رئيس وزراء الكويت يدعو مجلس الأمن لتبني قرار يمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتحدة    ارتفاع أسعار النفط وخام برنت يسجل 83.63 دولاراً للبرميل    السعودية للكهرباء تعمل على تصنيع قطع الغيار بالهندسة العكسية وتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد    «QNB» الراعي البلاتيني لمؤتمر جي تي آر السعودية الرياض 2024    رئاسة السعودية للقمة العربية 32.. قرارات حاسمة لحل قضايا الأمة ودعم السلام    ولي العهد يلتقي أمين الأمم المتحدة وملك الأردن ورئيس وزراء الكويت والرئيس السوري    وزير التعليم يشارك طلاب ثانوية الفيصل بالطائف يومهم الدراسي    المملكة والعراق توقعان مذكرة تفاهم في مجال منع الفساد ومكافحته    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    الرئيس الصيني يؤكد أن الحل في أوكرانيا سياسي    الشيخ بن حميد في منتدى "كاسيد": الإسلام يدعو للتسامح    " تطبيقية الرياض " تنظم المعرض السعودي للاختراع والابتكار التقني    "كواي" ابتكارات عالية التقنية تعيد تعريف التفاعل عبر مقاطع الفيديو القصيرة    ديربي النصر والهلال.. فوز أصفر غائب في الدوري منذ 3 سنوات    كيف جاءت نتائج 13 مواجهة بين الاتحاد والخليج؟    وقاية.. تقصّي الأمراض الخطرة وإعداد خطط الطوارئ    ولي العهد يصل المنامة لرئاسة وفد المملكة في القمة العربية    السعودية: ندين محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا.. نرفض كافة أشكال العنف    أمانة الشرقية تؤكد على المنشآت الغذائية بضرورة منع تحضير الصوصات داخل المنشأة    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    اختتام الاجتماع الوزاري الثاني لمنتدى الحياد الصفري للمنتجين بمشاركة الدول الست الأعضاء بالرياض    الكشافة تُدرب منسوبيها من الجوالة على "مهارات المراسم في العلاقات العامة"    جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تحتفي بالفائزين بجائزة "تاج"    الرياض تستضيف النسخة الثالثة من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي    نائب أمير الشرقية يستقبل وزير الاقتصاد والتخطيط    «الأرصاد»: رياح شديدة السرعة على عددٍ من محافظات منطقة مكة المكرمة    أمير المدينة يرعى تخريج البرامج الصحية ويترأس اجتماع المحافظين    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    مدرب الأهلي يخضع فيغا لاختبارات فنية تأهباً ل"أبها"    "الخطيب": السياحة عموداً رئيسيّاً في رؤية 2030    سمو محافظ الطائف يرعى حفل افتتاح المجمع القرآني التعليمي النسائي    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    الأهلي يتحدى الهلال والاتحاد يبحث عن «النصر»    صفُّ الواهمين    «عكاظ» تنشر الترتيبات التنظيمية للهيئة السعودية للمياه    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    «هاتريك» غريزمان تقود أتلتيكو مدريد للفوز على خيتافي في الدوري الإسباني    نريدها قمة القرارات لا التوصيات    حل وسط مع الوزراء !    محاولة يائسة لاغتيال الشخصية السعودية !    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    توثيق من نوع آخر    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    السفير الإيراني يزور «الرياض»    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحالة روس زاروا الأراضي المقدسة وكتبوا عنها منذ سبعينات القرن الرابع عشر
نشر في الحياة يوم 13 - 03 - 2001

في سبعينات القرن الرابع عشر زار الحاج اغريفين، من مدينة سمولينسك الروسية، أثناء رحلته الى الشرق الأدنى القسطنطينية والاسكندرية والقاهرة والقدس ودمشق وأنطاكية. وتناول في مذكراته مواضيع لم يتطرق لها من سبقوه من رحالة. وحاد عن وصف المدن، ونقل معلومات كثيرة عن الحياة الزراعية والتجارية في البلاد التي مر بها: "في قبرص سكر كثير...". و"الرملة قرية كبيرة، التجارة فيها نشطة". و"في الجليل تنمو الحنطة والشعير بين اشجار اللوز والزيتون". و"في الخليل ينتج العرب كميات كبيرة من الزجاج". و"في الأردن تنمو الخضروات والفواكه بكثرة، منها: تفاحة الفردوس والبطيخ والسكر".
