نُشِرَتْ في ملحق تراث بجريدة"الحياة"العدد: 16787 - 21/03/09 مقالة للباحث صلاح حسن رشيد تحت عنوان"مخطوطة"الوسائل إلى معرفة الأوائل"للسيوطي"ومما قاله الباحثُ:"تعتبر مخطوطة كتاب"الوسائل إلى معرفة الأوائل"للحافظ جلال الدين السيوطي"ت 911 ه/ 1505"من عيون المخطوطات في هذا الشأن، فهي تبحث عن أوائل الازدهار الفكري والعرفي والحضاري على ظهر الأرض، ومنذ بدء الخليقة. وإذا كان فن"الإتيكيت"فناً غربياً، في نزعته وتكوينه، فإن مخطوطة الأسيوطي تؤكد أن"الإتيكيت"كان معروفاً لدى العرب والمسلمين في حضارتهم قبل أكثر من خمسة عشر قرناً من الزمان". عندما يقرأُ القارئُ هذا الكلام يظن أن البحث يدور حول اكتشاف مخطوطة مجهولة، أو مخطوطة نادرة تمّ اكتشافها حديثاً، أو مخطوطة طبعت للمرة الأولى حديثاً، أو أُعيدت طباعتها مع إضافات جديدة مبتكرة تزيد على طبعة سابقة، ولكننا لا نجد أثراً لشيء مما ذكرناه، فالطبعة التي يتحدّث عنها الباحث قد صدرت منذ أكثر من ربع قرنٍ من الزمن. ويقول الباحث صلاح حسن رشيد في مقالته في"الحياة":"ويرى الباحثان المصريان إبراهيم العدوي وعلي محمد عمر - محقِّقا مخطوطة السيوطي والصادرة عن مكتبة الخانجي في القاهرة - أن هذه المخطوطة لَخَّص فيها السيوطي كتاب الأوائل للعسكري وزاد عليه أضعافه". وهكذا يمرّ الباحث مرور الكرام من دون ذِكر تاريخ الطبعة التي يتحدث عنها في سياق الحديث عن المخطوطة، ثم يبين لنا مشكوراً أن المحققين اعتمدا"على نسختين للمخطوطة، الأولى: كُتبت بقلم معتاد، بخط علي الشعراوي، وتقع في 88 ورقة، وفي كل صفحة 17 سطراً، ومتوسط الكلمات في كل سطر تسع كلمات، وهي محفوظة في دار الكتب المصرية برقم 1932 تاريخ طلعت. والأخرى: كُتبت بقلم معتاد أيضاً عام 1027 ه، وقد وُضعت العلامة"ك"فوق مادة الأوائل التي أضافها السيوطي، وهي تقع في 90 صفحة وهي محفوظة أيضاً في دار الكتب المصرية برقم 319 تاريخ تيمور". وهذا الكلام يدفعنا للبحث عن مخطوطات الكتاب ومطبوعاته، فالطبعة التي يتحدث عنها هي الثانية من الكتاب،إذ صدرت الطبعة الأولى منه بتحقيق محمد أسعد طلس عن مطبعة النجاح في بغداد، عام 1369 ه/ 1950م، وتقع تلك الطبعة البغدادية في 216 صفحة، ومقدمة في 12 صفحة، وفهارس في 61 صفحة. ومجموع صفحاتها 289 صفحة. وبعد صدور الطبعة العراقية بثلاثين سنة صدرت طبعة مكتبة الخانجي في القاهرة عام 1401 ه/ 1980م، وهي الطبعة التي اطلع عليها الباحث صلاح حسن رشيد، ولم يذكر لنا تاريخ نشرها ولا تاريخ نشر ما سبقها. وتقع طبعة الخانجي في 191 صفحة، ومقدمة في 11 صفحة، وفهارس في 35 صفحة، ومجموع صفحاتها 237 صفحة. وهذا يعني أن الطبعة العراقية تزيد على الطبعة المصرية من حيث عدد الصفحات، وأن الباحثين المصريين قد استفادا من الطبعة العراقية، ولم يذكر مدى تلك الاستفادة والاقتباس الباحث صلاح حسن رشيد، وقد ورد ذِكر الطبعتين في الكتب الخاصة بالتراث العربي الإسلامي المنشور. انظر: ذخائر التراث العربي الإسلامي المطبوعة: 1/605، لعبد الجبار عبد الرحمن، منشورات جامعة البصرة 1401 ه/ 1981م، والمعجم الشامل للتراث العربي المطبوع: 3/338. وبعد صدور الطبعتين نشرت دار مكتبة الحياة بيروت، الطبعة الاولى 1408 ه/ 1988م، تحقيق: عبد الرحمن الجوزو، ثم حقق الكتاب أحمد عبد القادر، ونشرته دار الوفاء، المنصورة، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، ط. الأولى، 1410 ه/ 1990م، ثم سطا على الطبعات السابقة محمد زينهم وادعى أنه حقق الكتاب وعلق عليه وقدم له، و نشرته دار الآفاق العربية، في القاهرة عام 1424 ه/ 2003م، والحقيقة أن كل هؤلاء المحققين عيال على المحقق الأول محمد أسعد