لندن - «رويترز» - توغلت الدبابات في بلدات سورية واعتلى قناصة أسطح المباني وأخذوا يطلقون الرصاص على كل ما يتحرك واعتقلت قوات الامن محتجين. وفي أنحاء سورية من درعا في الجنوب الى بانياس في الشمال تشتد قبضة الامن وتزداد عزلة البلدات التي كانت في قلب الانتفاضة. وأضحى تحرك المحتجين والنشطاء الذين يستلهمون انتفاضتين أطاحتا برئيسي تونس ومصر أكثر صعوبة، فقد اعتقل الآلاف وطوق الجيش وقوات الامن المدن الرئيسية بالدبابات وأقام المتاريس على الطرق ومنع الوصول الى بعض البلدات وعزلت عن بقية البلاد بقطع خدمات الهاتف والانترنت. ويقول سكان، تم الاتصال بهم بشكل متقطع عن طريق الهاتف أو موقعي تويتر وفايسبوك على الانترنت، انهم يسمعون عن الاضطرابات في مدن اخرى من المحطات التلفزيونية الفضائية العربية وما يتردد على الالسن. ويقول الصحافي باتريك سيل، الذي كتب سيرة الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد: «يوحد النظام صفوفه ويحاول سحق المعارضة. أرى النظام يفقد شعبيته بشكل متزايد ويلجأ لأساليب وحشية ولكنه سينجو هذه المرة». ويتابع: «طالما بقى الجيش وقوات الامن على ولائهما لبشار سيبقى، ولكن على حساب تضرر سمعته». إلا أن بقاء النظام لن يعني ان شيئاً لم يتغير في سورية، فقد تغيّر الكثير بالفعل ومن ضمن هذا «نوع العلاقة بين المواطن والسلطة». وفي هذا الصدد يقول نديم حوري مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش» في بيروت: «لا يمكن اصلاح الاوضاع بالقمع. النظام يخدع نفسه بالاعتقاد بأن الدبابات يمكن ان تحل المشكلة. ربما يسحق الاحتجاجات ولكن لن ينجح في علاج المشاكل الكامنة». وحين تشاهد التلفزيون السوري او تستمع لوسائل الاعلام الرسمية يصعب ان تصدق ان ثمة حدثاً خطيراً في سورية، فيما عدا هجمات عشوائية على الامن والجيش يعزوها مسؤولون ل «عصابات مسلحة مجهولة وعملاء اجانب ومتشددين اسلاميين». ولا توجد أي صلة بين رواية السلطات عن الاحداث والتجربة القاسية التي يتعرض لها من نزلوا للشوارع للاحتجاج. وتقول جماعات حقوقية سورية ان ما يصل الى 800 شخص قتل واعتقل الآلاف منذ اندلاع الاحتجاجات في آذار (مارس) الماضي. ومنذ ذلك الحين لم يوجه الاسد كلمة مباشرة للأمة، بل ظهر على شاشة التلفزيون وهو يتحدث امام مجلس الشعب والحكومة. وقال سيل في هذا الصدد: «يعتقد البعض ان هناك من حل محله وانه فقد السلطة لصالح المتشددين في العائلة. لم يوجه كلمة للأمة. لم يقل ماذا يريد ان يفعل. ترك الامر لقوات الامن. يمكن ان يستخلص المرء انه ربما لا يمسك بزمام الامور كلياً». ولكن كما يشير خبراء فإن القضية الرئيسة ليست هزيمة قوى الامن للمحتجين، ولكن ما اذا كان «الحل الامني» يمكن ان يدوم من دون اصلاحات حقيقية. ويقولون ان المواطنين، مثلما حدث في العواصم العربية الاخرى، يتمردون على غياب الحرية والفرص. ويثير حنقهم الفساد الذي أثرى الصفوة بينما يعيش ثلث السوريين تحت خط الفقر. ويحيط أصحاب البلايين بالعائلة الحاكمة بينما تجمد الدخل القومي طوال عقود في اقتصاد لا يزال منغلقاً. ويقول حوري: «لا يمكن بناء إصلاحات على أساس قمعي. كلما تنامى العنف المستخدم كلما تضاءلت فرص قبول الاصلاحات». وتابع: «اذا اعتقد أي شخص ان في وسعه ان يفلت بحماة اخرى فانه يعاني من قصر نظر. ستنتشر المعلومات في عصر ويكيليكس ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة». ويعزو البعض الفضل للأسد في محاولة تحرير الاقتصاد وتحديث سورية ولكن الزيادة السكانية الكبيرة - تصل حالياً لحوالى 2.4 في المئة سنوياً - فاقت كثيراً قدرة الاقتصاد على توفير فرص عمل على مدار العقود الثلاثة الماضية. وقال الناشط علي الاتاسي: «سورية عند نقطة مفصلية ولا يمكنها الرجوع الى الوراء».