وفي رحلته عد الحاج اغريفين المسافات بين المدن بالأيام إذ يقول: "من القدس الى غزة ثلاثة أيام، ومن غزة الى ياقبط اثنا عشر يوماً ومن ياقبط الى الاسكندرية ستة أيام...".
وقام الراهب فارسونوفي، من مدينة كييف، خلال رحلته الثانية الى الشرق الأدنى لأداء فريضة الحج 1461- 1462، بإحدى أولى الحجات الروسية الشهيرة الى سيناء والأرض المقدسة وسورية، ودوَّن انطباعاته عن المدن الشرقية التي حل فيها. وكان اكثر واقعية وصدقاً في التعبير كما صادفه وأثر به، لا سيما وأنه لم يكتبها لأغراض الدعاية والنشر. وتكمن أهمية هذا الأثر التاريخي في ما احتواه من تفاصيل دقيقة لا نجدها في مذكرات الرحالة الروس الذين سبقوه الى الشرق. ومما قال في وصف مدينة ياقبط - القاهرة: "أما مدينة ياقبط فهي عظيمة وقائمة على منبسط عند حضيض جبل. وتحتها يجري نهر من الجنة هو النيل الذهبي المجرى، والاسم الآخر للنهر هو غيون. وعرض المدينة ميلان وطولها اثنا عشر ميلاً".
وفي بداية النصف الثاني من القرن الخامس عشر قطع الرحالة والتاجر الروسي الشهير فاسيلي آسيا الصغرى وزار سورية وفلسطين، ووصل في كانون الأول ديسمبر عام 1465م الى مدينة القاهرة، بعد ان مر قبل ذلك بحلب وحمص ودمشق والرملة وغزة فأصبح الأول من بين الروس الذين سلكوا مثل هذا الطريق لبلوغ الأراضي المقدسة ووادي النيل. وأثناء رحلته في هذه الديار، التي استغرقت ثمانية اشهر، سجل "الجوال" فاسيلي ملاحظات ومعلومات قيمة عن مواقع المدن وعمرانها وأسوارها وتحصيناتها والأنهار ونظم الري والحمامات والأسواق والخانات وسكان البلاد ومعتقداتهم. وكتب فاسيلي عن بعض المدن العربية التي زارها مثل حلب ودمشق والقاهرة يقول: "حلب كبيرة لدرجة يمكن مشاهدتها على بعد كبير. أما دمشق ففيها تجارة نشطة... ومدينة القاهرة كبيرة جداً وفيها آلاف من الشوارع... التي تضيئها المصابيح الزيتية وتحيط بها آلاف مؤلفة من الدور".
ويذكر المؤرخ بيرمينوف: "ان الحجاج الروس كانوا في حالات غير نادرة يختارون أثناء توجههم الى فلسطين الطريق عبر مصر فهي آمنة نسبياً. على أن سيناء ظلت الى وقت طويل متوارية عن طرق الحجاج الروس. وتزايد الاهتمام بها بدءاً من النصف الثاني من القرن الخامس عشر، عندما رمز زواج امير موسكو العظيم إيفان الثالث من قريبة قسطنطين الحادي عشر آخر امبراطور بيزنطي صوفيا باليالوخ عام 1472 الى ولادة سياسة مشرقية جديدة لروسيا.
أفاناسي نيكيتين
تعد مدونات الرحالة والتاجر الروسي افاناسي نيكيتين وثائق جغرافية ممتعة للغاية، مشبعة بالمعارف والوقائع والمشاهد كتبت بلغة القرن الخامس عشر...
بعد اطلاعنا على مدونات الرحالة نيكيتين والخارطة التي رسمها تبيّن انه سلك طريقاً طويلاً جداً وغير اعتيادي بالنسبة الى ذلك الزمان. وفي تجواله بلغ الهند بعد ان مر ببلاد فارس ومضيق هرمز عابراً ثلاثة بحار هي: بحر قزوين وبحر الهند والبحر الأسود. وكان التاجر نيكيتين الأول بين الروس والأوروبيين الذين زاروا هذه المناطق النائية. لذا يكتسب مؤلفه "تجوال وراء ثلاثة بحار" اهمية فائقة لما حواه من انطباعات وأحاديث عن البلدان والبحار التي مر بها والشعوب وعاداتها وثرواتها وتجارتها.