طلس، وتعددت أسماء المحققين لأسباب تجارية غير علمية. أما الحديث حول مخطوطات الكتاب فهو ذو شجون لأن المخطوطات العربية والإسلامية لم تفهرس في شكل كامل، ومن الإشارات المتقدمة إلى الكتاب ما ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون: 2/207، ومع ذلك فإن ما نُشر من الفهارس يدلنا على أن لكتاب الوسائل مخطوطات أُخرى غير المخطوطتين اللتين ذكرهما المحققان. وإن المخطوطات المعروفة من كتاب الوسائل هي: مخطوطة مكتبة السليمانية في إسطنبول ذات الرقم الحميدي: 708/27، والمخطوطة ذات الرَّقْم الْحَمِيْدِيّ: 843/1، وتقع في ستين ورقة. وأوَّلُها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وبه ثقتي، الحمد لله الأول فليس له آخر... وبعد فهذا كتاب لطيف جامع لخصت فيه كتاب الأوائل للعسكري، وزدت فيه أضعافه، ورتبته ترتيباً حسن التناول على الأبواب... وَسَمَّيْتُه بالوسائل إلى معرفة الأوائل، وما جزمت به ولم أعزه فهو ما ذكره العسكري جازماً به بلا سَنَدٍ ولا عزو، فإني أورده بإسناده... وقد كتبت هذه المخطوطة في غرة جمادى الأولى عام1100 ه/ 1689م. ووردت في آخرها عبارة:"بَلَغَ مُقَاْبَلَةً بحسب الطاقة والإمكان"وهذه العبارة تدل على توثيق المخطوطة. وهنالك مخطوطات أخرى من الكتاب في مكتبة السلطان أحمد الثالث، رقم: 1541/106، وهي مكتوبة عام 998 ه، ورقم: 2343، ورقم: 2437، ورقم: 3054، وفي مكتبة السلطان أبايزيد"رقم: 5361، ومكتبة كوبريلي، رقم: 1080/5، ورقم: 1579/8، ومكتبة حسين جلبي، رقم: 860/2، وهي مكتوبة عام914 ه، أي بعد وفات المؤلف بثلاث سنوات، وتوجد مخطوطة في مكتبة جعفر ولي، رقم: 274، وخزانة جامع الزيتونة بتونس/ أدب: 4744، ودار الكتب الوطنية بتونس: 4756، وحسن حسني عبد الوهاب بتونس: 18537، ومكتبة علي بن إبراهيم الخاصة في صنعاء، رقم: 151، وفي مكتبة الأوقاف العامة في بغداد: 307/1، وفي مكتبة المدرسة الرضوانية في الموصل: 18/76/8، وفي مكتبة بلدية الإسكندرية: 5575/ج، وفي المكتبة الأزهرية: 5403 عام - 209 خاص. ولاشكّ في أن هنالك مخطوطات أُخرى من الكتاب غير هذه المخطوطات المذكورة. أما مؤلف"الوسائل"فهو عبد الرحمن بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عثمان بن مُحَمَّد، الخضيري الطولوني، الأسيوطي، السيوطي، جلال الدين، أبو الفضل ت911 ه/ 1505م، فأصله من أسيوط، ونشأ بالقاهرة، وكان عالماً شافعياً ومؤرخاً ومحدثاً، ولما بلغ أربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة وتحرير مؤلفاته فألف كثيراً من الكتب. واتُّهِم بالأخذ من التصانيف المتقدمة ونسبتها إلى نفسه بعد أجراء التقديم والتأخير فيها، ومن مؤلفاته: الأشباه والنظائر في فروع الشافعية، والحاوي للفتاوى، والإتقان في علوم القرآن، وفي هذا الكتاب روايات موضوعة، ولعل السبب هو أن أواخر سنوات حياة السيوطي كانت في فترة حكم قانصوه الغوري الذي اتبع الصفويين، وكانت نهايته على يد الخليفة العثماني سليم الثاني في معركة مرج دابق في 25 رجب 922 ه/ 24 آب/ أغسطس 1516م. الأعلام 3/، معجم المؤلفين الطبعة القديمة: 5/128-131. وطبعة المجلدات الأربعة 2/82. GAL، II، 143. وكتاب"الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، تاريخ مكة"لقطب الدين المَكِّيّ الحنفي النهروالي: ص: 127، طبعة المطبعة العامرة في القاهرة عام 1303 ه/ 1885م. وصرح الباحث أن السيوطي استفاد من كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري ت 395 ه/ 1005م، وقد صدرت منه طبعات كثيرة، ونحن نرى أن السيوطي قد استفاد أيضاً من كتاب الأوائل لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ت 360 ه/ 