ساهم اهتمام الشريعة الإسلامية بأعمال الخير في إنشاء الأوقاف الأحباس وساعدت الأوقافُ طلبة العلم على تحصيل العلوم، روى الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت 360 ه في كتاب الأوائل "حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج، حدثنا محد بن يزيد الأدمي، حدثنا يحيى بن سُليم الطائفي، عن عُبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أنّ عُمرَ رضي الله عنه استشارَ النبيَ صلى الله عليه وسلم، في صدقةِ أرضِهِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَحْبِسْ أَصْلَهَاْ، وَتَصَدَّقْ بِثَمَرِهَاْ" قال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: فإنّها لأوّلُ صدقةٍ تُصُدِّقَ بها في الإسلام." رواه الخمسة في كتب الحديث. بعدما انتشر الإسلام في بلاد البوسنة والهرسك تولى أولياء أُمور المسلمين رعايةَ العلوم والأداب، وبنوا الجوامع والمساجد والمدارس والمكتبات، وازدهرت أعمال الوراقين والخطاطين، وأهمّ مكتباتها هي مكتبة والي البوسنة والهرسك الغازي خسرو بك بن فرهاد بك، وابن الأميرة سلجوقة بنت الخليفة العثماني السلطان بايزيد "أبو يزيد" الثاني. وُلد خسرو بك سنة 1480م في مدينة سيروز اليونانية حيث كان والدهُ والياً عليها، وفي سنة 1521م عُين والياً على البوسنة والهرسك، واستمرت ولايته حتى سنة 1541، وقاد الجيوش الإسلامية في أوروبا الشرقية، وصد هجمات الطامعين ورعى في الوقت نفسه العلوم والآداب، وأوقف مئات المزارع والقرى والحوانيت للإنفاق على مؤسساته الوقفية، وشيّد في البوسنة الكثير من المنشآت الوقفية،وخصّ العاصمة بالكثير من المرافق العامة الوقفية، التي مازالت قائمة حتى الآن، ومنها الجامع والمدرسة الإسلامية، والحمّام والسوق المسقوفة، وأسبلة المياه، ودار الضيافة، والمكتبة التي أسسها سنة 944ه/ 1537، وألحقها بمدرسته في جوار جامعه في ساراييفو. وفي سنة 1863، نُقلت المخطوطات من مقرها القديم إلى مقر جديد، وفي سنة 1935م نُقلت المخطوطات إلى مقر أوسع في جامع السلطان فبقيت هنالك حتى بداية الحرب الأخيرة، وتَمّ تغيير أماكن المخطوطات مرات عدة أثناء الحرب حتى نجت من نيران المدفعية الصربية والكرواتية. فهرسة المكتبة تعود بدايات أعمال الفهرسة في مكتبة الغازي إلى سنة 1937، إذْ بدأها الشيخ محمد الخانجي ت 1944، فتابع الفهرسة بعده الدكتور حازم شعبانوفيج، ثم الأستاذ قاسم دوبراجا، فصدر المجلد الأول من فهارس المكتبة عن مشيخة الجماعة الدينية الإسلامية في جمهورية البوسنة والهرسك سنة 1963، ثم صدر المجلد الثاني من الفهارس سنة 1979. والمجلدان من إعداد قاسم دوبراجا، ثم صدر المجلد الثالث سنة 1991، عن المشيخة الإسلامية في الجمهورية، وأعد المجلد الثالث زينل فاييتش، وتوقف إصدار الفهارس لأسباب مادية بعدما وصل المفهرسون إلى المخطوطة ذات الرقم: 2627. أتمّ الأستاذ الدكتور فهيم علي ناميتاك إعداد المجلد الرابع من فهرس مكتبة الغازي خسرو بك، ثم طبعته دار القلم في ساراييفو تحت عنوان "فهرس المخطوطات العربية والتركية والفارسية والبوسنوية"، إصدار مشترك بين مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي في لندن، ورئاسة الجماعة الإسلامية في البوسنة والهرسك في ساراييفو، وصدر في نهاية العام 1419ه/ 1998. ويتضمن المجلد الرابع فهرسة مخطوطات المكتبة من الرقم: 2628 حتى الرقم: 3244، فبلغ عدد المجلدات المُفهرسة في هذا