"الوطنية للإسكان" و"طلعت مصطفى" تضعان حجر أساس "مدينة بنان"    صحف عالمية : إجماع دولي على عضوية فلسطين يعمق عزلة إسرائيل    محافظ جدة يشرف أفراح الغامدي    الأمير سعود بن نهار يدشن أكبر مجمع "قرآني تعليمي نسائي "على مستوى المملكة    توقف معظم المستشفيات بعد الاجتياح الإسرائيلي لرفح    يوكوهاما يقلب الطاولة بوجه العين    «نقطة» تفصل الزعيم عن التتويج بلقب الدوري    المياه الوطنية تُكمل الاختبارات التشغيلية لمخطط درب الحرمين بجدة    غدا.. انطلاق اختبارات نافس    جازان تسجّل أعلى كمية أمطار ب 55.1 ملم في سد بيش    تعليم عسير يُعرّف ب«نافس» تعليمياً ومحلياً.. و8 ميداليات ومركزان في الأولمبياد الوطني للتاريخ    أروقة الشعر بين علم الاجتماع والنفس    الأرض تشهد أقوى عاصفة مغناطسية منذ 21 سنة    "رئاسة الشوون الدينية" تستقبل طلائع الحجاج بالهدايا    99% من مسكنات الألم بها مواد مخدرة    التدريب التقني والمهني" ينظم معرض "مبتكرون 2024" بالشرقية غداً    وزارة الحج تدعو لاستكمال التطعيمات المخصصة لحجاج الداخل    مخالفو أنظمة الإقامة يتصدرون ضبطيات الحملات المشتركة    تدشين خدمة الرعاية الطبية المنزلية بمدينة الجبيل الصناعية    الجامعة العربية: القمة العربية تنعقد في ظرف استثنائي    جدة تشهد الملتقى التدريبي لفورمولا1 للمدارس    فيضانات أفغانستان تودي بحياة 200 شخص    أمين الشرقية يصدر قراراً باستحداث «بلدية الدمام»    أمين الشرقية يصدر قراراً باستحداث بلدية الدمام و(وكالة شؤون الإسكان )    الفياض: نستثمر في التكنولوجيا لمعالجة التحديات الصحية العالمية    هطول أمطار مصحوبة برياح نشطة على معظم مناطق المملكة    ليندمان: رؤية 2030 حفّزت 60 بعثة أمريكية للعمل بالمملكة    وزير النقل: لا نتدخل في أسعار التذاكر الدولية    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    مايكروسوفت تطلق متجراً لألعاب الهاتف    حظر الأظافر والرموش الصناعية بالمطاعم ومتاجر الأغذية    "الصحة" توضح الوقت المسموح للجلوس أمام الشاشات    نجاح علاج رضيعة صماء بالجينات    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يصل إلى الولايات المتحدة للمشاركة في آيسف 2024    اليابان تستعد لاستقبال ولي العهد    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ عبدالله بن سلمان بن خالد آل خليفة    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة معالي الشيخ عبدالله بن سلمان بن خالد آل خليفة    جمعية الرواد الشبابية تنظم دورة "فن التصوير" في جازان    الهلال ينهي تحضيراته للحزم    العطاوي: سنكمل نجاحات غرفة الرياض التجارية ونواكب المرحلة وتطلعات القيادة    شرطة مكة تقبض على مصريين لنشرهما إعلانات حملات حج وهمية ومضللة    سورية: مقتل «داعشي» حاول تفجير نفسه في السويداء    وزير الشؤون الإسلامية يدشن المنصة الدعوية الرقمية في جازان    رومارينهو: الخسارة بهذه النتيجة شيء ⁠محزن .. و⁠⁠سعيد بالفترة التي قضيتها في الاتحاد    إيغالو يقود الوحدة بالفوز على الخليج في دوري روشن    ترقب لعودة جيمس مدافع تشيلسي للعب بعد خمسة أشهر من الغياب    إنترميلان يكرر إنجاز يوفنتوس التاريخي    «سلمان للإغاثة» ينتزع 719 لغماً عبر مشروع "مسام" في اليمن خلال أسبوع    رئيس جمهورية المالديف يزور المسجد النبوي    "كنوز السعودية" بوزارة الإعلام تفوز بجائزتي النخلة الذهبية في مهرجان أفلام السعودية    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    رَحِيلُ البَدْرِ    رئيس جامعة جازان المكلف ⁧يستقبل مدير عام الإفتاء بالمنطقة    دلعيه عشان يدلعك !    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    القيادة تعزي رئيس البرازيل إثر الفيضانات وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية جديدة من صاحب "عالم صوفي". جوستن غاردر و"ابنة مدير السيرك"
نشر في الحياة يوم 04 - 06 - 2003

عندما اصدر الكاتب النرويجي جوستن غاردر روايته "عالم صوفي" عام 1991 كان معروفاً لدى حلقة ضيقة من القراء. ولكن لم تمض أيام حتى طارت شهرته في الآفاق. ترجمت الرواية الى كل اللغات الحية، تقريباً. وتجاوزت مبيعاتها عشرين مليون نسخة. ومع هذا فإن النقاد لم ينظروا بعين الرضا الى الرواية. وهم اعتبروها نصاً مدرسياً يتوخى تبسيط المعارف الفلسفية في ثوب حكائي. لم يكن النص، بقولهم، نتاج مخيلة وابداع بل ثمرة جهد اكاديمي يشتغله المرء في قاعة الدرس. ولم يخرج المؤلف من هذا النطاق في روايته التالية "مايا". لقد وقعت، هي الاخرى، في شبكة النسيج التعليمي، التبسيطي.
