وضع مجلس الوزراء اللبناني نفسه في حال تأهب دائم للتعامل مع أي تطوّر أمنيّ جديد. وأعرب رئيسه تمام سلام عن خشيته من أن يكون ما حصل في القاع بدايةً لموجة عمليات إرهابية في مناطق مختلفة، داعياً إلى المواجهة بموقف وطنيّ موحّد ومتكامل. وكان الواقع الأمني في القاع فرض نفسه على مجلس الوزراء الذي رفع الملف المالي عن جدول أعماله في جلسته أمس، وحصر النقاش بالتطورات الأمنية في القاع، بعدما أكد سلام أن «المطلوب منا موقف، وعدم التساهل مع الإرهابيين». وبدأت الجلسة بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح ضحايا الجريمة الإرهابية. ثم تحدّث سلام فقال إن «لبنان يواجه شكلاً جديداً من أشكال الصراع مع الإرهاب الذي يخوضه الجيش والقوى الأمنية اللبنانية منذ سنوات». وأضاف: «الاعتداء بذاته لم يكن مفاجئاً والأجهزة الأمنية كانت حذّرت من عملٍ ما يخطّط له الإرهابيون، لكنّ المفاجئ للجميع كان الأسلوب الذي اتّبع في تنفيذ الاعتداء وفي عدد الانتحاريين الذين شاركوا فيه، ما يطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة المرحلة المقبلة من المواجهة»، مشيراً إلى «أن التحقيقات التي تقوم بها الأجهزة المعنية مستمرة وبدأ بعض المعلومات الأوليّة يتضح عن هويات الإرهابيين». وقال: «ليس المطلوب استنفاراً طائفياً أو مذهبياً أو فئوياً، وإلا فإنّنا نكون وقعنا في الفخّ الذي نصبه لنا الإرهابيون». وزاد: «بلدة القاع المسيحية استهدفت اليوم، لكن مناطق إسلامية مثل الضاحية الجنوبية وطرابلس وعرسال وغيرها استهدفت في الماضي، ولذلك يجب على جميع القوى السياسية إعطاء الموضوع بعده الوطنيّ وليس الفئويّ». ودعا إلى الابتعاد عن مظاهر الأمن الذاتي الفئوي، قائلاً: «إنّ القاع في قلب لبنان ومن واجبات اللبنانيين جميعاً حمايتها». وسجل الوزراء مواقفهم فأجمعوا على ضرورة تأكيد الوحدة الوطنية في مواجهة الإرهاب ودعمهم للجيش وصمود اللبنانيين. ودعت الوزيرة أليس شبطيني وفق قول مصادر المجتمعين ل«الحياة» إلى إيلاء أهمية لموضوع النازحين ومعالجته «لأنني أخشى من أن يتحول كل لاجئ إلى خلية إرهابية». وتابعت شبطيني: «لو لم يذهب أولادنا في حزب الله إلى القتال في سورية وبقوا هنا للدفاع عن حدودنا مع الجيش، لكان أفضل، ولما تم استدراج قادتهم وقتلهم في سورية». وكانت طالبت لدى دخولها الجلسة بقوات دولية على الحدود. ورد وزراء بضرورة التمييز. وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس: «علينا أن نميز بين الإرهابي واللاجئ. قد تكون لدينا ملاحظات أمنية على اللاجئين، ولكن دورنا احتواء اللاجئين واتباع هذه السياسة وليس العنصرية». وأضاف: «علينا أن ننتهز هذه اللحظة على رغم الفاجعة، أن ما قام به المجرم في القاع يستهدف كل الشعب وتطهير المنطقة وتهجير أبنائها. الإرهابيون لا يشبهوننا ولا ينتمون إلى احد منا». وقال: «نحن مختلفون على الموقف من سورية، لكن وحدة موقفنا مطلوبة وألا يكون عليها غبار والا نكون وقعنا في فخهم. هؤلاء أعداد بشرية متوحشة وما يحصل لا علاقة له بالصراع السياسي بيننا». وقال الوزير حسين الحاج حسن: «قمنا بعمل استباقي، بمواجهة التكفيريين، وليس صحيحاً أن العمليات التي تحصل بسبب ذهابنا إلى سورية، هؤلاء بدأوا منذ أحداث جرود الضنية». وكان قال