الجزء: 617 مجلداً منها ماهو خاصّ بمخطوطة واحدة ومنها ماهو مجموع يتضمن أكثر من عنوان، وتتضمن المجلدات التي تمت فهرستُها في هذا المجلد: 680 عنواناً من عناوين كتب التراث المخطوط في المكتبة، وتوجد لبعض العناوين عدّةُ مخطوطات، ويقع المجلد الرابع من الفهرس في 580 صفحة من القطع الوسط. المجلد الخامس أعَدَّ الأستاذ زينل زين الدين فايتش فهرسةَ المجلد الخامس في العام الجاري، وتمّت طباعته في دار القلم تحت عنوان: "فهرس المخطوطات العربية والتركية والفارسية والبوسنوية"، وإصدار مشترك بين مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي في لندن، ورئاسة الجماعة الإسلامية في البوسنة والهرسك. ويتضمن المجلد الخامس فهرسةَ مخطوطات المكتبة من الرقم: 3245 الى الرقم: 3694. وبلغ عدد المجلدات المُفهرسة في هذا الجزء 450 مجلداً بعضها خاصّ بمخطوطة واحدة وبعضها مجموع يتضمن أكثر من عنوان. وتتضمن المجلدات التي تمت فهرستُها في هذا المجلد 405 عناوين لكتب التراث المخطوط في المكتبة، ولبعض العناوين عدّةُ مخطوطات. ويقع المجلد الخامس من الفهرس في 544 صفحة من القطع الوسط، وفيه تسع لوحات من المخطوطات مصورة على ورق مصقول وطباعة المجلد وتجليده من النوع التقليدي الكلاسيكي الفاخر. يتضمن المجلد الخامس من الفهرس مخطوطات رائعة باللغة العربية، والتركية العثمانية، والفارسية، والبوسنوية، والموضوع الأساسي للمخطوطات المُفهرسة في هذا المجلد هو الحكمة الفلسفة والمنطق والجدل المسمى بآداب البحث والمناظرة، والتاريخ بما فيه من سير ومناقب وطبقات، والجغرافيا. واقحمت بعض المواضيع الأخرى في هذا المجلد بسبب وجودها ضمن المجاميع المخطوطة التي ضمّت أكثر من كتاب، مما تسبب في تداخل موضوعات المخطوطات. وهكذا نجد تنوع المواضيع فيما تضمّنه هذا المجموع من مخطوطات أعطيت رقماً مُتسلسلاً واحداً هو: 3462، أما رقمه القديم فهو: 3501، ثمّ أُعطي كلُّ عنوان من العناوين التي تضمّنها المجموع رقماً فرعياً مُتسلسلاً تحت الرقم المتسلسل الأساسي إبتدأ بالرقم: 3462 /1، وانتهاءً بالرقم:3462 / 11، وسبب تداخُل المواضيع في الفهرس هو أن تصنيف الفهرسة تمَّ بالإعتماد على أوّل عناوين المخطوطات التي يضمّها المجموع، فأُدرجت باقي العناوين. من المخطوطات التاريخية المهمة التي تضمنها المجلد: تاج التراجم في طبقات الحنفية، والمجلد الخامس من تاريخ إبن الأثير الجزري، وتاريخ الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم أجمعين، وتاريخ البوسنة والهرسك لصالح صدقي المؤقت الذي كتبه باللغة التركية العثمانية، ويقع في أربع مجلدات ضخمة وهي بخط المؤرخ البوسنوي أنوري، ويُؤرخ في هذا الكتاب من سنة 575 ه/ 1179م حتى سنة 1294ه/ 1877م، وتاريخ وُقوعات وإنقلابات الهرسك لحُسين براجكوفيتش التربينلي ت: 1312 ه/ 1895م وتاريخ محمد أنوري قاضيتش إبن القاضي بخط المؤلف، ويقع في 28 مُجلداً من المجلدات الضخمة تؤرّخ من سنة 766ه/ 1364م حتى سنة 1346ه/ 1927م، وأخبارالدول الأُول للقراماني، وذكر تيمور ومافعل من معرّات الأمور، كتاب نظام العلماء إلى خاتم الأنبياء لحسن كافي الآقحصاري البوسنوي ت 1025ه/ 1616م، ورسالة في مناقب الشيخ يويو مصطفى بن يوسف الموستاري. أما كتب الجغرافيا المذكورة في الفهرس فهي عجائب المخلوقات تأليف أحمد بيجا يازجي أوغلى ت 857 ه/ 1453م وكتاب التحفة السنية بأسماء الديار المصرية لإبن الجيعان ت 885 ه/ 1480م