رواية جوستن غاردر الجديدة، "ابنة مدير السيرك"، تبتعد عن هذه الشبكة وتنجو من خناق الانشاء التربوي، وهي اقرب الى النص الروائي الذي يمتلك هوية وسحنة، من فضاء المخيلة. هذه رواية مشغولة بحذق وبصيرة، حيث تمتزج الاصالة بالغرابة، إذ لا يستند الكتاب الى المسرود التاريخي ولا يتكئ على الواقعة أو الحوادث المروية. انه نسيج ذاته ملفوف بالغانتازي والمبتكر. هنا يعطي الروائي لقارئه ثمرة من ثمار غوصه في القاع الاعمق للاشياء. بطل الرواية، بيتر، شخص استثنائي يتخطى المألوف. وهو يختار العيش بمحاذاة الحياة، محاذراً الاصطدام بها وجهاً لوجه. انه كمن يمكث بعيداً ويستمد اللذة من مراقبة ما يجري امامه. هو يتمتع بمشهد الآخرين يفعلون ما يفكر فيه هو. ولهذا المراد فقد اختار بيتر طريقة فريدة في تأمين مصدر عيشه. هو يزود الكتَّاب والروائيين بالافكار والمواضيع. الكتَّاب الذين نضبت مخيلتهم وتوقفت طاقتهم التصويرية عن العمل يأخذون منه مادتهم.
تنفتح الرواية على بيتر جالساً، وحيداً وخائفاً، في غرفة في فندق على ساحل البحر في مدينة نابولي الايطالية. هي الغرفة ذاتها التي كان جلس فيها الكاتب النرويجي الاشهر هنريك ابسن وانهى فيها كتابة مسرحيته الشهيرة "بيت الدمية". يجلس بيتر ليدمن خواطره وذكرياته. من حوله تتناثر اشرطة التسجيل الصغيرة وقصاصات الورق. فيها لا يصعب عليه ان يسجل ويدون كل ما يمكن ان يخطر على البال من صور ووقائع. انه مثل منجم من الحكايات والمكائد والحوارات وبدايات الاشياء وخواتمها. لديه نماذج لكل شيء: للقصص والروايات والمسرحيات والافلام. ولكنه لا يستطيع ان يصير مؤلفاً. هو لا يرغب في ذلك. وبدلاً من ذلك فهو يقيم عدداً هائلاً من القنوات التي من شأنها ان تأخذ صنائعه الى من يحتاج اليها، زبائنه هم أولئك الذين يتحرقون رغبة في ان يصيروا مؤلفين ولكن تعوزهم الملكة والخيال والقدرة على التأليف.
كان هذا شأن بيتر منذ الصغر. ومذ كان تلميذاً في المدرسة الابتدائية كان يبيع الاشعار والخطب والنوادر للآخرين. وعند نهاية الرواية يسترجع شذرات من طفولته ونفهم، عندئذ، ما الذي يمنعه من ان يصير مؤلفاً بنفسه فيضع افكاره وتخيلاته موضع التأليف والكتابة.
تبدو الرواية وكأنها تأمل في معنى الكتابة ومآلها. وهي كذلك احتفاء بالمخيلة واحتفال بطاقتها الهائلة على الخلق. المخيلة هي المرجل الكبير الذي يطلع منه العالم بهياً، غنياً، لا ينضب.
تكتنز الرواية روايات عدة. انها رواية الروايات أو حكاية الحكايات. فكل فكرة تجر وراءها فكرة أخرى وكل سرد حكائي يفتح الباب للدخول في سرد حكائي آخر، كأنما النص عبارة عن فيض من الحكايات تتراكض على صهوة خيال جامح لا يوقفه شيء. يروي بيتر حكاية ابنة مدير السيرك التي لا يعرف عنها احد شيئاً. والدها نفسه لا يعرف انها ابنته. ولكن حين تسقط الفتاة الرشيقة، بانينا مانينا وهذا اسمها، عن حبل التوازن وتكسر رقبتها يلمح مدير السيرك سلسالاً ذهبياً في رقبتها، وحينئذ تنكشف له حقيقتها.
في السلسال تعويذة بداخلها عنكبوت عمره أكثر من ألف عام. وعند هذه الحلقة تنبثق حكايات جديدة كما لو ان نبعاً تفجر. كأن المؤلف يراهن على متعة الحكي نفسها في الأخذ بيد القارئ والسير به عبر دروب متداخلة تفضي الى الضياع الشيق كأن الزمن يستسلم للكلمات ويتنازل عن سيره المعهود من الماضي الى المستقبل، فينهار وتتخبط مسيرته حتى لا يعود ممكناً الفصل بين الازمنة.
لا يتدخل الروائي كثيراً ليعلق على مجرى الاحداث، وهو يحجم عن ادخال مقولة في المتن الروائي فكأنه بذلك يوحي انه، مثل بيتر، ناقل حكايات وسارد وقائع لا أكثر.
يفلح جوستن غاردر، في هذه الرواية، في الابتعاد عن صرامة التدوين التوثيقي ويقترب اكثر من خصوبة المخيلة التي تصنع عالماً نرنو اليه ونستلذ به. عالم الغرائب والمفارقات والمتناقضات. عالم المفاجئ وغير المتوقع.
يحاول الروائي، من حيث يعي أو لا يعي، ان يعيد مناخ القصص الشرقية ويستعيد، في الكتابة، مناخات واحابيل "ألف ليلة وليلة"، التي ما انفكت تجذب نهم القراء من دون اعياء.
بهذه الرواية يعطي جوستن غاردر الانطباع في انه قادر على التحرر من قبضة التاريخ والارتماء في فضاء الخيال. وهو بهذا النص، يبتعد عن المؤرخ ويقترب من الروائي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.