ولدى عودته من الهند عبر افريقيا وبعد 12 يوماً رست السفينة في ميناء مسقط العربي. وهنا احتفل الرحالة نيكيتين بعيد الفصح عام 1472. ومن الأهمية ان نذكر أن التاجر نيكيتين وصل مدينة كالكوتا في الهند بعد ان قوض البرتغاليون تجارة الهند مع البلدان الإسلامية.
عن الصلات التجارية بين المسلمين والهند كتب الرحالة الروسي يقول: "قبل ظهور البرتغاليين على السواحل كانت تجارة المسلمين مزدهرة... وكان تجار كالكوتا يرسلون كل عام اسطولاً كبيراً الى عدن وجدة وغيرهما من موانئ البحر الأحمر. ومن كالكوتا تبحر السفن محملة بالأخشاب الثمينة والأحجار الكريمة والمجوهرات والتوابل وغيرها من البضائع".
وأشاد الرحالة نيكيتين بإعجاب كبير بمدينة شيراز الإسلامية ومعالمها الحضارية والتجارية، يقول: تعتبر مدينة شيراز أكبر وأهم مركز اقتصادي وثقافي في عموم إيران... تجارتها غنية وعدد سكانها كثير... وجذبت الأسواق الشعبية وقوافل السرايا في شيراز ومساجد ورياض المدينة الزاهية، انتباه الرحالة والتاجر الروسي نيكيتين. وعدد محاسن وبهاء مدن اصفهان وكاشان والمدينة التجارية القديمة تبريز...
ويذكر ان الرحالة التفيري نيكيتين اشترى أحد الخيول العربية، عندما مر في هرمز، ونقله على الباخرة الى الهند...
بعدها تتابعت "الرحلات الروسية" الى المشرق العربي وتشعبت أغراضها وازداد بالتدريج عدد التجار والرحالة والمبعوثين الروس الذين زاروا مدناً في آسيا الصغرى والشرق العربي، وكرسوا السنين الطوال من حياتهم لهذا الغرض. وإلى هذا الجيل ينتسب الرحالة والتاجر الروسي فاسيلي ياكوفليفيتش غاغارا، الذي تجول في مناطق شرقية ثلاث سنوات 1634- 1637، ومر خلال رحلته بالقسطنطينية وديار بكر وأورفه وحماه وحلب وحمص ودمشق ونابلس والقدس وغزة والقاهرة والاسكندرية. وتطرق الرحالة غاغارا، في يومياته، الى غوطة دمشق وفواكهها التي أكد أن "لا مثيل لها في العالم كله". وأعطى وصفاً دقيقاً للطريق التي سلكها الى وادي النيل ومشاقها، وأشار الى طريقة انتاج السكر في مصر، وسواها من الأمور التي استرعت انتباهه.
مؤلف مجهول
وفي النصف الثاني من القرن السابع عشر، تحدث مؤلف عسكري مجهول في مخطوطة له تحمل عنوان "وصف الامبراطورية العثمانية" عن رحلة طويلة قام بها في مناطق شاسعة من الشرق الأوسط وشمال افريقيا، استغرقت اكثر من خمس سنوات زار خلالها القدس والاسكندرية و"أبو قير" وطرابلس الغرب وتونس والجزائر وغزة ويافا وبيروت ودمشق وحلب والموصل وبغداد وغيرها من المدن. وفي عام 1890 علق ناشر هذه الرحلة قائلاً: "في ذلك العهد لم يقطع اوروبي آخر مثل هذه المسافة الواسعة في الامبراطورية التركية... كما فعل مؤلفنا". وكرجل عسكري جلبت انتباهه قضايا لم تجلب انتباه الآخرين، إلا في ما ندر، في مثل ذلك الوقت المبكر. وتحدث صاحب "الوصف" بشيء من التفصيل عن "خصائص" العرب الحربية و"خشيتهم من الأسلحة النارية" و"تفننهم في معارك الفرسان". وأعطى المؤلف معلومات مفصلة عن مواقع الجبال والأنهار، وعن أسوار المدن وقلاعها ومداخلها وتحصيناتها وتسليح بعضها بالمدافع وخلو البعض الآخر منها.