971م، ومن كتاب الأوائل، لأبي بكر بن أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني الذي نشرته دار الخلفاء للكتاب الإسلامي في الكويت، تحقيق : محمد بن ناصر العجمي، كما استفاد من كتاب الأوائل في الحديث ليوسف بن عبد الرحمن القضاعي الدمشقي المزي ت 742 ه/ 1341م، ومنه مخطوطة في الخزانة التيمورية رقم: 368. وقد ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون أن المتأخرين قد ألحقوا مباحث الأواخر بعلم الأوائل، وذكر من المصنفات بهذا الصدد:"الأوائل للعسكري، وإقامة الدلائل لابن حجر، ومحاسن الوسائل للشبلي، ومحاضرة الأوائل لعلي ده ده، وأزهار الخمائل لابن دوقه كين، والوسائل أرجوزة أيضاً، وكتاب الأوائل لمحمد بن أبي القاسم الراشدي، وكتاب الجلال لابن خطيب داريا، وكتاب الأوائل للطبراني"كشف الظنون: 1/199-200. طبعة جامعة إسطنبول 1360 ه/ 1941م. أمّا فن المراسم والسلوك الذي عبّر عنه الباحث ب"الإتيكيت"واعتبره" فناً غربياً، في نزعته وتكوينه"فهو كلام يناقض قوله:" فإن مخطوطة الأسيوطي تؤكد أن"الإتيكيت"كان معروفاً لدى العرب والمسلمين في حضارتهم قبل أكثر من خمسة عشر قرناً من الزمان"، وبالإضافة إلى ذلك نقول: هنالك كتب خصصها مؤلفوها المسلمون لموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومواضيع السلوك، والآداب الشرعية، والشؤون الإدارية في الإسلام، وهي مواضيع تتضمّن في ما تتضمّنه"الإتيكيت"وغيره. ومن تلك الكتب على سبيل المثال:"كتاب الآداب الشرعية والْمِنح المرعية"لمحمد بن مفلح الحنبلي الدمشقي ت 763 ه/ 1362م، وهو كتاب يتضمن أصول وفروع"الإتيكيت"وفنونه، وقد نشرته مؤسسة قرطبة في القاهرة عام 1407 ه/ 1987م في ثلاثة مجلدات، وهنالك كتاب"سلوك المالك في تدبير الممالك"، لشهاب الدين المعتصم أحمد بن محمد بن أبي الربيع، طبعة جمعية المعارف المصرية لمحمد توفيق باشا عام 1286 ه/ 1869م وكتاب"مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها ومرضيها"، تأليف أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل السامري الخرائطي، المطبعة السلفية، 1350 ه/ 1931م ومن تلك الكتب كتاب"سرج الملوك"للطرطوشي، وكتاب التبر المسبوك في نصيحة الملوك للغزالي، وكتاب"سلوان المطاع في عدوان الأتباع"لمحمد بن أبي محمد بن علي القرشي المعروف بابن ظفر ت 565 ه/ 1170م، وكتاب"المنهج المسلوك في سياسة الملوك"لعبد الرحمن بن عبد الله الشيزري ت 589 ه/ 1193م، منشورات مكتبة المنار في الأردن عام 1407 ه/ 1987م. ومن الكتب التي أصَّلت للشؤون الإدارية في صدر الإسلام كتاب"تخريج الدلالات السمعية""تأليف: علي بن محمد بن سعود الخزاعي ت 789 ه/ 1387م، تحقيق: إحسان عباس، ومنشورات دار الغرب الإسلامي، وقد جاء في مقدمة"تخريج الدلالات"أن الخزاعي كان يلتقط الفوائد ويقتنص الشوارد التي سيبني منها كتابه أيام عزلته عن العمل، وأنه استمر يجمع ويرتب ويبوّب حتى انتهى من ذلك عام 786 ه/ 1384م، وإذا به ينهي عملاً طويلاً شاقاً يسميه"تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية". الذي قدّمه إلى موسى بن المتوكل علي الله المريني. وأثبت الخزاعي أن"العمالات الشرعية"ليست شيئاً مستحدثاً، وإنما هي خطط وجدت أيام الرسول، وتولاها كثيرون من الصحابة، فمَن تولاها من بعد لم يخرج عن النهج المرضي بل إنه ليحرز الشرف الكبير لأنه يجد نفسه واقفاً في ركب صحابي جليل، وكذلك يقال أيضاً في أصحاب الحرف والصنائع، فإن أي قارئ لهذا الكتاب سيجد الحقيقة الصادقة التي تزيل عن أصحاب الخطط وأصحاب الحرف وصمة البدعة. * كاتب سوري مقيم في لندن نشر في العدد: 16794 ت.م: 28-03-2009 ص: 27 ط: الرياض