سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقرير - سجن "باغرام" كان أشد تعذيبا وأساليبه نقلت بحذافيرها وضباطها إلى "أبو غريب" . الصحافة الأميركية تفضح "أكذوبة" غوانتانامو وتؤكد تحوله من سجن إلى مدرسة ل "الجهاد"
كشف تحقيق أجرته وكالة أميركية متخصصة في الخدمات الصحافية، على مدى ثمانية أشهر في 11 دولة في ثلاث قارات، أن الولاياتالمتحدة ارتكبت أخطاء فادحة في احتجاز مئات الرجال في سجن غوانتانامو بدعوى أنهم خطرون على أمنها، في حين أن لا صلة حقيقية لهم بالإرهاب، وأنهم احتجزوا بناء على أدلة واهية، ونتيجة لخصومات ورشاوى. وذكرت خدمة"ماكلاتشي"التي تتولى توزيع أخبار وتقارير أكثر من 50 صحيفة أميركية أنها أجرت مقابلات مع 66 سجيناً سابقاً في غوانتانامو وأكثر من 10 مسؤولين سابقين وحاليين في أفغانستان وعدد من المسؤولين الأميركيين ذوي الاطلاع الوثيق على تفاصيل برنامج الاعتقالات، واطلعت على آلاف الوثائق والسجلات العسكرية الأميركية لهذا الغرض. وأظهر التحقيق"غير المسبوق"، طبقاً للموقع الإلكتروني للخدمة المذكورة على شبكة"الإنترنت"أن غالبية السجناء السابقين ال66 كانوا إما جنوداً عاديين في حركة"طالبان"، أو قرويين أبرياء، أو مجرمين عاديين، بل إن سبعة منهم كانوا يعملون في خدمة الحكومة الأفغانية التي نصبتها القوات الأميركية التي تحتل أفغانستان، وليست لهم أية صلة بالمتشددين. وأكد التحقيق تعرض السجناء للضرب وإساءة المعاملة أثناء احتجازهم في غوانتانامو وقاعدة باغرام قرب كابول. وكشفت الخدمة بالوثائق كيف أن سياسات الاعتقال الأميركية أذكت التعاطف والتأييد مع الجماعات الإسلامية المتطرفة،"إذ إن بعض المعتقلين عادوا إلى بلادهم وهم أكثر تشدداً مما كانوا عليه لدى وصولهم. لقد أضحت غوانتانامو مدرسة للجهاد". وأشارت إلى تحطم محاولات البيت الأبيض لحرمان المعتقلين من التمتع بالحقوق القانونية التي يمنحها الدستور الأميركي للسجناء، خصوصاً بعدما قضت المحكمة الأميركية العليا الخميس الماضي بأن لديهم الحق في إثارة تظلماتهم أمام المحاكم الفيديرالية الأميركية، وبأن القانون الذي أقره الكونغرس عام 2006 بحرمانهم من ذلك الحق غير دستوري. وطبقاً لنتائج التحقيق، فإن كبار مسؤولي إدارة الرئيس جورج دبليو بوش أدركوا بعد بضعة أشهر من إنشاء سجن غوانتانامو أن عدداً كبيراً من المعتقلين هناك ليسوا"أسوأ السيئين"بحسب وصف البيت الأبيض، بل إن الوزير السابق للجيش توماس وايت صرح بعد أيام من افتتاح سجن غوانتانامو بأن ما لا يقل عن ثلث عدد المعتقلين لا يستحقون ذلك المصير. ومع أن 34 من السجناء السابقين ال 66 وهي نسبة تعادل 52 في المئة لديهم صلة ما بالجماعات المتشددة ونشاطاتها، إلا أن ما لا يقل عن 23 من أولئك ال34 سجيناً سابقاً كانوا مجرد جنود أو مجندين أو متطوعين أو طلاب مغامرات لا يعرفون شيئاً البتة عما تسميه الولاياتالمتحدة"الإرهاب العالمي". واتضح أن سبعة منهم فقط ربما كانت لديهم صلة بزعماء تنظيم"القاعدة". وذكرت خدمة"ماكلاتشي"أنها خلصت بنتيجة لتحقيقها المطول، وطبقاً لما قاله لها عدد من كبار المسؤولين السابقين في الإدارة الأميركية ووزارة الدفاع الأميركية، إلى أن