انطباعات الرحالة بارسكي
وقام الرحالة الأوكراني فاسيلي بارسكي بتدوين ورسم مشاهداته وانطباعاته خلال رحلته التي استغرقت عشرين عاماً 1724- 1744، وشملت بقاعاً واسعة في اليونان وقبرص وتركيا وفلسطين ومصر وسورية ولبنان وغيرها من المناطق. وظلت مدونات الرحالة بارسكي طوال اربعين عاماً محفوظة في صحائف حتى جرى طبع الجزء الأول منها في عام 1778 بأمر من الأمير بوتومكين. وفي أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر كانت "رحلات بارسكي" تتمتع بنجاح باهر. وجرى طبعها حتى عام 1819 ست مرات. وكانت الإضافة النفيسة الى النص رسماً صانها الزمن بريشة فاسيلي بارسكي نفسه، وأبدى فيها موهبة فنان بارع. وفي إمكان المرء أن يجد فيها صوراً بانورامية مثيرة لمدن فلسطينية، والرشيد والقاهرة والاسكندرية وأخرى ل"ابرة كليوباترة" و"عمود بومبي".
وكان الرحالة فاسيلي بارسكي كثير الملاحظة والاهتمام بما شاهده، فجاءت كتاباته مطابقة الى حد كبير لما كان سائداً، آنذاك، في فلسطين وباقي البلدان التي زارها. ولعل إجادته اللغة العربية ساعدت، بشكل كبير، في تناول مواضيع لم يتطرق لها الرحالة السابقون. والمعلوم ان بارسكي درس الآثار العربية الإسلامية وفك بعض رموزها الكتابية.
مدينة يافا
في مدوناته وصف الرحالة بارسكي مدينة يافا ومعالمها العمرانية قائلاً: "مدينة يافا ليست كبيرة ولكنها كثيفة العمران تنقسم مبانيها الى صنفين: الصنف الأول رائع الشكل والتركيب وهو من قطع حجرية مربعة الشكل. أما الصنف الثاني فمن الحجر الخام، أبيض اللون وهو ليس جميلاً مثل الصنف الأول مع ان عملية بنائه تبدو أبسط... السقوف لا ترتفع فوق المباني كما هو معروف في البلدان الأخرى لذلك تبدو البيوت وكأنها غير مسقوفة... ويبدو السقف جميلاً مستوياً وهو أفضل بكثير من السقوف المماثلة التي نستعملها عند بناء العنابر في بلادنا". وأشار الرحالة بارسكي الى ميناء يافا يقول: "منذ القدم اشتهرت المدينة وميناؤها... وتزورها السفن من فرنسا وبريطانيا وتركيا ودول قريبة اخرى. بعض السفن تحمل البضاعة والأخرى تنقل الحجاج المتوجهين الى القدس". وفي يافا "قلعتان وفيها كثير من المدافع للرد على المعتدين. ولديها كل ما هو ضروري لتصبح اجمل وأطيب مما هي الآن لو بذل البناة المهرة جهداً أكبر من أجل ذلك".
واهتم الرحالة فاسيلي بارسكي أشد الاهتمام بوصف العتبات المقدسة في فلسطين ودور العبادة الأخرى. وعن مبنى الكنيسة اليونانية العربية قال: "المبنى مقسوم الى قسمين. فالقسم الأول للحجاج المسيحيين الوافدين من طريق اليونان وهم يؤدون الصلاة باليونانية. والثاني مخصص للعرب من ابناء البلد ويطلق عليهم العرب البيض بسبب لون بشرتهم الطبيعي".
وأشار الحاج بارسكي في مدوناته، الى ضريبة الحج التي يدفعها حجاج بيت المقدس ومجالات صرفها والانتفاع بها: "كان باشا يافا يفرض على كل واحد من الحجاج ضريبة نقداً وفي المقابل يسلمه ورقة مخطوطة ومختومة تسمح له بمغادرة المدينة... ومع ذلك لا بد من ان يعلم كل مسافر ان الضريبة تفرض من الباشا لعمدة المدينة لتدبيرالحراسة ومصاحبة الحجاج في سفرهم الى القدس... والضريبة ليست مرتفعة، لأنها تؤمن بلوغ الحجاج مقاصدهم بسلامة".
