هذه المرة يخفت حديث «توفير مستلزمات العيد» و «تشديد الرقابة على المخابز لمنع تسريب الدقيق لصناعة كعك العيد» و «إحكام السيطرة على الشواطئ العامة لمنع استغلال المواطنين». وتتوارى إعلانات الفنانين والفنانات التي يتم إحياؤها في المنتجعات والمجمعات التجارية لتقتصر أماكن البيع على مناطق تمركز الطبقة المخملية، أو بالأحرى ما تبقى منها. وتنشط الشاشات التلفزيونية والكنبات البيتية لتستقبل جموع المواطنين المتزايدة التي وقف الاقتصاد حاجزاً بينها وبين المستلزمات والكعك والمصايف وحفلات العيد. العيد يأتي هذا العام محملاً بأسعار كعك في مستوى المواطن القابع أعلى قمة الهرم دون سواه، وملبداً بظاهرة ارتفاع أسعار تحولت إلى واقع يومي شديد الالتهاب معرض للاشتعال، ومحملاً بأعباء اقتصادية تؤججها أحاديث احتمال رفع سعر الدولار مجدداً، وربط مزيد من الأحزمة على البطون، والتلويح بارتفاع أسعار سلع أساسية هنا وتذاكر مواصلات حيوية هناك وتحركات اقتصادية مبهمة تثير القلق وتدعو إلى الوجل وتهدد بمزيد من الأوقات الصعبة تتضح ملامحها بعد عطلة العيد الطويلة. عطلة طويلة كان من شأنها أن تكون متخمة بشراء الكعك وتجهيز مستلزمات الولائم والاحتفالات والخروج إلى الشواطئ والمتنزهات، لكن الغالبية تحسبها بدل المرة مرات في ضوء مصاعب اقتصادية طاحنة أثرت على الجميع بدرجات متفاوتة. ظهور بشائر الطبقة المتوسطة في أسواق الملابس المستعملة، ولجوء سكان الطوابق العليا من هرم الطبقة المتوسطة إلى منافذ بيع الكعك «الحكومي» الذي كان حتى أعياد قريبة مضت حكراً على الطبقات البسيطة، والبحث عن أماكن ترفيهية لا تستلزم ميزانيات مرتفعة حيث التسكع في المراكز التجارية الفاخرة والمشي على الكورنيش واستمرار التزام الكنبات الرمضانية أمام الشاشات التلفزيونية، كلها مؤشرات تؤكد أن العيد لم يعد فرحة فقط، بل بات فرحة مرشّدة ومحسوبة بإحكام ويتحكم فيها سعر الدولار. الدولار الذي أصاب كعك العيد في مقتل قافزاً به إلى 70 و80 و90 جنيهاً مصرياً ويزيد للكيلوغرام الواحد، وأشعل أسعار السلع الأساسية والهامشية والاستفزازية وتلك التي لا غنى عنها من دون تفرقة، وأجج توقعات المحللين والمنظرين في ضوء تلميحات محافظ البنك المركزي طارق عامر قبل أيام عن اتجاه إلى خفض سعر صرف الجنيه المصري مجدداً (ليصل سعر الدولار ربما إلى أكثر من عشرة جنيهات بالسعر الرسمي) باتت له اليد العليا في استقبال المصريين للعيد. إعادة الهيكلة الإجبارية لسبل استقبال العيد حيث اكتفاء بكيلوغرام واحد من كعك العيد أو استغناء كامل عنه، وترشيد الخروج من باب البيت، وشطب السلع غير الأساسية من قوائم التسوق، ووصول الرسالة الحكومية واضحة جلية بضرورة زيادة تضييق الأحزمة المربوطة على البطون، جعلت التصريحات الموسمية والتحذيرات المعاد تدويرها في أوقات الأعياد تبدو خارج السياق. تحذير الدكتور فلان من الآثار الوخيمة لالتهام كعك العيد من دون حساب، والإفراط في الأسماك المملحة بلا رادع، والإكثار من التعرض للشمس على الشواطئ بدا أقرب ما يكون إلى الاستهلاك الموسمي غير المبرر في ضوء الترشيد المفروض قسراً. لكن فروض الترشيد وقواعد التضييق لم تصب الجميع بالتساوي. ورغم أن المصريين يقفون على قلب رجل واحد هذه الأيام من حيث الشكوى من الدولار والوجل من الأسعار والتشكك في ما يحمله الغد القريب من مفاجآت منزوعة السرور، إلا أن جحافل السيارات الفارهة المتوافدة على بوابات طريق القاهرة- الإسكندرية الصحراوي وتحول الطريق السريع خلال الساعات القليلة الماضية إلى طريق يعاني الزحام، وفتح آلاف الفيلات والشاليهات المتراصة على الساحل الشمالي غرب الإسكندرية وحتى مرسى مطروح بعد شهور من الإغلاق الشتوي مظاهر تشير إلى أن الدولار وإن ضرب فهو يضرب ضرباً متفاوتاً، والترشيد وإن وجب لكنه يُفرض بدرجات متباينة. عبارة «احتفال العيد هذا العام على قد الإيد» الأكثر تداولاً هذه الأيام، في إشارة إلى الترشيد والتضييق يتفوه بها الجميع، لكن أيادي سكان الطوابق العليا في هرم مصر الاقتصادي تعني أسابيع اصطياف وكيلوغرامات كعك وسلعاً استفزازية أقل، في حين تشير أيادي الطوابق السفلى إلى سويعات ترفيه وغرامات كعك وسلع أساسية أقل.