يعيشون بيننا. ننهك ليل نهار لتلبية رغباتهم التي تتصاعد كلما أعلنت تقنية متطورة وصولها إلى ديارنا، كما حدث مع"الانترنت السريعة"أخيراً. ترسخت قدم"نجمهم"الأكثر شعبية في بيوتنا، فصار ركن الكومبيوتر جزءاً منها كما كان الحرملك والسلاملك وغرفة المسافرين في زمان مضى. هل التقطت عين التلفزة العربية جيل الانترنت وهم في صلب أجيال الشباب العرب الذين يشكلون الشريحة الأكبر في مجتمعاتنا بما يجب من الإهتمام؟ الأرجح لا، ولا كبيرة أيضاً. لنقارن الأمر بالسيارة أو المدرسة أو الجامعة أو الكتاب أو التلفزيون أو حتى التدخين وتعاطي المواد الممنوعة. كل تلك الأمور تحضر في التلفزة وبرامجها ومسلسلاتها وتحقيقاتها المصورة ومنوّعاتها بقوة كبيرة. لعل أشد مظاهر قوة هذا الحضور هو"خفاؤه"أيضاً"بمعنى أن أكثر أشكال القوة تأثيراً هو عندما لا تحضر بصفتها المباشرة والعارية، بل عندما تبدو كأنها شيء بديهي في معطيات الحياة. ولكن التلفزيون لا يتناول الانترنت وأجيالها الشابة إلا في صورة الشيء النافر. تتذكر شاشات التلفزة العربية"شباب الانترنت"إذا جاز استعمال هذا التعبير إذا قُدّم"بلوغر"الى المحاكمة، أو إذا وُضعت على الشبكة الإلكترونية أفلام مناهضة للأنظمة الحاكمة أو إذا أغلقت بعض المواقع المُشاغبة سياسياً أو غيرها. أما الحياة اليومية لأجيال الانترنت، فلا تزال خارج الاهتمام اليومي لتلفزة العرب"إلا قليلاً. ثمة برامج عن التقنية الالكترونية تظهر على غير شاشة عربية، خصوصاً في الخليج، لكنها أقرب الى الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. لكن فيضاً من المسلسلات التلفزيونية يتحدث عن السيارة بوصفها جزءاً من الحياة اليومية وعاداتها وسلوك الشباب تجاهها، إضافة الى عملهم عليها واشتغالهم في مهن تتصل بصيانتها وشرائها وبيعها... ولا شيء يقارن بذلك بالنسبة الى الشبيبة التي باتت الإنترنت جزءاً من حياتها اليومية. يدأب الشباب على استعمال الشبكة الالكترونية في الحصول على مواد ترفيهية، مثل الموسيقى والأغاني كما يستعملونها في الحصول على الأرقام اللازمة لكسر شيفرة البث الفضائي"ويحصلون منها على برامج صغيرة تُسمى"كراك" تلزمهم لتنزيل نظم تشغيل الكومبيوتر وبرامجه الجديدة والمرتفعة الثمن غالباً"ويبرعون في التسلل الى المواقع والكومبيوترات التي يفترض أن تكون محمية الى حدّ أن"الهاكرز"وهو الاسم التقني لهؤلاء المتسللين صاروا جزءاً لافتاً ومرموقاً بين شبيبة العرب و...القائمة طويلة. كم مرّة بثت شاشات الفضائيات العربية برامج عن"الهاكرز"أو استعمال برامج"الكراك"ودوافعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية و...الجنسية أيضاً؟ كم مرة تذكرت شاشات التلفزة عربياً الشباب العاملين في مهن الشبكة الالكترونية مثل"مقدمي خدمة الانترنت"أو العاملين في صيانة المواقع وتقنيي المعلوماتية في الشركات؟ إن هذه النشاطات والفئات تُغير، بصورة متدرجة وصلبة، الكثير من أوجه الحياة اليومية عربياً، ما يجعل غياب كاميرا التلفزيون عنها أمراً يثير القلق.