مدينة الرملة
وقال عن مدينة الرملة التي مر بها بعد مغادرته والحجاج مدينة يافا: "تقع وسط سهوب خصبة، وقلما ترى هناك الرمال، لذا فإن هذه المدينة ملائمة لمن يريد العيش فيها، ويحيط بها كثير من الحدائق والبساتين الخضر. وأضاف الرحالة بارسكي: "أما أشجار الزيتون فتثمر في الصيف والشتاء على حد سواء". ورسم بانوراما لمدينة الرملة ومعالمها الطبيعية وتركيبها القومي والديني، ومما قاله: "وتمتد حقول واسعة في الشرق والغرب لمسافة متساوية. وفي الجنوب تقع جبال القدس الشاهقة، وهي قريبة من هنا، ويمكن الوصول إليها خلال نصف يوم. ويلاحظ كثرة اشجار النخيل والتوت والليمون والبرتقال...".
وذكر الرحالة بارسكي قرية عمواس، قرب القدس، التي دمرتها القوات الصهيونية مع قريتي بيت جالو ونوبا سنة 1967 وأزالتها من الخريطة الجغرافية وأنشأت محلها متنزهاً، يقول: "تبلغ المسافة بين عمواس ومدينة القدس زهاء ستين "مرحلة"، وتقع القرية وسط واد عميق يمتد عبر الجبال الشاهقة. ويوجد فيها كثير من البساتين... وتنمو فيها أشجار التين والزيتون...".
مدينة القدس
وعند وصول الحاج بارسكي مدينة القدس بلغت رحلته البحرية والبرية المحفوفة بالمخاطر مقصدها السامي. اما كيف استقبله وقافلة الحجاج اهالي القدس فهذا ما يقوله: "لقد نزلنا الى المدينة من تلة غير مرتفعة ومررنا ببساتين الزيتون، فاستقبلنا ورحب بنا عند مشارف المدينة طائفة من رجال الدين المسيحيين وغيرهم من بسطاء الناس، فصافحونا وعانقونا وقبلونا، ورحبوا بنا بسرور... وما إن اقتربنا من جدران المدينة حتى نسينا كافة أمراضنا وعذابنا الروحي وتوجهنا بصلواتنا الى ربنا الذي مكننا من الوصول الى الغاية المنشودة".
ومن قمة جبل الزيتون وصف الحاج بارسكي مدينة القدس، التي ظهرت بوضوح قائلاً: "وصلنا الى قمة جبل الزيتون... وشاهدنا مدينة القدس الجميلة الرائعة التي ظهرت بوضوح، وكأنها على راحة اليد... وظهرت بوضوح المباني الشاهقة وسور المدينة" وكذلك "الكثير من البيوت المبنية على جبل الزيتون، بما في ذلك المسجد الذي يصلي فيه المسلمون والكثير من بساتين الزيتون المحيطة بسفح الجبل".
وقدم الرحالة بارسكي وصفاً رائعاً لجبل الزيتون وأشجاره العريقة الضاربة عميقاً في التاريخ، وذكر ان سبب تسمية الجبل بجبل الزيتون يعود الى كثرة اشجار الزيتون، وجدير بالذكر "ان بعض اشجار الزيتون تدهش المرء بحجمها، فهي قديمة لدرجة انها كانت موجودة في أيام سيدنا المسيح، وبقيت سالمة حتى أيامنا هذه، بل وتثمر في بعض الأحيان. إن رؤيتها لأمر رائع ولا يمكن نسيانها".
وفي معرض حديثه عن سور مدينة القدس وبواباتها كتب الرحالة بارسكي يقول: "إن سور مدينة القدس مبني من الحجارة الكبيرة المنحوتة بلا إتقان. وشكل البوابة جميل وهي مزخرفة بكتابات تركية، وأبوابها حديد... وفي القدس ست بوابات كبيرة، وبوابتان صغيرتان، وبوابة داود هي الرئيسية، وتقع في القسم الغربي من المدينة قرب قصر الملك داود، وتدعى البوابة الثانية بوابة صهيون لأنها بنيت على جبل صهيون. أما البوابة الثالثة فتحمل اسم جتسيماني لأنها تقع أمام قرية جتسيماني وتطل على الشرق باتجاه جبل الزيتون... وتدعى البوابة الرابعة بوابة وارخ".
