تطوير محمية الملك عبدالعزيز تختتم مشاركتها في "حِمى"    محمد بن عبدالرحمن: طموحات وعزيمة صادقة    أمير الشرقية يرعى حفل خريجي جامعة الملك فيصل    جازان.. سلة الفواكه    النفط ينهي سلسلة خسائر أسبوعية مع النمو الاقتصادي واستمرار مخاوف الإمدادات    الذهب يرتفع مع تباطؤ الاقتصاد الأميركي وانتعاش الطلب    كوليبالي: نتمنى أن نفوز بالدوري قريبًا    القيادة تهنئ رئيسة تنزانيا    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    الأخضر الأولمبي يودّع كأس آسيا بخسارته من أوزبكستان بهدفين    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزور قيادة القوة البحرية بجازان    إغلاق جميع فروع منشأة تجارية بالرياض بعد رصد عدة حالات تسمم    توافق مصري - إسرائيلي على هدنة لمدة عام بقطاع غزة    الاتفاق يختتم تحضيراته ويغادر للقصيم    10 أحياء تنضمّ للسجل العقاري بالرياض    «مكافحة المخدرات» تقبض على شخصين بالقصيم لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر    "الأرصاد": لا صحة لتعرض المملكة لأمطار غير مسبوقة    نائب وزير الداخلية يرأس وفد المملكة المشارك في المؤتمر الأول لمكافحة الاتجار بالمخدرات    ترميم قصر الملك فيصل وتحويله إلى متحف    ضوابط جديدة و4 تصنيفات لتقييم أضرار المركبة    السعودية تحصد ميداليتين عالميتين في «أولمبياد مندليف للكيمياء 2024»    الأحوال المدنية: منح الجنسية السعودية ل4 أشخاص    «الطيران المدني»: تسيير رحلات مباشرة من الدمام إلى النجف العراقية.. ابتداء من 1 يونيو 2024    «الحج والعمرة»: احذروا شركات الحج الوهمية.. لا أداء للفريضة إلا بتأشيرة حج    الأرصاد: لا صحة عن تأثر السعودية بكميات أمطار مشابهة لما تعرضت له بعض الدول المجاورة    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    جوارديولا: الضغط يدفعنا إلى الأمام في الدوري الإنجليزي    إصابة حركة القطارات بالشلل في ألمانيا بعد سرقة كابلات كهربائية    كيسيه يعلق على الخسارة أمام الرياض    الشاب عبدالله بن يحيى يعقوب يعقد قرآنه وسط محبيه    أعمال نظافة وتجفيف صحن المطاف حفاظًا على سلامة ضيوف الرحمن    وزير الشؤون الإسلامية يعقد اجتماعاً لمناقشة أعمال ومشاريع الوزارة    أمريكا: اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان    أستراليا تقدم الدعم للقضاء على الملاريا    إصابة مالكوم وسالم الدوسري قبل مباراة الهلال والفتح    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    اتفاق سعودي – قبرصي على الإعفاء المتبادل من التأشيرة    "زرقاء اليمامة" تعيد الأضواء ل"مركز فهد الثقافي"    "المُحليات" تدمِّر "الأمعاء"    هوس «الترند واللايك» !    مقامة مؤجلة    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    نائب امير منطقة مكة المكرمة يهنئ القيادة الرشيدة نظير ماتحقق من انجازات كبيرة وتحولات نوعية على كافة الاصعدة    الصحة: رصد 15 حالة تسمم غذائي في الرياض    «ألبرتو بُري» يتجاوز مأساته    الهمس الشاعري وتلمس المكنونات    مقال «مقري عليه» !    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس جمعية «قبس»    فلسطين دولة مستقلة    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    تفكيك السياسة الغربية    القيم خط أحمر    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال82 من طلبة كلية الملك عبدالعزيز الحربية    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة - رقصة
نشر في الحياة يوم 17 - 10 - 2017

كانت الراقصات الثلاث يقفن على الجدار كعادتهن بملابسهن الشفافة كقلوب بريئة وأرواح تثق في كل شيء. أكاليل الأزهار على شعورهن المسدلة كليالي زحل تزينها أقمار المدارات. حركاتهن تلهب المجرة وتطيح الشهب والنيازك في ركلة قدم. ركلة عادية. ركلة بسيطة وهشة من أقدام تحاول أن تبقى أطول وقت ممكن بعيداً مِن الأرض.