معظم سجناء غوانتانامو السابقين ليسوا"عقولاً مدبرة"لعمليات إرهابية، ولم تكن لهم أي قيمة استخبارية في شأن"الحرب على الإرهاب". وأشارت الخدمة إلى حال السجين السابق محمد أختيار، وهو أفغاني لجأ إلى باكستان بعد استيلاء"طالبان"على زمام الأوضاع في أفغانستان عام 1996، بعدما أضرم مقاتلو"طالبان"النار في منزله لرفضه حمل قبيلته على إظهار ولائها ل"طالبان". ولكن بسبب ضغائن شخصية ترجع إلى عهد تولي أختيار دوراً قيادياً في الجهاد ضد القوات السوفياتية التي احتلت أفغانستان في الثمانينات، تمت الوشاية به وتسليمه إلى القوات الأميركية. وهناك حالة المواطن الأفغاني نصرت خان الذي كان عمره تجاوز ال70 عاماً عندما اعتقله الأميركيون وأودعوه زنزانة مظلمة في باغرام ثم نقلوه إلى غوانتانامو، ولم يكن يستطيع النهوض بلا مساعدة، بل اضطروا إلى نقله إلى غوانتانامو على نقالة طبية. وأكد مسؤولون أفغان، بينهم النائب العام السابق للحكومة الأفغانية، أن خان لا يشكل خطراً حتى على نفسه، إذ إنه سلم إلى الأميركيين بدعوى أنه زعيم متمرد بسبب التناحر والضغائن بين الفصائل الأفغانية. وقال حاكم كابول المحافظ السابق لمقاطعة نانغرهار إن المعتقل السابق غالب حسن عينته وزارة الداخلية الأفغانية قائداً محلياً للمقاطعة المذكورة، لكن الزعماء العشائريين المحليين الذين لم يرتضوا أسلوبه في القيام بمهماته وشوا به لدى القوات الأميركية فتم اعتقاله ونقله إلى غوانتانامو. وفيما تمسكت وزارة الدفاع البنتاغون والقائد السابق لسجن غوانتانامو الأميرال مارك بازبي بأن السجناء قدموا معلومات"قيمة"عن قيادة حركتي"طالبان"و"القاعدة"، قال مسؤول استخباري أميركي إن المعلومات التي أدلى بها المعتقلون"تافهة ولا قيمة لها". وذكر أنه ظل يتلقى تقارير استخبارية عن المعتقلين كان يطلب منه تحليلها،"وعلى مدى نحو ثلاث سنوات قمت بتقويم نحو 40 فرداً، معظمهم أفغان، ولا أذكر أنني أوصيت باستمرار اعتقال سوى شخص واحد منهم". ونقلت"خدمة ماكلاتشي"عن الوزير السابق للجيش الأميركي وايت قوله. إن كثيراً من المعتقلين تم احتجازهم أثناء عمليات قامت بها القوات الأفغانية المتحالفة مع القوات الأميركية. وأضاف أن أحد المعتقلين الأفغان كان عمره يزيد على 80 عاماً. وقال المحقق الاستخباري العسكري السابق في قاعدة باغرام الرقيب ايريك باركليس الذي عمل هناك من أيلول سبتمبر 2002 حتى كانون الثاني يناير 2003:"لقد أوصينا بإطلاق عدد كبير من الأشخاص من قاعدة باغرام، لكن ذلك لم يحدث. اعتقد أن الأمر انتهى ببعضهم إلى غوانتانامو من دون مبرر فعلي لذلك". وأضاف:"يجب أن نفهم أن بعض هؤلاء الأشخاص وشى بهم جيرانهم أو أفراد عائلاتهم المتشاحنون معهم. صحيح ضبطت بحوزتهم أسلحة، كل شخص في أفغانستان يملك سلاحاً. بعض تلك الأسلحة يعود إلى عهد الاحتلال السوفياتي ولم يكن استخدامها ممكناً". وكانت القوات الأميركية ألقت منشورات من الجو تعد بمكافآت مالية لمن يرشد إلى زعماء"القاعدة"و"طالبان"في نهاية العام 2001. وذكرت"خدمة ماكلاتشي"أن 22 فقط من المعتقلين السابقين ال66 الذين أجرت معهم مقابلات نسبة تعادل 33 في المئة اعتقلتهم القوات الأميركية، بل إن 17 من أولئك ال 