بدا السؤال نفسه غريباً. فعلى رغم أنهن موظفات من الطبقة المتوسّطة، وخريجات جامعيات، ويشغل بعضهن مناصب بارزة ومكانات متقدّمة في الشركة الكبيرة حيث يعملن، إلا أن تحديد مدى «صداقة مكان العمل لحاجاتهن» بدا أشبه بالنكتة تارةً، والمقلب طوراً، والمفهوم غير المفهوم دائماً. حين بدأت نيهال حازم (39 سنة) عملها في الشركة، لم يخطر في بالها إن كانت الوظيفة «صديقة للمرأة» أو «عدوة لها». تقول: «الوظيفة هي الوظيفة. وقد اعتبرت حصولي عليها مكسباً مهماً لا سيما أن عدد المتقدّمين كان كبيراً، فقد إختاروني وزميلاً لي». تسكت برهة وتنظر إلى زميلاتها وتتنهد تنهيدة قصيرة، وتقول بأسى: «صحيح أن زميلي ترقى سريعاً، ويحظى بمميزات أفضل، لكني قانعة بما وصلت إليه على رغم انعدام العدالة بيننا». يزعج نيهال تفاوت الفرصة الواحدة بين هذا وهذه ويدفعها إلى الغضب والاكتئاب، لكنها لم تفكّر يوماً أن تطالب أو حتى تجاهر (خارج دائرة الزميلات المقرّبات) بشعورها بالقهر وإحساسها بالظلم لعدم المساواة، لا سيما أنها وبشهادة رئيسها المباشر «أفضل منه» في العمل. «نحن أفضل من غيرنا» وفق ما تؤكّد مروة فرحات الموظفة في الشركة عينها. تقول: «صحيح أن كل من أنجبت أثناء عملها عانت الأمرين، مثل صعوبات ترك الصغار في حضانة قبل المجيء إلى العمل، أو الحصول على إذن لترك العمل قبل انتهاء الدوام حين يمرض الصغير، إلا أن الوضع ليس سيئاً عموماً». لم تسمع مروة من قبل عن نص في قانون العمل يلزم الأماكن التي يعمل فيها عدد معين من النساء ممن لديهن صغار أن توفّر حضانة لأبنائهن. هذا وغيره من الحقوق لا تعرفه النسبة الأكبر من العاملات في مصر في أماكن العمل الكبرى. فما بالك بالأماكن الصغرى من حيث العائد المادي والمستوى الإجتماعي والطبقي، علماً أنها الأكثر عدداً والأعلى إنتشاراً، وكذلك الأفدح تفرقةً لمصلحة الرجال على حساب النساء. ملايين المصريات يعملن في قطاع الزراعة، وهو أحد أبرز قطاعات العمل غير الرسمية حيث العاملات من دون معايير عمل واضحة، لا في الحقوق أو الواجبات، وإن كان واقع الحال يشير إلى أنهن يؤدين واجباتهن على أحسن ما يرام ويحصلن على حقوق على أدنى ما لا يرام. ووفق المجلس القومي للمرأة، يعمل أكثر من 65 في المئة من المصريات في الريف في قطاع الزراعة، حيث تشارك المرأة شأنها شأن غالبية النساء في البلدان النامية، في إنتاج المحاصيل ورعاية الماشية وتوفير الغذاء والماء والوقود لأسرتها، إضافةً إلى الأنشطة غير الزارعية من أجل تنويع سبل العيش لأسرهن. وعلى رغم ذلك، فإن الغالبية المطلقة منهن تبقى من دون حقوق منصوص عليها. وقبل أيام، أطلقت هيئة الأممالمتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (هيئة الأممالمتحدة للمرأة) بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية برنامجاً للنهوض بأماكن العمل التي تتمتعّ بالسلامة والأمن، وتتسم بكونها صديقة للمرأة في قطاع الأعمال الزراعية في مصر، تحت عنوان «دعم توظيف المرأة». وتشير مديرة المكتب القطري لهيئة الأممالمتحدة للمرأة في مصر الدكتورة ميوا كاتو، إلى الإمكانات الإيجابية التي يحملها قطاع الأعمال عند مواءمة سياسات التوظيف لمبادئ المساواة بين الجنسين، موضحةً أن «تمكين المرأة يزيد من فرص الإستثمار الخارجي للشركات. ويعلم الجميع أن تعزيز أماكن عمل وأسواق ومجتمعات تتسم بالأمن والسلامة، سيعود بالنفع على فئات المجتمع كلها». ويهدف المشروع الجديد إلى رفع الوعي بمبادئ المساواة بين الجنسين، ومبادئ تمكين المرأة من خلال دعم ست شركات ناشطة في المجال الزراعي في مناطق الصعيد، على أن تكون نموذجاً يحتذى به من حيث توفير سياسات خاصة بالتوازن بين الجنسين وبيئات العمل الدامجة للمرأة. وتضيف كاتو أن المشروع سيوفّر أيضاً سياسات وإجراءات خاصة بالتصدي للتحرّش الجنسي، وتعزيز المساواة في فرص العمل والأجر والحوافز الملائمة التي بدورها ستنعكس على استبقاء الموظفين والموظفات. وأكّد مدير مكتب التنمية الإقتصادية في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ويليام باترسونيقول، أن أماكن العمل تصبح قوية عند إدماج المرأة فيها، باعتبار أن «وجودها في قطاع الأعمال يساعد على زيادة القوة السوقية بسبب زيادة الإنتاجية وراحة الموظفين للإستمرار بالعمل فيها، إذ يساعد الإستثمار في المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة على المساهمة في إزدهار الشركات وزيادة قدرتها التنافسية».ويبقى العامل البشري ليتحول المشروع إلى فعل. فحين تدرك النساء أن من حقهن أن يعملن في بيئة صديقة للمرأة، وحين يدرك صاحب العمل أن من واجبه أن يوفّر هذه البيئة، ستصبح أماكن العمل صديقة للنساء ومهيئة لينافسن منافسة خالية من التحيّزات أو سلب الحقوق أو التنصّل من الواجبات.