لدى دخوله الجلسة: «المطلوب أمام الهجمة الإرهابية زيادة الإجراءات الأمنية والوحدة الوطنية وزيادة الاقتناع عند البعض بأننا في حرب مع الإرهاب ولولا تدخلنا لكانوا هنا». وقال وزير الزراعة أكرم شهيب: «خلافنا هو حول الموقف من سورية. النزوح يجب معالجته، هناك فلتان في المخيمات. والإرهاب يجب ألا يكون مادة خلافية، لكن علينا معالجة موضوع النازحين بعيداً عن التعسف والعنصرية، ولا وقت للحديث عن الخلاف مع سورية الآن. ما أصاب القاع أصاب كل لبنان والحل هو بموقفنا الموحد ورفع الجاهزية الأمنية ودعم المؤسسات». وأكد الوزير وائل أبوفاعور أن «الموقف المختلف من سورية، لا يمنع من أن يكون موحداً، هؤلاء الإرهابيون لا دين لهم ولا يواجهون إلا بوحدتنا». وقال بعد الجلسة: «الكل أجمع على دخولنا في سيناريو إرهابي». وقال الوزير جبران باسيل: «ليس في إمكاننا القول إن كل السوريين إرهابيون، نميز بين الإرهاب والنازحين. كنا أطلقنا منذ زمن الصرخة للمعالجة»، داعياً إلى إعطاء دور للبلديات في مواجهة الإرهاب. وإذ أكد أن «لغة أهل القاع ليست طائفية»، قال: «هناك تعبير عن وجع الألم ولا نسمح باستدراجنا لكلام طائفي». وتحدث الوزير محمد فنيش عن مواجهة الإرهاب الذي لا يميز بين طائفة وطائفة ومنطقة ومنطقة. وقال: «تفجيرات القاع عمل وحشي مستنكر والرد هو ألا نخشى هؤلاء الوحوش وأن نقف صفاً واحداً ضد مشروعهم. ولا بد من فتح حوار مباشر مع الحكومة السورية للتحقق من النازحين وعودتهم إلى مناطق آمنة». أما الوزير حرب فقال: «نحن أمام مرحلة صعبة في ضوء تعاظم إرسال الانتحاريين الذين يتزايدون، وقد يكون انعكاساً للصراع في سورية والعراق». وإذ نوه بأهل القاع، قال: «علينا ألا نتساهل في حمل السلاح لأنه في النهاية يؤدي إلى ضرب الدولة ويقوض مؤسساتها الأمنية». ولفت إلى أن «ما حصل في الماضي يؤكد ما أقوله اليوم». ودعا إلى مجلس وزراء استثنائي في حضور القادة الأمنيين لوضع خطة شاملة للمرحلة المقبلة مع إمكان استدعاء الاحتياط وفتح باب التطوع، وقال: «علينا وضع خلافاتنا جانباً وحماية أمن الوطن». وأشار وزير الإعلام رمزي جريج في بيان بعد الجلسة الى ان «شهداء القاع والجرحى افتدوا لبنان بدمائهم». ورأى أن «هذا الاعتداء على الأمن القومي والطريقة غير المألوفة التي نفّذ بها، يدشّنان مرحلة نوعية جديدة من المواجهة بين الدولة وبين الإرهاب الظلامي الذي يسعى منذ سنوات إلى ضرب الأمن والاستقرار في لبنان وجرّه إلى أتون الفتنة». وإذ جدد مجلس الوزراء ثقته الكاملة بالجيش وجميع القوى والأجهزة الأمنيّة التي تؤدي على أكمل وجه واجبها الوطني في حماية أمن اللبنانيين وحفظ الاستقرار في البلاد، دعا المواطنين إلى الالتفاف حول القوات الشرعية وعدم الاستسلام للذعر الذي يريد الإرهابيون بثّه في النفوس. وأعلن وضع جميع المؤسسات الحكومية بكلّ إمكاناتها في حال استنفار كامل. وقال: «إنّها لحظة للوحدة الوطنيّة، احتراماً لدماء الشهداء التي روت أرض القاع ولآلام الجرحى، وتهيّباً لحجم الخطر الذي يطلّ برأسه مهدّداً أمن اللبنانيين ووحدة نسيجهم الاجتماعي. كما أنها لحظة للتفكّر في واقعنا السياسي الراهن والجهد المطلوب من الجميع للخروج من الأزمة، وكذلك للإشادة بالوعي الشعبي في مواجهة الإرهاب تدعيماً للوحدة الوطنية».