّران لرحلة عبر المناطق النائية اكثر من سنة. جمعا المال اللازم واشتريا آلات التصوير والعدة اللازمة وسيارة كبيرة من نوع "الجيب -الشحن" واقنعا اصدقاء لهما بمرافقتهما في مغامرة عبر المناطق النائية في آسيا للكتابة عن تقاليد الاعراس فيها. وتحققت الرحلة من تركيا الى جبال الهملايا مروراً في مناطق القبائل الاسيوية الاكثر بعداً عن العالم وحضارته الحديثة. وتزوج تشيكوف من بريجيت تسع مرات وفقاً لتقاليد كل جماعة توقفا عندها. طبعاً، كان الزواج يجري صورياً، لكن حسب طقوس الاحتفالات العرائسية الخاصة بكل عشيرة وقبيلة ومجتمع في تلك الاصقاع. كان العرس يجري حقيقياً، بالطبول والاغاني والموائد والزينة والثياب واجراءات العقود وكل التوابع. وكانت بريجيت تكتب عن احاسيسها ومشاهداتها على حدة، وكذلك كان يفعل تشيكوف. وجاءت الصور حية وأتى الوصف حسب المعاش في حفلات الاعراس الجميلة والفولكلورية المختلفة. هكذا خرج الكتاب في حوالى ستمئة صفحة مع الصور، وبعد جولة دامت اكثر من سنة.
بين الكتب المخصصة لتقاليد الزواج وثياب العروس في الغرب، كتاب "الخواتم الثلاثة في الاصبع" او حكايات الحب في القرى في القرن الثامن عشر. وقد صدر الكتاب عن دار لافون الباريسية ايضا في 1989 لمؤلفته آن فيلون. ويلحق به كتاب آخر بعنوان "الزواج في الحضارات القديمة" للكاتبة ليز فانسان دوسة بون، وقد صدر في 1975 عن دار البان ميشيل للنشر في باريس.
في المقارنة بين الاحتفالات العرائسية التي اشرنا الى لمحة من بعضها وبين ما يجري اليوم، نجد ان الخيط رفيع جداً. فثوب العروس لا يزال يأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام، وحفلة العرس بقيت في مستوى حدث التغيير في حياة العروسين ومستوى المكانة الاجتماعية التي ينتمي اليها كلاهما. وأثواب العرس التي جاءت ملونة في عروض الازياء الراقية لخريف وشتاء 1992 - 1993، ان بدت جديدة ومبتكرة في نظر الحضور، فهي في الواقع ليست هكذا، انها اثواب عروس الماضي البعيد وعبر التاريخ في انحاء العالم. وفعلاً، ان التاريخ يكرر ذاته حتى في ثوب عروس جميلة وحفلة عرس فخمة وفولكلورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.