الصغيرتان تحملان الدفوف ذات الشخاليل النحاسية حادة الصوت. بينما العتيقة الأثقل وزناً تجلس ممسكة بالناي. لم تكن تهلل ولا تركل شيئاً. كانت تحبس صوتها في الناي. ناظرة إلى أسفل، لا يمكن أحداً أن يعرف مغزى نظرتها. بمرور الوقت تعبت إحدى الصغيرات فقررت أن تجلس إلى الأرض، مستندة إلى مقعد خشبي تستخدمه كآلة للإيقاع. في تلك اللحظة، شعرت الأخرى بأن الدفَّ الذي تمسك به لم تعد له أي أهمية، من هنا وضعته جانباً وبدأت تستخدم الصاجات أو الشخاليل وحدها.
في الواقع، لم تكن هناك أغنية. كان الارتجال سيد الموقف. والراقصة المعتزلة العتيقة لم تكن تقيِّم الرقص.
كانت ظهيرة قائظة ليوم من أيام الصيف. لا عيد ميلاد ولا فرح ولا مناسبة سعيدة في الأفق. الكهرباء مقطوعة. وكذلك الواي فاي. لا تلفاز إذاً ولا ألعاب مجانية على الشبكة. الماء في الثلاجة أصبح ساخناً تماماً كالماء المخزون في برميل أسفل حوض المطبخ. لكنه مع ذلك متوفر ويمكن الشرب أو إعداد الشاي أو الطعام وقتما شاءت الأسرة الصغيرة، والجمهور المتخيل طبعاً لهذا العرض الراقص المجاني خصيصاً لتمرير الوقت.
هكذا، ومن دون سابق إنذار، تجمعت الأسرة الصغيرة، في صور متلاحقة معلقة على الجدران. الجدران المتبقية من بيت مهدم إثر حرب لا يتذكر عنها أحد شيئاً. أو ربما المهدم بفعل الزمن. الزمن حرب أخرى، بطيئة وسلمية، لا ينبغي أن يستهان بها. كانت الجماهير تعبر من الصالة إلى الصالون إلى البهو إلى الساحة إلى حجرة الطعام. وكان المرشدون السياحيون يلقون عليهم ما حفظوه في كتب الدراسة، بينما يتابعون بهم مسرعين إلى دكاكين العطور والبردي والتماثيل المزيفة.
التذكارات. نعم. التذكارات لا بد منها قطعاً. هكذا، كانت الراقصة العتيقة تفكر بينما تنفخ روحها في الناي. عليهم أن يحصلوا على تذكارات لأنهم بطبيعتهم أقرب إلى النسيان. وبحركة بدت طبيعية وضعت الراقصة العتيقة نايها إلى جوارها والتفتت جالسة إلى صغيرتيها تشير لهما أن يقتربا من حجرها. هل تعبتن من الرقص؟ نعم! لكننا استمتعنا كثيراً. لا! أنا لم أتعب. أنتِ تعبتِ! حسناً أنا سأستحم أولاً. لا؛ أنا أولاً. ستدخلان في حوض الاستحمام معاً.
هكذا، قررت الأم. بينما الفتاتان مصدومتان لا تستطيع أي منهما أن تعلن رفضها.
اثنان من الصغار يساويان واحداً كبيراً. هكذا فكرتا. عندما نظرت كل منهما إلى الأخرى كانتا بالفعل قد اتفقتا بالنظر على الخطة التي سيتبعانها. المكر وليد القهر والحيلة دائماً منجاة للضعفاء. - تفضلي يا أختاه. أنتِ أولاً! أنتِ تعبتِ قبلي ومع ذلك انتظرتني. - لا! تفضلي أنت أولاً يا أختاه! أنت غارقة في عرقك بينما أنا جفَّ عرقي ولم أعد أشعر بالرطوبة الزلقة على ملمس جلدي. - حسناً إن لم تتفقا سأدخل أنا أولاً. - تفضلي يا أماه.