ويقع في مئة ورقة، وإعلام العباد في أخبار البلاد لمصطفى بن على المؤقت في الجامع الخاقاني السليمي ت 979ه/ 1579م وألف كتابه سنة 949ه، ورسالة البيب بشير جلبي القونيلي ت 824ه/ 1421م ورسالة أوصاف إسطنبول تأليف عبداللطيف لطيف القسطموني ت 990ه/ 1582م تحفة الحرمين الشريفين، مكةالمكرمة والمدينة المنورة ليوسف نابي ت 1093ه/ 1682مالسفر من مدينة ترافنيك البوسنوية إلى مكةالمكرمة سنة 1160ه/ 1747م في تسع أوراق، وكتاب أسامي مُدن وولايات وناحيات لمجهول ويقع في 23 ورقة. ومن مخطوطات علم السياسة وإدارة الدول كتاب الفراسة لأجل السياسة لشمس الدين محمد بن إبراهيم بن أبي طالب الأنصاري الصوفي الدمشقي ت 727ه/ 1327م، وكتاب ترتيب العلوم لسجاقلي زادة ت 1145ه/ 1732م، وتهافت الفلسفة لخواجة زاده ت 983ه/ 1487م، ومفتاح العلوم للسكاكي، وتلخيص المفتاح للحاج إبراهيم بن يوسف البوسنوي ت 739ه/ 1793م وتحقيق الكناية والإستعارة لإبن كمال باشا، والهرونية في التصريف، وشرح الهارونية في التصريف، والمقصود في التصريف، وقصيدة في معرفة المؤنثات السماعية، ورسالة فلكية لربع الدائرة في سمت المقنطرة، ورسالة في العمل بالربع المُجيّبد لسبط بن المارديني، وهنالك الكثير من الكتب التراثية المتعددة الموضوعات. يذكر أن كل مخطوطة في الفهرس لها رقمان، فالرقم الموجود على يسار الفهرسة هو الرقم المتسلسل التابع لأجزاء الفهرس الأربعة السابقة، أما الرقم الموجود على يمين الفهرسة فهو رقم التسجيل في الفهرس الأساسي القديم لمكتبة الغازي خسرو بك. ويلاحظ أن عناوين المخطوطات كُتبت بلغاتها الأصلية من عربية وتركية عثمانية وفارسية وبوسنوية، وكذلك بدايات المخطوطات ونهاياتها، أما المعلومات الوصفية من عدد الأوراق، ونوع الخط، والمسطرة، وتاريخ وفاة المؤلف، ومراجع المفهرس، وغير ذلك من معلومات الفهرسة الوصفية فقد كُتبت باللغة البوسنوية. وكُتب التقديم والتصدير والمقدمة بثلاث لغات العربية والبوسنوية والإنكليزية. وزُوِّدَ الفهرس بقائمة ببليوغرافية كُتبت بالحروف العربية والعثمانية والفارسية، وتضمنت القائمةً عناوين المخطوطات مع أرقامها المتسلسلة في الفهرس، كما زود الفهرس بقوائم مكتوبة بالحروف البوسنوية اللاتينية، وتتضمن قوائم بأسماء الكتب وأسماء المؤلفين، والنُّساخ، والذين وقفوا المخطوطات، وبأسماء الأماكن التي نسخت فيها المخطوطات أو وُقفت بها، وأسماء المكتبات التي جُمعت منها، كما تضمن الفهرس قائمة تتضمن أرقام المخطوطات المُفهرَسةِ حسب التسلسل الرقمي الجديد ومايقابله من أرقام قديمة، وتعتبر هذه القائمة بمثابة مفتاح ضروري للباحثين الذين يعرفون الأرقام القديمة التي اعتمدها كارل بروكلمان وفؤآد سزكين وغيرهما من الذين اهتموا بتأريخ التراث العربي والإسلامي من خلال الإعتماد على المخطوطات المحفوظة في المكتبات العربية والعالمية. ويشار إلى أن كل المخطوطات المذكورة في هذا المجلد تمّ تصويرها على الميكرو فيلم، وتوجد نسخة مصورة منها في قسم تصوير المخطوطات في مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي في لندن، والمخطوطات المصورة متاحة للباحثين الذين يرغبون الإستفادة منها. وأعمال الفهرسة مستمرة إذ ان المجلد السادس على وشك الصدور قريباً، وسيليه المجلد السابع قبل نهاية العام الجاري وستتواصل أعمال الفهرسة والتصوير لكل موجودات المكتبة. * زميل باحث في كلية الدراسات الشرقية والافريقية، جامعة لندن ساواس.