22 هم مواطنون أفغان احتجزوا في منتصف العام 2002 أو بعد ذلك في نطاق مهمة حفظ السلام في أفغانستان، وهي عملية كانت لمناهضة التمرد وليس الإرهاب. وتشير المقابلات مع المعتقلين السابقين والمسؤولين الأميركيين إلى أن سجن قاعدة باغرام ظل مركزاً لممارسة التعذيب المنتظم لما لا يقل عن 20 شهراً منذ نهاية العام 2001. وذكرت"خدمة ماكلاتشي"أنه على رغم متابعة الصحف الأميركية لبعض وقائع التعذيب في باغرام، إلا أنها في حقيقتها تفوق التعذيب وإساءة المعاملة اللذين حدثا في سجن غوانتانامو، بل إن الإدارة الأميركية لم تخضع جنديين ضربا معتقلين حتى الموت في باغرام لأي مساءلة. وتتمسك"خدمة ماكلاتشي"بأن تحقيقها حدا بها إلى التوصل إلى أن سجن قاعدة باغرام جنوبكابول هو المعتقل الأميركي الأشد عنفاً وتعذيباً في العالم، خصوصاً خلال الأشهر السبعة من صيف 2002 إلى ربيع 2003، إذ استخدمت أساليب في الاستجواب أدى تطبيقها لاحقاً في سجن أبو غريب قرب بغداد إلى تنديد عالمي بممارسات إدارة بوش. وشملت تلك الممارسات استخدام الإهانة الجنسية للمعتقلين، بحسب تأكيدات العريف سيلينا سالسيدو، التي كشفت أنها شاهدت زميلها داميان كورسيتي ينزع سروال أحد المعتقلين ليترك أعضاءه التناسلية عارية. ورفضت وزارة الدفاع الأميركية التعليق على ما توصلت إليه"خدمة ماكلاتشي"، واكتفى متحدث باسمها بالقول إن المعتقلين يعاملون بطريقة إنسانية. ورفضت واشنطن محاسبة أي ضابط برتبة أعلى من نقيب كابتن على ما حدث من إساءة معاملة في باغرام. وذكر الأميرال بازبي الذي تولى إدارة سجن غوانتانامو أنه يفترض وجود خلية ناشطة لتنظيم"القاعدة"داخل السجن المذكور. فيما أقر مسؤولون أميركيون وأفغان بأن سجن غوانتانامو أضحى يقوم بتخريج قادة جدد للمتشددين. ويشير التحقيق إلى حال المعتقل الأفغاني محمد نعيم فاروق الذي كان زعيم عصابة إجرامية في منطقة زورمات شرق أفغانستان، واحتجزته القوات الأميركية عام 2002، من دون أن تكون له أي صلة ب"طالبان"ولا"القاعدة". وبعدما أطلق من غوانتانامو بعد عام تعرض خلاله للتعذيب وإساءة المعاملة أضحى أحد قادة"القاعدة". وعندما أصدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي. آي. ايه. في عام 2006 لائحة بالأشخاص ال 20 المطلوبين في أفغانستانوباكستان، ويتصدرها زعيم"القاعدة"أسامة بن لادن، كان فاروق يحتل المرتبة ال 16 بينهم. ويشير التحقيق إلى نجاح"القاعدة"و"طالبان"في إقامة هيكل تراتبي لقيادتها داخل سجن غوانتانامو لتولي مهمات القيادة والتجنيد والتواصل مع الخارج. وقال محامي أميركي يدافع عن معتقل عربي"إن موكله رفض مقابلته لأنه تلقى أمراً من قادة التنظيم داخل السجن بالكف عن التحدث إلى الأميركيين". وتنسب"خدمة ماكلاتشي"إلى معتقل أفغاني سابق يدعى عبدالظاهر قوله إن قيادة"طالبان"داخل المعتقل أبلغوه في حزيران يونيو 2006 بأنه سيكون هنالك ثلاثة شهداء، بعدما اجتمع قادة عرب و"طالبان"داخل السجن واتخذوا قراراً في"مجلس الشورى"الخاص بخلية غوانتانامو بأن يتطوع ثلاثة معتقلين بقتل أنفسهم من أجل تحرير بقية المعتقلين. وأعلن صباح اليوم التالي أن ثلاثة معتقلين عرب، بينهم سعوديان، أقدموا على الانتحار.