هكذا هربت الفتاتان من الاستحمام المشترك، لتلعبا في حجرة أخرى.
***
عندما طاف السائحون حول حوض الاستحمام، وجدوه كبيراً ومهيباً، وفارغاً تماماً من الماء. حجرة المومياوات كانت تحوي مومياوات لملوك وملكات ورجال ونساء دولة كبار المنزلة وكذلك كانت تحوي قططاً وكلاباً وطيوراً وتماسيح والكثير من الحيوانات. لكنها أبداً لم تحو مومياء للراقصات الثلاث المثبتات على الجدار، المحفورات في الصخر كإرث قديم تبدد مع الوقت. لم تكن قاعة المومياوات تحوي فرحاً ولا قصصاً عن طرائف الصغار وحيلهن. وبالتأكيد، لا إيقاع في قاعة المومياوات سوى إيقاع القلب الميت، الوحيد الذي ورث القلب الشجاع.
سائق الحافلة يتململ من الحرارة جالساً إلى مقعده المكيف من الباص السياحي ينتظر العودة إلى الفندق. إنها اللحظة التي يحصل فيها على بقشيشه الثمين الذي سيعود به إلى أطفاله. قد يسدد واحداً من أقساط الغسالة اليوم. أو ربما يمكنه أن يدفع شيئاً من متأخراته لصاحب السكن. وقد يعود بوجبة جاهزة تعفي زوجته يوماً من هلاك الطبخ. لا أحد يعرف. ربما. لا أحد يعرف حجم البقشيش.
في ظرف محكم، وضعت الأم عدداً لا بأس به من آلاف الجنيهات وعزمت على المضي قدماً نحو المدرسة: - هل يمكن تقسيط أجرة الباص؟ - لا. – حسناً؛ هل يمكن دفع الجولة الصباحية فقط؟ أستطيع أن أصطحبهما في العودة من العمل. – لا؛ دفع الباص كاش من دون تقسيط، ذهاب وعودة. - شكراً.
كانت الحرب قد أثقلت على الجميع. المدرسة تحتاج إلى طلاء جديد ومقاعد إضافية وإعادة ترميم الكثير من الفصول. كان أولياء الأمور يصرخون في مواجهة الإدارة حول الباصات التي ينبغي تكهينها وشراء باصات جديدة بينما الإدارة تصرخ في وجههم أنها لتفعل ذلك عليها أن تزيد من مصاريف الطلبة وهنا ستبدأ حتماً حرب لا تريد الإدارة المدرسية ولا أولياء الأمور أنفسهم خوضها. آثر الجميع الصمت قانعاً بمغنمه من الحرب الطاحنة. فعلى الأقل، المدرسة تعمل. هناك رواتب للمدرسين وهناك شهادات تُمنَح للأطفال. أي هناك مستقبل ما، أي مستقبل، يلوح في الأفق.
- ألا يدفع المدرسون في المدرسة مصاريف أقل لأولادهم الملتحقين بالمدرسة؟
- نعم. - هل تحتاجون مُدرسة موسيقى؟ - موسيقى! موسيقى!
كانت المديرة تصرخ مستنكرة في وجه العتيقة المحترفة. نريد مُدرسي فيزياء! موسيقى؟! هل تعلمين ما جدوى حصص النشاط يا مدام؟ إنها تلك الحصص التي نبقيها احتياطياً لتدريس العلوم الحقيقية إذا اضطررنا للتأخر في المناهج وإقفال المدرسة لبضعة أيام أو أسابيع بسبب الحرب! – حسناً؛ لا ضير... سلام.
كان الكوكب الأحمر يواجه الشمس مباشرة. وكان يفدي بنفسه كوكب الأرض. يقول للشمس يمكنك أن تجعليني قطعة من لهبك. أن أتماهى مع طبعك الحارق المذيب. لست غازيّاً مثلك، لو أكلتِني، ماذا يحل بإخوتي الأصغر والأبعد. سلالة بأكملها من الكواكب يمكنها أن تنمحي من على وجه المجرة. لهذا، ينبغي أن أبقى صامداً، في مغازلتك كما في مقاومتك، يا شمسنا الحبيبة الحارقة. أُرقصي، وعلى إيقاعك سنتابع الرقص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.