ومن بوابات المدينة ينتقل الرحالة بارسكي الى وصف دور العبادة المسيحية من كنائس وأديرة زارها وصلى فيها، وفي بعضها ادى مراسم الأعياد الدينية التي تصادفت خلال وجوده في القدس الشريف. ففي كنيسة القيامة شهد مراسم الاحتفال بذكرى "كرامة الرسول يعقوب" وفي دير القديس ديميتري شارك في الاحتفال بعيد الشهيد القديس ديميتري إذ "أقام الأسقف صلاة رائعة، وكانت الكنيسة مزينة بمصابيح فضية. والكنيسة صغيرة لكنها جميلة". وعن كنيسة الدير النسائي قال بارسكي: "إن كنيسة الدير النسائي صغيرة وبسيطة وتخلو من القبة، والكنيسة جميلة من الداخل، وفيها كثير من المصابيح الفضية".
مدينة بيت لحم
وبعد ان استقر الحاج بارسكي في مدينة القدس زمناً غير قصير، اطلع خلالها على الأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ووصف معالمها وآثارها، غادر المدينة متجهاً الى بيت لحم التي "تبعد مسافة ساعتين مشياً". ومما قاله عن تاريخ المدينة ومعالمها الطبيعية والحضارية: "يقول الكتاب المقدس ان بيت لحم كانت في الزمن القديم عبارة عن مدينة ثم تحولت الى بلدة صغيرة نتيجة تدمير مدينة القدس وضواحيها مرات كثيرة. والأبنية فيها من الحجر ويبدو شكل الكثير منها جميلاً وجذاباً. والبلدة تقع على هضبة خفيضة الارتفاع، وتحيطها من كل جانب وديان خصبة وجميلة، ويزرع فيها شتى أنواع الأشجار المثمرة". ويشرح الرحالة بارسكي في مدوناته قصة وسبب اعتناق اهالي بيت لحم الكاثوليكية بعد ان كانوا يعتنقون الأرثوذكسية "في السابق كان سكان بيت لحم يعتنقون الارثوذكسية ولكن بعد ان جاء إليها رهبان من روما بدأوا إدخال اهلها في ملة الكاثوليك.
وسمعت ان الرهبان مالوا الى إغراء الفقراء من أهل المنطقة بالهدايا ومن طريق توزيع النقود والصدقة، غير أن قسماً من العرب بقوا مخلصين للأرثوذكسية وهم قليلون". وأثنى الرحالة بارسكي على براعة أهالي بيت لحم في الصناعات التقليدية فهم "يتميزون ببراعتهم في الفنون والحرف وقبل كل شيء في صناعة الصلبان والمسابح وغيرها من التحف المصنوعة من الخشب".
وفي الثاني عشر من نيسان ابريل غادر الحاج بارسكي ومعه ثلاثة آلاف شخص فلسطين "وبسلامة ومن دون اي تعقيدات أو مشكلات...". ولم ينس بارسكي ان يشكر الله سبحانه وتعالى الذي أتاح له بيسر زيارة العتبات المقدسة في فلسطين.
وفي الخلاصة يتضح ان المصدر الرئيسي لمؤلف الرحالة الأوكراني فاسيلي بارسكي "رحلة في الأماكن المقدسة" هو تجربته الشخصية ووقوفه بنفسه على المشاهد والآثار والأحداث والاتصال مباشرة باليونان والأتراك والعرب من رجال دين وعامة مسلمين ومسيحيين ونقل عنهم ما كان يراه ممتعاً ومفيداً. وفي مؤلفه لا يعتمد الرحالة بارسكي في ذكر بقاع بلاد العرب التي طاف بها وأحوال أهلها على وصف ما جاء في كتب الرحالة والمؤرخين والجغرافيين والأوروبيين الذين سبقوه وإنما يعتمد على المشاهد الحية كما رآها.
* أستاذ جامعي ورئيس تحرير مجلة "روسيا والعالم العربي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.